كان سراّجا ضعيف الحال، مغمور الذكر، وظيفته إضاءة المسجد مقابل فتات يقدمه له المصلون، وذات يوم جاء المسجد وجيها وحدث أن هذا الوجيه اتكأ على أحد أعمدة المسجد وخلال مشي السرّاج، عثر بقدم الوجيه؛ فغضب وصاح في وجهه، وقال: ألا تبصر يا شيخ الأزهر! يستهزأ ويسخر به! فكيف تصرف السرّاج! أتراه شتم وسب! أم بكى وناح؟! لا هذه ولا تلك! بل رد بلهجة الواثق: والله لأصبحن شيخا للأزهر! وفعلا لم تمض سنوات إلا وكان الشيخ خالد الأزهري شيخا للأزهر! • وذاك رجل كان يصنع قماشا للمراكب الشراعية، يجتهد طوال السنة في صناعته، ثم يعرضه على أصحاب المراكب وفي يوم أخذ بضاعته لعرضها على أصحاب المراكب فلم يشتر منه أحد شيئا فقد سبقه إليهم تاجر آخر! وكان قد وضع كل رأس ماله في تلك البضاعة، والتي عاد بها محملا بالهم يجر اذيال الخيبة والحسرة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد! فقد سخر منه التجار ونالوا سخرية وغمزا ولمزا تعريضا وتصريحا ولسان حاله يقول: إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان بها الكرام فهاتها ثم أكمل أحدهم الهم بقوله: لماذا لا تصنع من قماشك سراويل وتلبسها! فماذا حدث بعد هذا؟ هل تجد تحطم واستوطن الهم قلبه بعدما سمع تلك السخرية القاتلة وتلك الضحكات التافهة؟ أبدا، بل قدحت فكرة عجيبة في عقله! وقال: صناعة السراويل! يالها من فكرة رائعة وخلاقة ولم يسبقني أحد لها! وبالفعل ركز جهوده على صناعة السراويل للبحارة بمواصفات خاصة تستحمل طبيعة عمل البحارة!وفعلا لاقت رواجا شديدا حتى غدا كبيرا للتجار! • وذاك أبو بصير عندما هاجر للمدينة مسلما فأرسلت قريش في طلبه حسب ما كان في شروط الصلح ليرجع به، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، فانطلق إلى قومك) فماذا فعل أبو بصير؟ هل استسلم؟ ورفع راية الهزيمة! أبدا.... بل فر من المشركين وأسس كتيبة تكر وتفر وتهدد مصالح قريش، ولم تتمكن منه مشاعر الأسى والإحباط؛ بل كان في غاية الإيجابية وحول مشاعر الألم إلى قوة رهيبة غيرت من مجرى القضية وأكسبته والمسلمين مكاسب لا حصر لها! وثمة موقف رابع: عندما فقدنا صديقا لنا نحبه كثيرا قبل فترة ولاتسل عن مشاعر الحزن التي اعتلجت قلوبنا ولا عن تلك الدموع التي جرحت عيوننا وفي خضم هذه المشاعر المتقدة، اقترح علينا أحدهم بأن نبني مسجدا له، فتم جمع مبلغا كبيرا في ساعات وربما ما كان ليجمع لو تأخر تنفيذ الفكرة بعد شهر وعندها ربما تكون المشاعر قد فترت! • ومن القصص الشهيرة قصة ذلك الشاب البسيط الذي منع من شرب الماء المخصص للمهندسين في شركة عملاقة فهل أضمر شرا أو أظهر حقدا أو أبدى عدوانا ! بل قرر النصر وعزم على الفوز والتسامي على مشاعر القهر وذلك بإكمال دراساته من ثم وجد نفسه بعد 48 سنة من العمل المتواصل أن يكون أول سعودي يترأس شركة أرامكو. • وقصة أخرى... لمالك مصنع صغير، قُطع عنه الغاز لتراكم ديونه؛ فتعطل عمله تماما، حيث غرق مصنعه في ظلام دامس؛ مما جعله كالمجنون في ظل هذا الوضع الصعب! فماذا فعل؟ هل تراجع؟ هل قضى يومه ساخطا ناقما؟ أبدا، بل بدأ يقرأ في تقنيات الغاز واقتصادياته، وقرر أن ينتج كهرباء بدون غاز، وقد فعل، وتخلص تماما من شركة الغاز! كان هذا العظيم هو أديسون مؤسس شركة جنرال الكتريك وتظل الحياة اختيار، والمواقف حيادية، والنتائج لا تتوقف على الأحداث، بل إذا استغلت و وجهت توجيها صحيحا صنعت المعجزات؛ فالمشاعر أقرب للحياد ومن يحدد طبيعة النتائج هو طبيعة الاستجابة، والمشاعر طاقة جبارة وقوة هائلة وسيل جارف ومولد خارق وحيث ما وجهت أنتجت! وعندما تجد نفسك في حفرة، فأول خطوة للخروج هي: أن تتوقف عن الحفر ثم أبحث عن وسيلة للخروج ولا تنس أن تملأ جيوبك بالتراب! إن أكثر الأخطاء التي نرتكبها في حق أنفسنا هي أن نُسلم هذه النفس إلى القلق والاكتئاب ومشاعر الإخفاق والإحباط. للأسف أن الكثير منا يقفون مكتوفي اليد أمام أول عقبة تعترض طريقهم، فيُسيلون الدمع مدرارا، ويكتنفهم الحزن والألم، وكأنهم ينتقمون من أنفسهم بالهم والأرق والاكتئاب. وبالرغم من أن عجلة الحياة تدور.. إلا أننا كثيرا ما نقف عند لحظات التعاسة والشقاء، ولا نعبرها إلى أيام السعادة والهناء فلا تنزو جانبا، ولا تنتح في ركن، ولا تستسلم باكيا، ولا تهرب خائفا، استثمر تلك الطاقة في بناء غد أجمل، وفي صناعة حاضر أروع،ولا تجعل من المشاعر الهائلة سكينا تطعن بها روحك، ولا سهما تقتل به آمالك، وإذا ما نالتك الأيام بهمٍ أو وجع فكف عن الأنين، وانظر للمستقبل، كن أقوى من خصومك وأعتى من ظروفك، وأصلب من إخفاقك، لاتدع ورود ح ديقتك تذبل، مهما حدث أعد بناء أسوارك واسق ورودك، فأنت شخص عظيم لا ينحني أمام الخيبات ظهرك ولا ينزل رأسك ولا تكسر روحك، اصنع الفارق الجميل وقت الأزمات وارسم اللوحات المشرقة وقت العتمة، تجاوز الألم واهزمه بالعمل، وادفنه بالإيمان وحطمه بالثقة بالله أولا ثم بنفسك، حول الألم لأمل والظلمة لنور والوجع لصحة والمحنة لمنحة، رعاية الله تحوطك وعنايته تحفظك ومضة قلم الخطوة الأولى نحو الوصول للقمة هي أن تقرر أنك لن تبقى في السفح! مقالات أخرى للكاتب المحُطم الداخلي ! عشرة أشياء يجب أن تتخلى عنها لحياة أجمل! ألعب وإلا أخرب! يعثر جوادك ولا تعثر روحك! دروب السعادة
مشاركة :