'حرب العشر دقائق' ضرب تحت الحزام

  • 12/19/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الاغتراب ما هو الا ثورة الإنسان على واقعه المليء بالمتناقضات التي لا يستطيع التوافق معها او استيعابها، اذ نجد شخصية الاب وعلاقته بالمجتمع وبالأخص الأسرة ما هي الا اغتراب معلن.  كما نجد ان العلاقة بين الابن كشخصية مستوحاة من رحم الواقع والتي اسند لها مهنة التمثيل وعلاقتها بشخصية الأب ترجمة ذلك الانعكاس وما مر به بلد ما بين الجهنمين كحقبة زمنية قبل وبعد 2003.  وبحسب ما طرحه خطاب العرض المسرحي من خلال ومضة مبناه السردي يعكس ذلك التحول الاجتماعي المهم الذي قلب المعادلة السوسيولوجية، اذ ان ما عاشه الابن من سنوات الفقر والعار لكون ابوه اعتبر خائنا وشهيدا (قبل المحنة وبعدها) لا يمكن ان يجعله مستمرا على هذا الوضع لا سيما بعد ان تحول ذلك الخط الدرامي الاجتماعي للابن من خلال نقلة شهدها بلدنا المغترب وتغير واقع اغلب البيوت العراقية من بيت (الخائن للوطن) الى بيت (الشهيد من اجل الوطن).  مما جعل مؤلف العرض المكتنز على عبد النبي الزيدي يعتكز في بناه السردي على النفور، الاغتراب، الارتهان، الاستلاب نتيجة خلقه لظروف شخصياته الخارجية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، لتأكيد استلاب الشخصيات عن الذات لما تتخصص به طبيعة النفس البشرية وتركيبها البايوسايكولوجي.  وهذا ما اكده الفيلسوف روبرت ميرتون باستخدامه لمفهوم الغزلة او (اللامعيارية) بصورة مترادفة لأولئك الأفراد الذين يتصفون بعدم التوافق أو اختلال في الموازين داخل النفس البشرية.  إذ يواجه الإنسان المكتشف او المبتكر الذي يسعى الى ابتكار مبادئ وأفكار جديدة تكون غالباً مناقضة للمعايير السائدة في مجتمعة، مما حفز مخرج العرض ابراهيم حنون ان يبحر في فضاء عرض ويبتعد عن الواقعية - (التي احسبها من المدارس الصعبة في الاخراج لسهولة طرحها وصعوبة الامساك بإيقاعها في الوقت الراهن بعد الكم الهائل من الاختراعات التكنولوجية الرقمية التي تخلق الدهشة والابهار وتظفي طابعا جماليا لشكل العرض المسرحي) ويقترب من تجريد الاشياء والتأسيس على ثيمتي الاغتراب والنفور انطلاقا من الكتلة الاكبر حجما داخل فضاء العرض وبالتحديد القطع الديكورية العائمة التي كلما اقتربت من بعضها بحميمية الاحداث والشخوص كونت شكل (الكية) وكلما ابتعدت شكلت تكوين اخر لا يبتعد عن دعم فكرة النفور والاغتراب.  ما يجعلني احيل شخصيات العرض الى مفهوم الاختيار لدى سارتر والذي يرتكز على المصير الإنساني الموجود دخل العالم كنتيجة حتمية إلى مظهر الجبرية القسرية التي تجعل الإنسان يعاني حالة الاغتراب ورفض التقنع وهذا ما لمسناه جلياً في شخصية الابن التي اداها الفنان الواعد والمحترف مهند علي ان يؤكد رفضه للاب بعناد تام وشعور بعدم الحاجة من وجوده داخل المجتمع. ومن هذه المرتكزات اعتمد حنون على اساس مبني على السرعة والديناميكية والتباين والتنافر وعدم الاتساق والتأكيد على الاشياء الميكانيكية التي تحيط بالممثل، واعتماد مفهوم الانصهار باستخدام الكولاج والتركيب وتبين العنف والعبث واللا جدوى واللا منطق وخلق وحدة بين اليقظة والحلم. وهو ما يجعلني اجزم بان العرض كان متأرجحاً بين الممثلين المحترفين قحطان زغير واسيا كمال واحمد شرجي ومهند علي والواقعة المأساوية التي تحملها كل شخصيات العرض، اذ تميزت طريقة الاداء لجميع الممثلين على تعدد المعنى باسترخاء عالي، فالكلمة الواحدة تحمل اكثر من معنى، وبالاضافة الى الاعتماد على التنسيق التشكيلي بصرياً بين كل مفردات العرض المسرحي وادائهم.

مشاركة :