سجلت تركيبة البرلمان الكندي المنتخب حديثاً نهاية الشهر الماضي، رقماً قياسياً في عدد الأعضاء الفائزين بمقاعد برلمانية من أصول عربية وإسلامية وبلغ عددهم 13، من بينهم 4 من أصول عربية لبنانية. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يصل فيها أعضاء من أصول عربية وإسلامية إلى مقاعد برلمانية ومناصب وزارية مهمة في الغرب، فإنها المرة الأولى التي يسجل بها هذا العدد دفعة واحدة. ومع كل مرة ينجح فيها سياسي غربي من أصول عربية أو إسلامية في الوصول إلى منصب مهم تثار نفس الأسئلة عن حقيقة أدوارهم، وهل نجاحهم مجرد تعبير عن اندماجهم في المجتمعات التي عاشوا فيها أعواماً طوالاً، أم أنهم ما زالوا يحتفظون بعلاقات وانتماءات تختلف درجاتها مع عالمهم الأم؟ هنا تتباين المواقف، فهناك رأي بأنهم محكومون بقواعد حزبية انتخبوا على أساسها ولا يمكنهم الخروج عن الحدود المرسومة لهم سلفاً والمتمثلة في برنامج الحزب الذي يمثلونه. وأهم الأمثلة هنا هي هادية طاجيك، التي تمثل حالة خاصة ليس فقط لصغر عمرها الذي لم يتجاوز 29 عاماً وقت توليها الوزارة قبل عامين، ولا لأنها سيدة، بل لكونها أول مسلمة من أصول باكستانية تولت حقيبة وزارة الثقافة النرويجية، وهو البلد الذي تتصاعد فيه التيارات اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام، وكأن اختيارها كان محاولة لتضميد الجراح أو رد الاعتبار للحريات واحترام الآخر، وربما كان خطوة على طريق استعادة صورة النرويج في أعين العالم بعدما شوهتها مجزرة يوتويا 2011، التي ارتكبها يميني متطرف معادٍ للإسلام وراح ضحيتها 69 طالباً في أحد المعسكرات الصيفية. وعلى الرغم من دعمها الكامل لحقوق الأقليات ودعم برامج المهاجرين مجتمعياً باعتبارها تنحدر من أسرة خبرت مأساة الهجرة واللجوء على حقيقتها، فإنها غير قادرة على التعبير عن موقف شخصي متعاطف مع أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا اليوم. وحتى بعد مغادرتها المنصب الوزاري 2013، وإعادة احتفاظها بالمقعد البرلماني، فإن التزامها الأساسي يرتبط بسياسات حزب العمال الذي تنتمي إليه، وهى متحفظة تجاه استيعاب مزيد من اللاجئين، إضافة إلى الموقف السياسي العام الذي يتجنب إشعال صدام مع حركات اليمين المتطرف المتشددة تجاه استقبال المزيد منهم. الرأي الثاني ويدعم الاتجاه القائل بأن مجرد وصول وجوه من أصول إسلامية وعربية لمناصب مهمة تسهم في صنع القرار بالمؤسسات الغربية يعد مكسباً، تتراوح الاستفادة منه أو توظيفه بحسب كل تجربة على حدة وموقعها ونفوذها الحزبي الداخلي. هنا تقدم ماريا موراني مثالاً، وهى أول نائبة كندية من أصول عربية لبنانية تحصد مقعد برلماني عن أوهانتسك بمقاطعة كيبك، وكانت صوت المعارضة العالي والصريح في مجلس النواب ضد الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة. وموراني، التي لا تتحدث العربية، خسرت مقعدها في الانتخابات الأخيرة بعد احتفاظها به لدورتين متتاليتين، وهي متخصصة في علم الجريمة، ولديها كتابان عن عصابات الشوارع والقانون الجنائي يُدرسان في الجامعات الكندية، ودافعت عدة مرات عن الحقوق المشروعة والعادلة للفلسطينيين. أما سناء حسينية النائبة السابقة في البرلمان الكندي ذات الأصول التونسية، فأعلنت نهاية العام الماضي استقالتها من الحزب الديمقراطي الجديد بسبب سياساته المؤيدة لإسرائيل. هنا نحاول إلقاء الضوء على أحدث الوجوه السياسية الغربية من أصول عربية وإسلامية، وتفرض كندا، نفسها على المشهد، حيث التأم برلمانها الحديث ب 13 عضواً منهم. وبداية، تجدر الإشارة إلى النظام السياسي الكندي الذي أتاحت طبيعته الفرصة لهذا العدد لشغل مقاعد برلمانية، إذ أن الترشح للانتخابات النيابية ليس حكراً على فئات اجتماعية معينة، كأن يكون الشخص من أصحاب الجاه أو المال أو سليل العائلات النافذة كما هي الحال في أماكن أخرى. الأهم هناك هو حيازة المرشح على ثقة حزبه وأن يتمتع برصيد شعبي، ما يعني أن الحزب هو الذي يسعى إليه وليس المرشح من يلهث لاستجدائه. ويبقى الصراع داخل الحزب أكبر بكثير من خوض المعارك الانتخابية، لشدة المنافسة بين المرشحين الطامحين للمناصب النيابية، والقرار النهائي يعود إلى الحزب الذي يختار هذا الشخص أو ذاك انطلاقاً من سجله الحزبي ونشاطه السياسي من دون تمييز اللون أو العرق أو الدين. وعادة لا تلعب الأسماء في عالم السياسة الكندية دوراً بارزاً، في إيصال المرشح للبرلمان، سواء على مستوى المقاطعة أو البرلمان الفيدرالي، إلا نادراً، ويتحكم في النتيجة عاملان أساسيان، أولهما وأهمهما هو البرنامج الحزبي للعمل الحكومي الذي يعالج مسائل السكان المعيشية والاقتصادية، والثاني هو العلاقة الشخصية التي ينسجها المرشح مع أبناء دائرته. ولا يمكن للمرشح تقديم وعود بإنجازات محليه لناخبيه، إلا من خلال البرنامج العام للحزب الذي يخوض الانتخابات عنه، وهنا كانت أفضل الوعود الانتخابية لفيصل الخوري النائب الجديد بالبرلمان من أصل لبناني بإنشاء محطتين جديدتين للمترو. الفائزون الأربعة من أصول عربية جميعهم من لبنان، مثّل 3 منهم حزب الأحرار الكندي الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان والتزموا بما ينص عليه برنامج الحزب على صعيد السياسة الخارجية، فأكدوا التزامهم بالعمل مع الحكومة الجديدة على إعادة صورة كندا المحبة للسلام على الصعيد العالمي، والتأكيد على الدور المسالم في الأزمات العالمية. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط كانت التأكيدات بالعمل على استعادة دور كندا في إعادة السلام والاستقرار إلى المنطقة، وعدم خوض الحروب، وسحب القوات الجوية المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، إضافة إلى المساهمة في مساعدة اللاجئين وقبول 25 ألف لاجئ سوري كدفعة من أخرى مدرجة على أجندتها. والنواب الأربعة من أصول لبنانية هم: * زياد أبو لطيف، وُلد في بلدة عيحا البقاعية، ودرس المرحلتين الابتدائية والثانوية في لبنان، هاجر إلى كندا مطلع التسعينات من القرن الماضي، وعمل في حقلي التصنيع والتسويق، والتحق بحزب المحافظين في مدينة أدمنتون بمقاطعة ألبرتا، ونشط بالمجالين السياسي والاقتصادي، وعلى الرغم من خسارة المحافظين لأغلب مقاعدهم البرلمانية بعد أكثر من عقد من الوجود بالسلطة، فإنه نجح في الاحتفاظ بمقعد الحزب عن ألبرتا حيث يتمتع بشعبية كبيرة هناك. * مروان طبارة، الفائز بمقعده البرلماني عن دائرة كيتشنر، جنوبي هسبلير، وهو بيروتي الأصل، ومن أصغر أعضاء البرلمان الكندي إذ لم يتجاوز 31 عاماً. هاجر مع عائلته إلى كندا 1988، وتخرج عام 2008 في جامعة guelph بمقاطعة أونتاريو متخصصاً في العلوم السياسية، وانضم فور تخرجه إلى حزب الأحرار ونجح في الوصول إلى البرلمان من المرة الأولى. * إيفا ناصيف عن دائرة فيمى، وهي من مواليد بلدة عين الدلب في جنوب لبنان، حصلت على شهادة في التمريض، وعملت 8 سنوات في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم هاجرت إلى كندا 1992، وحصلت على دراسات في الترجمة، ثم انخرطت في العمل الاجتماعي حتى أصبحت عضواً مهماً في عدد من المنظمات المدنية المتخصصة بتربية الشباب ومساعدتهم على الاندماج في الحياة العامة في مونتريال ولافال. انضمت إلى حزب الأحرار الكندي عام 2006، ولم يحالفها الحظ في الدورة السابقة للانتخابات البرلمانية. * فيصل الخوري، ابن بلدة شربيلا اللبنانية. هاجر إلى كندا 1976 خلال الحرب اللبنانية، وأنهى دراسته الثانوية والجامعية في مدينة مونتريال وتخرج عام 1983 بشهادة في الهندسة من جامعة كونكورديا، وأنشأ شركته الخاصة للبناء التي حققت نجاحاً واسعاً داخل كندا وخارجها. ومنذ عام 2005 أضحى مستشاراً لعدد من شركات الإنشاء بالشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن جميع النواب يتحدثون العربية، فإن الخوري يتميز عنهم بنظمه الشعر بالعربية الفصحى، والعامية، ويستعد لإصدار ديوانه الأول مطلع العام المقبل. وتجدر الإشارة إلى مرشحين آخرين من أصول لبنانية لم يحالفهما الحظ هما رولان ديك، وخاض الانتخابات على مقعد المحافظين في مدينة لافال، وماريا موراني التي ترشحت لدورة ثالثة في دائرة أوهانتسك بعد فوزها في دورتين سابقتين، وكانت ترشحت هذه المرة عن الحزب الديمقراطي الجديد. ويعود تاريخ حصول أول مسلم كندي على عضوية بالبرلمان إلى عام 1997، حين حصل رحيم جعفر على العضوية في الفترة بين 1997 2008، أما أول امرأة مسلمة تصل إلى البرلمان فكانت ياسمين راتانسي في الفترة من 2004 إلى 2011. وتعد المشاركة العربية في البرلمان الكندي أقدم من المشاركة الإسلامية عندما حصد الكندي من أصل فلسطيني بيير دي عنة، مقعده في مجلس العموم بين عامي 1968 وظل محتفظاً به لعدة دورات انتخابية انتهت عام 1984. وإلى جانب اللبناني مروان طبارة، انضم 9 نواب مسلمين إلى البرلمان الذي حصد الحزب الليبرالي فيه الأغلبية بعدد مقاعد وصل إلى 184 وهم: }} سلمى زاهد، من أصول باكستانية، هاجرت إلى كندا قبل 12 عاماً، وحصدت مقعدها عن مدينة سكاربورو، وهى حاصلة على وسام اليوبيل الماسي من الملكة إليزابيث، وعملت كمستشارة للصحة والبنية التحتية لحكومة أونتاريو. }} عارف فيراني: هندي الأصل، وهاجر إلى أوغندا قبل استقراره في كندا، وحصد مقعده عن منطقة بارك ديل هايد بارك، ويحمل مرتبة الشرف في التاريخ من جامعة ماكفيل، ويعمل مع اللجنة الكندية لحقوق الإنسان في العاصمة أوتاوا. }} ياسمين راتانسي من تنزانيا، هاجرت إلى كندا 1974، وهي أول امرأة مسلمة تصل إلى البرلمان الكندي، وتحتفظ بمقعدها من عام 2004 عن منطقة شرق دون فالي، وهي عضو بعدة جمعيات ومنظمات مدنية مهتمة بالدفاع عن قضايا المرأة. }} مريم منصف: من أصول أفغانية هاجرت مع عائلتها قبل 20 عاماً، وتحمل درجة جامعية في العلوم، ولها دور مميز في نحو 30 لجنة محلية في مدينتها بيتربورو خصوصاً بالشباب والنساء. }} أقرأ خالد: وصلت كندا مع عائلتها الباكستانية أواخر 1990، وحصلت عام 2007 على شهادة في القانون من جامعة يورك تخصص علم الإجرام، ثم حصلت على الدكتوراه، وتعمل حالياً قانونية متخصصة في مدينة ميسيساغا. }} مجيد جوهري: رجل أعمال من أصول إيرانية، حاصل على بكالوريوس في علوم الهندسة الصناعية من جامعة رايرسون. }} أحمد حسين: من أصول صومالية، هاجر إلى كندا 1993، وحصل على شهادة الحقوق من جامعة أوتاوا، وحصد مقعده عن مدينة جنوب يورك، ويعمل محامياً. }} علي إحساسي: من أصول إيرانية، وحصد مقعده عن مدينة وايل دل، وهو محامٍ متخصص بالشؤون التجارية، إلى جانب عمله مستشاراً على المستوى الفيدرالي والمحلي. }} عمرا الغبرا: من أصول سورية، يحمل شهادة جامعية بالهندسة الميكانيكية وماجستير إدارة الأعمال، حصد مقعده عن وسط مدينة ميسيساغا. فقس سورية تحلم بالبيت الأبيض على الرغم من أن فرصة نجاحها لا تتجاوز صفراً في المئة، فإن ثريا فقس لفتت الانتباه بإعلان اعتزامها الانضمام لسباق الرئاسة الأمريكي، الذي ينطلق العام المقبل. وقبل عدة أيام تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر ترشح فقس، للانتخابات الرئاسية الأمريكية عن فئة المستقلين. وفضلت فقس الترشح كمستقلة رغم عضويتها في الحزب الجمهوري، نظراً لصعوبة حصولها على ترشيح الحزب. هاجر والد فقس من مدينة حلب السورية عام 1971، واستقر بالولايات المتحدة حيث ولدت ابنته عام 1981 في نيويورك. والمرشحة الحالمة تحمل شهادة جامعية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتعمل في مجال التعليم منذ 15 عاماً. ويأتي الحفاظ على الأمن الوطني الأمريكي على رأس أولوياتها الانتخابية. لاجئة بوسنية وزيرة التعليم السويدية تشغل عايدة الحاج علي منصب وزيرة التعليم قبل الجامعي في السويد، وعلى الرغم من صغر سنها (27 عاماً) فإنها لفتت الانتباه إليها بنشاطها السياسي ضمن أروقة حزب الديمقراطي الاشتراكي. هربت أسرة الحاج عام 1992 من البوسنة بعد اندلاع حرب التطهير العرقي والمذابح التي ارتكبها الصرب ضد مسلمي البوسنة، وتحمل شهادة في الحقوق من جامعة لوند. هادية طاجيك.. وزيرة سابقة ومرشحة لرئاسة حزب مثّل اختيار هادية طاجيك وزيرة لثقافة النرويج قبل عامين مفاجأة مدوية، نظراً لأصولها الإسلامية ومواقفها الشخصية، حين شغلت منصب المستشار السياسي لوزير العدل، الذي أصدر حكماً قضائياً تاريخياً يسمح لشرطية بارتداء حجابها أثناء العمل. وأكدت وقتها مصادر صحفية أنها من يقف وراء القرار لمواقفها الصريحة والقوية في الدفاع عن الحقوق والحريات المدنية للأقليات. ومضت الفترة القصيرة التي قضتها طاجيك على مقعد وزيرة الثقافة بهدوء، إذ اضطرت قبل إكمال عام واحد، إلى تقديم استقالتها من منصبها الوزاري إلى جانب باقي أعضاء الحكومة بعد خسارة حزب العمال للانتخابات التي جرت نهاية 2013. وعلى الرغم من خسارة حزبها الانتخابات فإن طاجيك نجحت في الحفاظ على مقعدها البرلماني عن إحدى دوائر العاصمة أوسلو. وخلال العامين الماضيين ارتفعت أسهم طاجيك كثيراً في الحزب حتى أصبحت تلقب بأميرة تاج حزب العمال، وانتخبت في المؤتمر العام للحزب قبل شهرين كنائب لرئيس الحزب، ويعقد عليها الكثيرون آمالاً عريضة في زيادة شعبية الحزب، والفوز في الانتخابات البرلمانية لعام 2017.
مشاركة :