تترقب الأوساط السياسية في لبنان القرار، الذي سيصدر في الأيام القليلة المقبلة عن المجلس الدستوري، بشأن الطعن بقانون الانتخاب المقدّم من «التيار الوطني الحرّ»، وسط معطيات تفيد بأن المجلس قد لا يتخذ قراراً واضحاً. في كل الأحوال، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في 27 مارس المقبل، بل سيعمل على أساس أن الانتخابات ستجرى بالموعد الذي يريده هو، في مايو. ويبدو أنه لم يعد من شيء تنظر إليه القوى السياسية اللبنانية سوى الانتخابات، لذلك بدأت جميعها بلا استثناء في إجراء الحسابات الدقيقة والبحث عن تحالفات. ويجمع المراقبون على أن المعركة الانتخابية ستكون مركّزة على الساحتين المسيحية والسنّية. وإذا كان المشهد مسيحياً واضحاً لناحية الخشية لدى رئيس الجمهورية وحلفائه من خسارة محتّمة بوجه الخصوم، فإن المعركة الأبرز والتي تنتج عن غياب الوضوح في الرؤية تبقى في الساحة السنية، وسط غياب مستمر عن المشهد لرئيس الحكومة السابق وزعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري، وهو يشكل العنوان الذي تتوجه إليه الأنظار لمعرفة ما إذا كان سيشارك في الانتخابات أم سيبقى منكفئاً. ورغم أن موقف الحريري ليس أمراً غير مسبوق، فقد درجت العادة أن يبقى في حالة صمت مشابه، إلى ربع الساعة الأخير، قبل أن يفاجئ الناس والقوى السياسية بقراره، لكن تبدو هذه المرحلة مختلفة جذرياً. وتكشف مصادر رفيعة المستوى في «المستقبل»، لـ «الجريدة»، أن الحريري قال قبل أيام لمقربين منه: «لماذا أنتم مستعجلون؟ عندما يأتي موعد الانتخابات نتخذ القرار، لكن الانتخابات قد لا تجرى في موعدها». وتعلق مصادر سياسية على هذا بالقول «ربما الحريري محق فيما يقول، لكن هذا لا يعني أن قراره صائب، لأن الانتخابات لو حصلت تحتاج إلى تحضير». وتكشف مصادر متابعة أن تيمور جنبلاط، نجل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، زار الحريري في الإمارات، قبل فترة، للحديث تحديداً عن ملف الانتخابات، لكن الحريري لم يكن حاسماً ولم يعط أي جواب واضح حول المشاركة، بل قال إنه يفضل الانتظار ودراسة الأمور. حسابات كثيرة تدفع الشيخ سعد إلى الإحجام عن المشاركة، من بينها أن أي فوز انتخابي لن يؤدي إلى تغيير المسار السياسي، وهذا ما حصل في عام 2009، عندما انقض «حزب الله» على نتائج الانتخابات، لذلك يفكر الحريري في الابتعاد، خصوصاً أن ما لديه من معطيات يفيد بأن الأوضاع ستتجه نحو الأسوأ. لكن في المقابل، يُحدث موقف الحريري إرباكاً، فغياب «المستقبل» انتخابياً سيؤدي إلى ضياع في التحالفات من جانب «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، على سبيل المثال، وإلى «ترهل سني»، إلا إذا عملت شخصيات سنية وازنة على استجماع نفسها وخوض الانتخابات لخلق بديل جديد. وقبل أيام، توجه موفدان لجنبلاط وزعيم «القوات» سمير جعجع إلى السعودية، وبحسب مصادر متابعة للزيارة فإن الموقف السعودي كان واضحاً لجهة ضرورة التحضير للانتخابات وعقد تحالفات من شأنها أن تفقد «حزب الله» الأكثرية النيابية، وركز السعوديون على ضرورة التعاون بين «القوات» و«الاشتراكي» وبين شخصيات سنية. وعندما سأل الموفدان عن الموقف من الحريري، سمعوا كلاماً أنه لن يكون مرشحاً ولابد من البحث عن بدائل. وهنا تتحدث المصادر عن محاولات لنسج تحالفات داخل البيئة السنية، ربما تأخذ شكلاً مناطقياً، وتقوم على الجمع بين شخصيات كانت سابقاً في «المستقبل» وشخصيات سنية متنوعة في مناطق مثل بيروت وعكار وطرابلس والبقاع وصيدا، تتحالف مع «الاشتراكي» و«القوات». في المقابل، هناك رأي لـ «صقور» كانوا سابقاً في «المستقبل»، أنه لا أحد سيكون قادراً على نسج مثل هذا الائتلاف إلا الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، بما يمثله من رمزية داخل الطائفة، ونظراً لعلاقته الوثيقة مع الشهيد رفيق الحريري وسعد الحريري. لكن السنيورة يؤكد أنه لا يمكن أن يقدم على أي خطوة تتعارض مع مصلحة الحريري أو توجهاته، ولا بد من انتظار قراره وموقفه، في حين تشدد الأوساط السنية على أنه لا يمكن ترك الساحة فارغة بحال قرر الابتعاد. ووفق ما تشير مصادر متابعة، فإن الزيارات إلى السعودية لن تقتصر على وائل أبوفاعور وملحم الرياشي موفدي جنبلاط وجعجع، بل سيكون هناك في المرحلة المقبلة دعوات لشخصيات سنية ومسيحية وحتى شيعية مستقلة.
مشاركة :