'وحيدان أنا وظلي' قصائد تهكم واستدراج لما فات من خسائر ذاتية

  • 12/21/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

"وحيدان أنا وظلي" هو اسم المجموعة الشّعرية الجديد للشاعر نبيل نعمة، وتتكون المجموعة من "96" صفحة من القَطع المتوسط، طبعت ضمن منشورات الاتحاد العام للكتاب والكتاب في العراق "جائزة الشاعر الشيخ جعفر للثقافة والادب"." الغلاف لمْ يكُن لوحةً مجردةً بلا معنى بلْ جاء معبرا عن الفقد والتيه في هذا الكون لشخص منحي الظهر وقد اثقلته الاسئلة الوجودية وكانه ينظرُ نظراتٍ بعَيْنينِ ثاقبتَينِ هادئَتيْن إلى الأفق البعيدِ ، لذا جاءتْ لوحةُ الغلاف استهلالا بسيطاً بجماله ومعناه لمتون القصائد . اقول غلافاً يعكسُ مضمونَ مايدور في ذات الشاعر المتشظية، اعتمدتْ الوانها على الأصفر بدرجاتهِ والأبيض والأخضر بتدرجاته ايضا لتحكي قصةَ شاعرٍ خَطّ سيرته بلُغةِ الشّجنِ الّذي يَصْلحُ لكُلّ زمان . اقول ان عتبة النص أو المنصة التي يطل النص منها، هي الدالّ الأكبر على مجريات الروح المتمردة في جميع القصائد، ولا يجوز عدّ العنوان هامشاً في هذه الحالة، كونه تحول إلى متن متين. فعنوان مثل "وحيدان أنا وظلي" يحيل مباشرة إلى أهميته عبر ما يدل عليه. اذ يمتلك عنف الاسى والفقد وتداعياتها على مراة ذات الشاعر وتشويهاتها العاكسة. . العنوان هنا نص كامل تتقطر منه القصائد، وهنا تبرز وظيفة استاطيقية بامتياز لشعرنة العنوان بوصفه العتبة الأهم .والشاعر في قصائده صاغ النصّ المفتوحَ / النثرية باقتدارٍ وتمكّنٍ، فهو واحدا من القابضين على جمرةِ ما سُمّي بـ"قصيدة النثر" على نحوٍ مميّز، وهذا التميّز يفصحُ عن مؤشّراتٌ عديدةٌ في المضمون، وأخرى في الشكلِ، مع أنّ الشكلَ والمضمون وجهان لعملةٍ واحدة. ويمكن وصف المجموعة الشعرية بأنها حملت خصوصية ذاتها، حيث امتلك صوته الخاص الذي ميزه، فكان شاعراً واثقاً من شاعريته وأفكاره ورؤاه وأدواته، وبرزت قدرته على توظيف "فن السرد "في صياغة قصائده الشعرية.  كما تطرح أسئلةً حيوية ومصيرية تطال مناحي حياتية وتغوص في عمق الاسئلة الفلسفية ، وهناك تمرد واضح ما بين سطور النصوص . اذن المجموعة تنتمي إلى التأملات الشعرية المكثفة نصاً، ليست فقط مجموعةً من النصوص الشعرية المتميزة بإبداعها ورؤيتها ، بل هي أكثر من ذلك، فهي تحملُ الكثيرَ من الرؤى الفلسفية استطاع الشاعر أن ينسجها في بناء القصيدة بطريقته الخاصة والمتميزة التي لها خطّها ورؤيتها ولونها وتميزها الفريد، كما يحضر الرمز المعبرعن السؤال الفلسفي بقوة في نسيج القصائد، مانحاً إياها جماليةً عاليةً لم تأتِ على حساب شاعرية النص أو انسابيته، بل إضافة جمالية رغم التكثيف العالي في شكل النص وتكنيك بنائه. وعن السؤال هناك فرق زمني بين اصدار مجموعته الشعرية الاولى (التضاريس تنعطف جنوبا)والثانية (وحيدان أنا وظلي) اقول ما عرف عن الشاعر انه متمهلاً في إصدار ديوانه هذا ، اذ يشتغل بأناة، و لا تغويه شهوة الظهور، ولا يقع أسيراً لصخب الشعراء، رغبة في التغيير وأن يغدو الوطن أكثر جمالاً، قصائده مغلّفةٌ بالهدوءِ فيما هي تفيضُ بالقلق من الداخل، ولهذا فهي تبدو متوهجة وتحاول بقوةٍ أن تبحث عن التفرد والخصوصية.ولهذا نجح فعلاً في أن يقدم لنا أشعاره المعجونة بالشجن، والمصقولة بنار التجربة، فيها لغةٌ صافية، وتعابيرُ مبتكرة، وصورٌ محلّقة. اقول قصائده في الاغلب تتركُ إحساساً بالوحشة والكآبة صاغها بلغة جميلة ليخفف عن لعنة المعنى . وتظهرُ استعارةُ الشّاعر لمُفردات واضحةً جليةً ابتدا منْ عنوانِ المجموعة الّذي نهتدي بهِ للنصّوص، ويُشكّلُ إضاءةً معرفيةً/فلسفية في إدراكِ المُحتوى الفكريّ الّذي يَرمي إليهِ الشّاعر. اقتباس: حسنا .. ايتها البداية انا اتصل منك برفق كمن يسحب ظل وردة من حديقة نائية تاركا في الاخضر هذا الفراغ في هذ النصوص المتلاحقة وكانها نصا طويلا واختصارها الشاعر بعنوان واحدا ،هو عنوان المجموعة حيث تُباغتك الجملُ الشعرية الشّفافةُ، التّي تصّور مشاهدَ ينحتها كاتبها، ويعتمدُ على فنّ الكلمة وجمالها اللُّغوي والموسيقيّ والرمز. إنّها لغةُ الشّعر التي تفتح ذراعَيْها لتنقلكَ منْ عالم إلى آخر، ومنَ الخيالِ إلى الصّورة المشهديةِ والمرسومةِ، إنّها ببساطة اللّغة المسيطرة.. لغتهُ تعكس تقلبّاتِ روحِه القَلقةِ، الجميلةِ والرّاقية.تعبر عن معاناة الشاعر، بشفافية الإنسان الرقيق، الصادق، فهو يصور الواقع بترانيم صوفية ولغة بلاغية لا تخلو من الرمز والإيقاع العذب الرقيق، وقد يستشف القارئ من الوهلة الأولى اتساع ثقافة الشاعر، من خلال توظيفه للمفردة الشعرية في نصوصه توظيفا يخدم النصوص ويوسع آفاقها. اقتباس: كلُّ الذي أعرفهُ إنّني منذورٌ لحربٍ كحصان. الحصانُ في الحربِ لا يموتُ إثرَ نوبةٍ قلبية. مثلَ أقراني أفكرُ دائمًا باعتذار، يتكفلُ أحدُهم به، وليكن الله . عن الحياة أقصد. تُلاحَظُ قوةُ الشّاعر منْ قدرتهِ على إبداع الصّورة البصريةِ الواضحةِ المُثيرة، قصائدهُ تتميّزُ بالتّفرد والذّاتية الّتي تُعدُّ من أهم سمات الإبداع الشعري لتتصاعد وتيرةُ الدهشة فيها، تِبعاً لإحساس المتلقي الدّاخلي بجمالية النص وقدرة روحه وبصيرته المكثفة الرؤى على سبر أغوار ونوازع الكلم على اختلاف نوعه الأدبي، تسمعها وكأنك في حضرة الموسيقا، تتأملها وكأنك أمام لوحة فنية مبهرة،إذْ يرسم الشاعر بريشتهِ الفنيّة لوحةً مترابطةَ العناصر معْ بعضها البعض. اقتباس:  (فكرةٌ ما شجرةٌ ما، أو امرأةٌ ما! عطلٌ أو مجدٌ لا فرقَ، مزيد من الأحلامِ في غرفةٍ مهملةٍ. لا أحدَ معي، ولا أعتقدُ أن ثمةَ من سيلحقُ بي أنا الكثيرُ من المعترضينَ على توحدي. قاسٍ لأنَّ خزافَ السماءِ تأخرَ في تشكيلي. لينٌ لأنَّ غيما يلاحقُني.. قَلِقٌ أشبهُ آخرَ ساعةٍ قبلَ الحربِ. ثابتٌ مثلَ جلمودةٍ بمجرى، يصرخُ الماءُ من صمتي). وهنا يوظف الشاعر كل الأشياء التي يستعيرها لوصف الحالة وتثويرها، هي مجاورات عاشت معه، كالحرب والحقائب والجلمود والطريق والمدن...الخ وجعل الأشياء الجامدة تأخذ صفة التاريخ الجديد والاستقلالية لتصبح ذات تاريخ أكثر عمقا وإنسانية. اقتباس: (مبللٌ بالمحوِ كمنْ يجرُّ هيكلَ بدايته، يطحنُ في الخطواتِ حبَّ التعبِ تسكنهُ لعنةُ الاكتمالِ، لكنَّهُ بالحقيقةِ يتناقصُ/ كمن نوى على سفرٍ، سبُتَ في مكانهِ، فاستيقظَ فيهِ مكانٌ آخر. مُوزّع بينَ ما أعرفهُ وبينَ الذي أحاولُ اكتشافه/ أتحرر من حقائبي، لبلابةُ غربةٍ ملتفةٌ حولي. الحياة لا تُطاق، لأن الطرق التي تؤدي إليها منتهيةٌ). الشاعر حافظ قدر الإمكان على اللغة اليومية، لغة الحياة، بكل دهشتها، ومأساويتها، وحاول ان يعيد اكتشافها عبر النص. ويقيم حوارات لا تنتهي داخل بنية معظم النصوص التي لا تخلو من الطابع السردي أحياناً، والمشاهد البصرية المُمنتجة، وهناك قصدية التركيزٌ على تقنيتي المناجاة النفسيّة والسرد الوصفي، ويبدو أنّ الشاعر حاول أن يوازن بين المعطى الدرامي المكتسب من الفنّ القصصي ، والمعطى الوصفي المكتسب من أحد الأغراض الشعريّة السرديةـ على نحوٍ من التماهي ليكون تأثيرها فاعلاً في متلقّي النصّ. اقتباس: إنَّني ذائبٌ بهذا الهباءِ، أركضُ نحو هاويةٍ أسميها مدنًا، أو منفى.. طاويًا تفاصيلَ متعلقة بالأسفار، كي أُثيرَ لهفةَ العائلة. عثرة تدلُّ على البئر، عثرة، ثمَّ صارتِ الحياةُ عميقة. وختاما نقول إن تجربة الشاعر المبدع نبيل نعمة هي تجربة راسخة وغنية، وتدل على وعيه العالي بضرورة الإفادة من معطيات "النصوص المفتوحة/قصيدة النثر"، من خلال محاولاته -التجريب - في اللغة وتشكيلها في بنية النص الشعري، لتتحول من لغة تعبير إلى لغة خلق وإبداع ، تتجاوز الحدود الضيقة لديه لتشير إلى أكثر مما تقول.

مشاركة :