فقر الدم الغذائي أو الأنيميا مشكلة كبيرة في المملكة ودول الخليج بالذات فقر الدم الناتج عن عوز الحديد، خطره كبير وعلاجه بسيط جداً، وهو الوعي ولا شيء غير زيادة الوعي فالأغذية متوافرة ولله الحمد ولكن المشكلة في عدم تقديم الأغذية الغنية بالحديد في الوقت المناسب قبل حدوث المرض. هذا الموضوع في غاية الأهمية وحقيقة لا أستطيع وصف شعوري الآن وأنا أكتب فالأفكار تتزاحم و تتقافز من هنا وهناك وكل واحدة تقول أنا أولى أن أخرج لقراء الصفحة المحبوبين. تيسير المعلومات الطبية المعقدة وتحويلها لمادة سهلة الفهم ليس بالأمر اليسير. حسناً، سأحاول اختصار أهم النقاط حول الحديد وتأثيره في الصحة. تتكون العناصر الكيميائية المعروفة من عملية تفاعل كبيرة أساسها عنصر الهيدروجين تسمى الاندماج النووي وتحتاج إلى طاقة حرارية رهيبة، تبلغ درجة حرارة سطح الشمس إلى ستة آلاف درجة مئوية، وتصل إلى حوالي 15 مليون درجة مئوية في جوف الشمس، بينما تقدر درجة الحرارة اللازمة لإنتاج الحديد بعملية الاندماج النووي بخمسة بلايين درجة مئوية على الأقل، لهذا يقول العلماء أن حرارة الشمس لا تكفي لتصنيع الحديد لأنها لا تكفي لعمل الإندماج النووي الخاص به، ولهذا لابد أن الحديد نزل من السماء إلى الأرض من مكان خارج المجموعة الشمسية من خلال انفجار هائل في نجوم ربما خارج مجرتنا فيتحرر الحديد وينتشر في الفضاء ووصل للأرض على هيئة نيازك عالية الحرارة استطاعت أن تعبر لعمق الأرض مع بعض المركبات الأخرى ومنها النيكل. قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ(الحديد:25). عنصر الحديد هو أكثر العناصر انتشاراً في كوكب الأرض ككل، حيث يكون الحديد وحده أكثر من 35% من مجموع كتلة الأرض. نسبة بسيطة منه (5.6%) توجد ضمن قشرة الأرض ولكن أغلبه يكون مركز الأرض ونواتها، حيث تصل نسبته إلى العناصر الأخرى إلى 90%. وفي مثال آخر في سورة الكهف عندما ساوى ذو القرنين بين الصدفين وهما جبلين عظيمين أمر الناس بجمع الصخور التي فيها الحديد ليملأ به ما بينهما اشعل النار على ذلك الحديد (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). والقطر هنا مركب من النحاس أو الكربون السائل اذا صب على الحديد المسال جعله يتماسك ومن دونه لا يتماسك الحديد ويعود شبيه بالرماد ويكفي قطرات بسيطة لتصنيع كميات كبيرة من الحديد. بعد أن تماسك الحديد وصار صلباً لم يستطيع يأجوج ومأجوج أن ينقبوه بل أن التسلق من فوقه أصعب (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) فيقول أهل اللغة أن زيادة المبني تفيد زيادة المعنى فزيادت التاء في (استطاعوا) دليل على أن القفز من فوقه وتسلقه أصعب من نقبه. وصف الله سبحانه الحديد أن فيه بأس أي قوة وقد ثبت علميّاً أن نواة ذرة الحديد هي أشد نوى العناصر تماسكاً وأقواها، وهذه القوة تنتقل للكائنات الحية عندما تأكلها أو تمتصها، فكثير من الكائنات تحتاج للحديد، ففي الإنسان، يحتوي دم الرجل على 24-25 مجم من الحديد لكل 100 سم3 من الدم بينما يحتوي دم المرأة على 42-48 مجم حديد في كل 100 سم3 من الدم وذلك لأن المرأة تحتاج له أكثر من الرجل بسبب الحمل والولادة وفقد بعضه مع الدورة الشهرية، وهذا يشكل تقريباً 4- جم حديد في كل الجسم منها .جم في الهيموجلوبين والباقي يخزن في مركبات حديد اسمها (الفيريتين) تخزن في نخاع العظام العضلات والكبد والطحال و يتم نقلها للدم عند انخفاض الحديد في الهيموجلوبين، ويوجد نسبة بسيطة من الحديد في مركب في الدم اسمه (الترانسفيرين). عندما تنخفض نسبة الهيوموجلوبين إلى أقل من 12 جرام/ ديسيلتر فإن الجسم يستدعي الاحتياطي المخزن ولكن إذا لم يكن كافياً أي أن تغذية ذلك الشخص غير جيدة خلال الأشهر الماضية فإن أعراض فقر الدم تظهر تدريجياً. المختصر نقص الحديد في تغذية الإنسان تؤدي به للضعف الجسدي والحيوي وتضعف كل تفاعلات الجسم وقدراته وإذا كان كافياً فإن البأس يكتمل والقوة تتوافر في كل نواحي الجسم، ولكن الزيادة تسبب التسمم بالحديد ولا يحدث هذا إلا عند تناول الحديد كمدعمات (حبوب أو نقاط) لمدة طويلة بخلاف ما أوصى به الطبيب. الحديد الذي نتكلم عنه في جسم الإنسان وفي غذائه هو نفس الحديد الذي تصنع منه السيارات والقضبان وغيرها. على فكرة لون الحديد فضي ولكن مع تفاعله مع الأكسجين يتأكسد أو بمعنى آخر يصدأ ويكون لونه أسود أو بني مسود ولهذا نستخدم الطلاء لمنع حدوث ذلك الصدأ وحماية الحديد من التآكل. التفاعل بين الحديد والأكسجين يحدث أيضاً داخل الإنسان ولكن بطريقة مرغوبة. يوجد في الحديد خاصية لا توجد إلا فيه وهي خاصية معجزة ألا وهي العمل بمثابة مانح ومستقبل للإلكترونات على حدٍ سواء ما يعطيه القدرة على حمل الأكسجين والتخلص منه من خلال تغيير الشحنات على الحديد والتحول من مركب لآخر والعودة مرة أخرى لنفس المركب وهذان المركبان يسمى أحدهما (حديدوز وعليه شحنيتن موجبتين والثاني يسمى الحديديك وعليه ثلاث شحنات أو إليكتورنات). ولتوضيح هذا نضرب مثالاً بالبروتين ومن أقرب أمثلته بياض البيض إذا سلقناه فإنه يتماسك ويتغير تركيبه ليكون مناسباً للهضم ولكن إذا بردناه لا يعود لما كان عليه وهذا كل العناصر الغذائية الأخرى ولكن الحديد يستطيع أن يعود بدون تفاعل. لننتقل لجزئية أخرى وهي الدم، فخلايا أو كريات الدم الحمراء مقعرة الشكل وكأنها كرة قد خرج منها الهواء أو ما نقوله بتعبيرنا الدارج (منسمة) وهذا الشكل يجلعها تتحرك أسهل في الأوعية الدموية والشعيرات الدقيقة وفي نفس الوقت تحمل نفس العدد من خضاب الدم (الهيموغلوبين أو HB) على سطحها. عدد كريات الدم (4-5 مليون) كرية بالملم المكعب من الدم أي (20 -25 مليون ) كرية في حجم ملعقة شاي صغيرة من الدم، وقطر الكرية صغير جدا يصل إلى 7 ميكرومتر، ويتم تخليقها في النخاع الأحمر للعظام وتموت بعد مدة تقدر بنحو 125 يوماً حيث ترسل إلى الطحال و الكبد ليستفاد من بعض مركباتها مثل الحديد والبروتين ويطرد الباقي عن طريق البول والبراز. تحتوي كل كرية على 300 جزيئة من الهيموجلوبين، فكروا معي كم عدد جزيئات الهيموجلوبين في الملليجرام الواحد من الدم؟! لنرافق ذرة الأكسجين عندما تدخل الرئتين عن طريق الشهيق في عملية التنفس، تستلمها وحدة خضاب الدم (الهيموجلوبين) في الدم الموجودة في الشعيرات متناهية الرقة والدقة في الحويصلات الهوائية وتحمل منها أربع ذرات كل واحدة في زاوية وتربطها لكي لا تسقط بذرة حديد حيث تربطها بقوة وإتقان وعندما يصل الهيموجولبين للخلية التي تحتاج إلى أكسجين ولنفترض أنها في القدم يتم فك الربط بالحديد وتتحرر ذرات الأكسجين وتدخل للخلايا ليكون بها حياة الخلية وعمل تفاعلاتها الحيوية، ثم يحمل الهيموجلوبين ذرات ثاني أكسيد الكربون السامة ويذهب بها للرئتين ومن هناك يخرجها الجسم أثناء الزفير. فسبحان الله تتم العملية بكل هدوء ويسر فترى أعداداً هائلة من الهيموجلوبين تغدو وتروح في سراديب الأوعية الدموية لتؤدي واجبها، وبعد أن تنتهي أعمارها خلال 120 يوماً تموت وتحلل في الطحال ويسترجع بعض مركباته الصالحة مثل الحديد والبروتين ويطرد غير الصالحة مثل البلوروبين الذي إن زاد سبب مانسميه مرض الصفار.
مشاركة :