قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات اللبنانية تتقاعس عن حماية الحق في الصحة والحياة للمواطنين في خضم أزمة مستمرة جعلت المرضى غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، أو الحصول عليها. رُفع الدعم في نوفمبر/تشرين الثاني، وارتفعت معه أسعار الأدوية في لبنان أربع مرات مقارنة بعام 2019 في بدايات الأزمة الاقتصادية، ولا يزال النقص في الأدوية شديدًا. على الرغم من أنّ الحكومة كانت تدرك ضرورة رفع الدعم، أقلّه منذ العام الماضي، إلا أنها تقاعست عن وضع خطة حماية اجتماعية لضمان استمرار توفر الأدوية الأساسية. وقد تحدثت منظمة العفو الدولية إلى 13 صيدلياً وطبيباً ومدير مستشفى، ومرضى يعانون من أمراض مزمنة أو أمراض أخرى، واتفقوا جميعا على أنّ تأمينهم للمال لا يضمن حصولهم على الأدوية الأساسية. وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “منذ عام 2019، تتالَت الأزمات على الشعب اللبناني، وها هو اليوم يتخبّط وسط أزمة صحية أحدثتها الحكومة. إن رفع الدعم عن الأدوية من دون ضمان وجود إطار للحماية الاجتماعية يضمن وصول المرضى إلى الأدوية الأساسية هو فعل من أفعال الاستهتار البالغ”. “فتقاعس الحكومة عن التعامل مع أزمة الدواء أمر لا يُغتفر. فالحكومة لم تجتمع منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، في وقت كان ينبغي أن تسارع فيه إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة أزمة الأدوية وتأثيرها على الناس. وقد تشمل التدابير إعادة دعم الأدوية الأساسية، والعمل مع شركات الأدوية والجهات المانحة الدولية لضمان إمدادات يُعوّل عليها من الأدوية الأساسية.” إن رفع الدعم عن الأدوية من دون ضمان وجود إطار للحماية الاجتماعية يضمن وصول المرضى إلى الأدوية الأساسية هو فعل من أفعال الاستهتار البالغ لين معلوف، منظمة العفو الدولية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد شهور من التصريحات التي أدلى بها مصرف لبنان المركزي، والتي أعلن فيها عن عدم قدرته على توفير الدولار الأمريكي اللازم لاستمرار نظام الدعم الذي يغطي ما يصل إلى 95 في المئة من استهلاك الأدوية في لبنان، أعلنت الحكومة أنها سترفع الدعم عن أسعار معظم الأدوية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع إضافي في أسعار الأدوية الأساسية، حتى مع استمرار الشحّ. وفي حين أن هذه الخطوة كانت متوقعة تماماً، حيث كان مصرف لبنان المركزي يحذر منها منذ شهور، تقاعست الحكومة عن مصاحبة إلغاء الدعم بخطة حماية اجتماعية من شأنها تمكين الناس من الحصول على الأدوية الأساسية. ولا يُتوقع أن يصدر برنامج البطاقات التمويلية الحكومية، الذي انطلق التسجيل فيه في 1 ديسمبر/كانون الأول، مدفوعات قبل مارس/آذار 2022، ولا تزال خطة الحكومة لتمويل البرنامج غير واضحة. لقد شهد السكان ارتفاعا كبيراً في فواتير أدويتهم، بعد قرار نوفمبر/تشرين الثاني، وفقا للصيادلة والمرضى الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية. ونتيجة لذلك، فإن ما لا يقل عن 70 في المئة من السكان اليوم غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية التي لا تزال متوفرة، بحسب عاصم العراجي، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان اللبناني. وبدأت الصيدليات في الإبلاغ عن نقص في العديد من الأدوية الأساسية اعتباراً من يونيو/حزيران 2020. وأبلغت عدة مستشفيات – ومن بينها مستشفى رفيق الحريري الجامعي، ومستشفى طرابلس الحكومي، ومستشفى المقاصد العام – منظمة العفو الدولية أنّ التبرعات الأجنبية المحدودة هي التي مكّنتها من متابعة عملها. وعزا مصرف لبنان المركزي، ومستوردو الأدوية، ووزارة الصحة العامة، النقص إلى تهريب المنتجات المدعومة، وتخزين أدوية الأمراض المزمنة واكتنازها، والتأخير في تسيير طلبات الاستيراد. ومع ذلك، لم تتخذ الحكومة إجراءات تُذكر لمعالجة هذه العقبات. في يونيو/حزيران، توقف مصرف لبنان المركزي إلى حد كبير عن إمداد البنوك بالدولار من أجل تقديم خطوط ائتمان لمستوردي حليب وأدوية الأطفال، قائلاً إنه لم يعد بإمكانه تحمل استنزاف احتياطياته. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت وزارة الصحة العامة عن رفع الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة؛ في حين أن دعم الأدوية المستخدمة في علاج السرطان وغسيل الكلى وأمراض الصحة النفسية سيظل سارياً. ومع ذلك، حتى مع الحفاظ على دعم هذه الفئات من الأدوية، كان المرضى والمستشفيات يكابدون للعثور عليها في السوق. أدوية غير متوفرة أو باهظة الثمن وفقاً للعاملين في المستشفيات في بيروت وطرابلس والنبطية الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية، فإن نقص الأدوية المتاحة له تأثير خطير يهدد حياة المرضى. وأخبرت رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي منظمةَ العفو الدولية، على سبيل المثال، أن التأثير واضح في غرف الطوارئ: “عندي مريض فوتوه طوارئ، عنده ضعف بضربات القلب، لأنه صارله أيام ما آخد دواه، ما لقيه بالصيدليات. “وعندي مريض تاني، جابوه لعنا طوارئ بأزمة قلبية، كمان صارله أيام ما لاقي دوا ضغط الدم. أنا، أنا، ليه ت بيعد؟ سلفي ما لاقى دوا الضغط، ما أخده على يومين، عمل جلطة ونقلناه على الطوارئ.. وما قام منها، توفى”. وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى مرضى يعانون من السرطان والسكري ومشاكل الصحة النفسية، الذين قالوا إنهم لم يتمكنوا من العثور على الأدوية الموصوفة لهم، على الرغم من بحث البعض عنها في ما يصل إلى 12 صيدلية مختلفة في جميع أنحاء لبنان. ونادراً ما كانوا يتمكنون من إيجاد بدائل مناسبة. وأوضحت مريضة تعاني من اضطراب ثنائي القطب، ولم تستطع العثور على دواء لها في لبنان: “طلبت من أصدقائي أن يبتاعوا لي دواءً اسمه مانيكارب من الخارج. هو دواءٌ دقيق للغاية. وجدوه باسم مختلف في السوق، وأرسلوه إلي، لكن، اختلف شيء ما في معاييره، ما تسبب لي بنوبة (مانيا) قاسية. حينها، راجع دكتوري تركيبة الدواء، وأمرني بأن أتوقف عن استخدامه فوراً”. وفي الوقت نفسه، تعاني المستشفيات من نقص في الإمدادات، بما في ذلك التبرعات التي تتلقاها من المنظمات الدولية. وأخبر الأطباء والمرضى منظمة العفو الدولية أنهم بالكاد يستطيعون الحصول على ما يكفي من الأدوية لتغطية علاجاتهم لبقية شهر ديسمبر/كانون الأول. وهذا النقص يصيب بشكل خاص أولئك الذين يعانون من أمراض مثل السرطان أو أمراض القلب أو الصحة النفسية، حيث من المحتمل أن يتعرضوا لعواقب صحية خطيرة للغاية، إذا كانوا غير قادرين على الحصول على الدواء. تقاعس الحكومة عن التعامل مع أزمة الدواء أمر لا يُغتفر لين معلوف، منظمة العفو الدولية وقال الدكتور عصام شحادة، رئيس قسم أمراض الدم والأورام في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، إن العديد من مرضاه حرموا من الأدوية والعلاج الكيميائي لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، مع تأثير خطير محتمل على صحتهم وفرص التعافي: “الحالة النفسية لمرضانا سيئة للغاية. وعلى الأخص، مرضى السرطان في مراحله المبكرة والأورام القابلة للعلاج، مثل سرطان الثدي. تخيّلي، أنا كطبيب بقول لمريضتي إن الورم قابل للعلاج. وبرجع بقلها بس الدواء اللي محتاجتيه لإتمام العلاج غير متوفر. الأزمة كبيرة، كبيرة كتير”. ويقول محمود، وهو رجل يبلغ من العمر 60 عاماً ويعاني من مشاكل في القلب وضغط الدم والجهاز العصبي المركزي: “أنا بالكاد عم لاقي دوا واحد من أدويتي، معظمها مقطوعة. بس حتى لما لاقي، ما عم بقدر ادفع حقه! “إلى أي مدى يمكن أن تسوء الأمور؟ وما زالوا [الدولة] لا يخططون حتى لأي نوع من الإنقاذ”. وقال الدكتور محمد بدر، المدير التنفيذي لمستشفى المقاصد الخيرية: “ما فينا نشوف مرضانا عاجزين قدام تمن علاجات بتنقذلهم حياتهن، ونكتّف إيدينا. فبادرنا نحن الجسم الطبي والإداري بالمستشفى، وأنشأنا صندوق لهالغرض. سمّيناه صندوق دعم المرضى. بس هيدي مبادرة بتظل رمزية، شو بدو يكون أثرها بهالوضع؟ الأزمة خطيرة جداً”. وعلى الرغم من أن بعض الأطباء يقولون إن الضغط قد خفت حدته إلى حد ما خلال الأسابيع الماضية، بعد أن استأنفت بعض الشركات استيراد الأدوية، إلا أن الإمدادات المحدودة والمكلفة تعني أن عدداً صغيراً فقط من المرضى قادرون على الحصول على الأدوية. وتقول الدكتورة رانيا سلطان، التي تدير الصيدلية في مستشفى طرابلس الحكومي، إنهم لا يملكون الأساسيات التي يحتاجها المستشفى لأداء مهامه: “فما عندي الإبر لإنعاش مريض إذا جابوه لعنا بأزمة قلبية، على بال ما ينقلوه على مستشفى تاني! ما عندي إلا 10 إبر أدرينالين، والمريض الواحد بالعناية ممكن يكتبله الدكتور 30 أو حتى 40 إبرة. ما فيي إحكي عن خطة مستدامة، أو كيف ناويين نشتغل من هلق لشهر، لأن أنا ما عارفة كيف بدي أمّن أدوية بكرا”. ومع تزايد المخاوف بشأن تفشي فيروس كوفيد – 19 مرة أخرى، قالت الدكتورة بيطار لمنظمة العفو الدولية: “عنا لقاحات قد ما بدك، بس ما عنا الأدوية اللازمة لعلاج عوارض وتبعات كورونا”. خلفية وفق منظمة التجارة الدولية، يستورد لبنان نحو 95 في المئة من منتجات الصيدلانية، وينفق أكثر من مليار دولار سنوياً. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، خفض مصرف لبنان دعمه لاستيراد الأدوية إلى 85 في المئة من العملة الأجنبية اللازمة للمنتجات الصيدلانية عند السعر الرسمي 1،507.50 ليرة لبنانية. وهذا يعني أن المستوردين اضطروا إلى شراء النسبة المتبقية البالغة 15 في المئة من العملات الأجنبية في السوق السوداء بسعر الصرف غير الرسمي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية. ومع ذلك، ومع خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها، واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، حذر مصرف لبنان من اضطراره إلى إلغاء الدعم عن معظم الأدوية. وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أوضح العراجي أن الدعم الطبي خُفّض من 120 مليون دولار شهرياً إلى حوالي 35 مليون دولار.
مشاركة :