دعوة لإنقاذ وطن على شفا هاوية

  • 11/14/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي عهده قدم للمواطنين خطابا حماسيا احتفاليا شديد التفاؤل ، سفينة امتلأ شراعها برياح الأمل والبهجة والحياة الجديدة الكريمة والتي تعوض الناس ما عاشوه من كمد وفقر واضطراب وقسوة وإرهاب من قبل ، والشعب الذي لم يجد من يحنو عليه ، حسب تعبيره ، الآن يستقبل الرئيس الذي يحنو عليه ويرفع عنه الأغلال والمتاعب والخوف ويطبطب عليه ، لخص السيسي خطابه هذا في عباراته الشهيرة ، مصر قد الدنيا وها تبقى قد الدنيا ، و بكرة تشوفوا مصر ، وبعد عام ونصف فقط تقريبا اختلفت الصورة جذريا ، ففقر الناس ازداد ، واضطراب الأمور اتسع ، وخطر الإرهاب تزايد ، وتردي الاقتصاد تفاقم ، وعنف الشرطة ضد الجميع استفحل ، والحصار على الإعلام استحكم بصورة أسوأ من أي وقت مضى ، والنخبة السياسية ونشطاؤها عادت إلى جحور مكاتبها الصغيرة أو نضال مواقع التواصل الاجتماعي من منازلهم ، وأصبحت عاجزة عن التواصل مع الناس بشكل حي وعملي أو حتى تحريك مسيرة احتجاج واحدة مهما كانت سلميتها ، والأحزاب تحولت إلى ديكورات وصحف كما كانت أيام مبارك ، والانتخابات العامة التي كنا نباهي العالم بنسب المشاركة بعد ثورة يناير وحماسة الشعب فيها وتمسكه بالأمل وإرادة التغيير وطوابير طويلة أمام الكاميرات تحولت إلى كابوس مهين نحاول أن نقلل من بؤس منظره في اللجان الخاوية ونداءات الاستغاثة من الإعلام والمسؤولين للناس بأن ينزلوا ويشاركوا بلا مجيب ولا منصت ، وما زال البعض يكابر في فهم دلالة ذلك على زهد الناس في الانتخابات ويأسهم من الإصلاح بشهادة نسب المشاركة المزرية ، وحتى بقبول ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات من أن المشاركة وصلت 25% ، فمقارنتها بانتخابات تركيا الأخيرة ـ على سبيل المثال ـ حيث وصلت المشاركة إلى 85% تكشف مدى الإحباط الذي يعيشه المصريون وإحساسهم بالانكسار وغياب ثقتهم في الإصلاح أو قدرتهم على التغيير أو احترام الدولة لإرادتهم ، والمنظمات المدنية انزوت تتقي بأس الهوجة الأمنية وتصرخ من حزمة التشريعات المروعة للحقوق والحريات العامة ودور المنظمات نفسه وتندب الأيام السودا التي تعيشها ، والجامعات التي كانت تمور بالحياة والطموح والحيوية وديمقراطية الإدارة بعد ثورة يناير تحولت إلى معسكرات ثقافية يعشش فيها الخوف ويسيطر عليها الأمن ورجاله ويقودها مخبرون اختلفت بوصلة اهتمامهم للحفاظ على مناصبهم فخرجت الجامعات المصرية بكاملها حتى من قائمة الخمسمائة جامعة الأفضل في العالم ، وانتهت سفينة السيسي بعد العام ونصف إلى العبارة التي قالها أمس في شرم الشيخ : هانجوع يعني ؟ نجوع ، إيه المشكلة ؟ ، والمسافة بين هذا الشعار وشعار بكره تشوفوا مصر تلخص لنا مآلات التجربة وعمق مأساتها ، على السلطة وعلى الشعب كليهما . بعيدا عن مشاعر الحب والكره للسيسي ، وبعيدا عن موقف التأييد أو المعارضة السياسية له ، فإن قناعتي الأكيدة أنه كان صادقا جدا مع نفسه عندما كان يبشر الناس بالأيام الجميلة المقبلة والحياة الهانئة ومصر التي ستكون قد الدنيا ، وتصوره ـ أو تصور من حوله ـ أن مقايضة الشعب بتحسين حياته المعيشية ومنحه رفاها مقابل تضييق الحريات وتأجيل الديمقراطية ستكون ناجزة ومقبولة ، كانت حساباته وقتها تعطي ذلك ، ولكن هذا لا يحول دون تحمله المسئولية الكاملة عن هذا المآل الذي نعيشه ، لأنه حصاد أدائه السياسي ، صوابا أو خطأ ، ومسألة أنه أساء التقدير لصعوبة الحمل ، أو أخطأ التقدير في تحديد الاختيار السياسي الذي يثمر في مصر في تلك اللحظة ، فهي مسئوليته ، ومسألة أن هناك قيادات سياسية من وزراء ومحافظين ورؤساء حكومات فشلوا أو تردى أداؤهم أو ثبت فسادهم ، فهي أيضا مسئوليته ، لأنها اختياراته هو وقراراته هو ، وفي أبسط قواعد كرة القدم ـ كما قواعد السياسة ـ أن المدير الفني للفريق الذي يفشل في اختيار لاعبيه أو يخطئ في وضع اللاعب المناسب في المكان المناسب مما يتسبب في الخسارة أو سوء النتائج هو مدير فاشل ، ويتوجب عليه تحمل نتائج فشله . كان الخطأ الأكبر في بداية ترشح السيسي للمنصب الأهم والأخطر في مصر ، رئاسة الجمهورية ، في ظل فراغ سياسي ودستوري وتشريعي يجعله الحاكم الأوحد والمشرع الأوحد ، هو وجود كهنة محترفين للنفاق السياسي ، قالوا أن السيسي لا يحتاج إلى تقديم برنامج سياسي ولا مشروع ولا رؤية ، لأنه مرشح الضرورة ، وهو تعبير فارغ ليس له أي معنى سياسي ولا تاريخي ، إلا تبرير الخواء وأننا أمام مغامرة لا نعرف أدواتها ولا خطتها ولا مسارها ولا أهدافها ولا بدائلها ، فانتهينا إلى أن لبسنا في الحيط جميعا ، السيسي ونحن معه ، وأصبحنا في حيرة حقيقية حتى في البحث عن بدائل ، سواء في الأشخاص أو المسارات العاجلة للإنقاذ . الإرهاب الأسود الذي تفاقم ويهدد بقوة اقتصاد الدولة كانت أحد أسبابه توسع الدولة في ممارسات القمع وتضييق مساحة الحريات وتجفيف منابع ومصادر العمل السياسي السلمي ونشر الإحباط بين الشباب في أي قدرة على المشاركة أو التغيير أو الاحتجاج فضلا عن قطع المسار الديمقراطي وإعادة الدولة إلى ما قبل يناير 2011 بل أسوأ ، والقسوة المفرطة للغاية في عنفها ودمويتها مع ملايين الشباب الإسلامي الذي كان يؤيد تجربة الرئيس الأسبق محمد مرسي ، ومؤسساتهم وإعلامهم ، ويمكننا مقارنة مستوى الإرهاب المحاصر والمحدود في عامي الثورة الأولين ـ 2011/2012 مع ما هو عليه الآن ، لندرك الفارق المهول ، أيضا ، تراجع الاحتياطي النقدي يعود بالأساس إلى إهدار موارد الدولة في مشروعات للمنظرة السياسية وصناعة الأمجاد الرمزية على حساب الأولويات ، على النحو الذي حدث في قناة السويس ، ويكفي أن حوالي ثلاثين مليار دولار معونات خليجية حية أيام السخاء الخليجي ، وهو مبلغ ضخم كسيولة ، تبخرت خلال عامين تقريبا وكأنها لم تكن ، وجفاف موارد النقد الأجنبي يعود بالأساس إلى مناخ الخوف في قطاع الاستثمار وغياب الرؤية وانتشار القلق وهروب المستثمرين وهروب رأس المال والعملة الصعبة معهم لاضطراب القرارات والقوانين والتلميحات والتهديدات والممارسات الرقابية المتعددة بصورة انتقائية لا يعرف لها قاعدة ولا أساس ، وتعدد جهات القرارات الغشيمة في الدولة على النحو الذي حدث مع صلاح دياب حيث لا يعرف أحد من صاحب القرار فيها ، وبدا السيسي غاضبا بما يعطي الانطباع بأنه ـ هو شخصيا ـ فوجئ بما حدث ، مثله مثلنا ! ، وتراجع مستوى الإنتاج في الدولة وضعف معدلات التنمية يعود بالأساس إلى انتشار روح الإحباط بين ملايين المصريين سواء بسبب الانقسام الوطني العنيف الذي ما زلنا نعاند بإنكاره ، أو بسبب رؤية انتشار الفساد الإداري وتوسيد الأمر إلى المخبرين والموالين في مختلف قطاعات العمل والدولة على حساب الكفاءات وأهل النزاهة ، وغياب معايير العدالة الإدارية والاجتماعية معا ، وانهيار صورة مصر في العالم الخارجي وتردي ثقة الآخرين في استقرارها يعود بالأساس إلى إجراءات وترتيبات في هيكل العدالة أعدت بليل ـ على عجل ـ وأساءت إلى العدالة وقدمتها للعالم في صورة مختلة ووحشية وخارجة عن حدود المنطق ، وصحيح أنها كانت سابقة على تولي السيسي ، لكنه استمر عليها ولم يفكر في لجمها أو تغييرها . لا يوجد أي مسئول في مصر الآن ، من السيسي فنازلا ، يمكنه أن يعطيك أي صورة متفائلة عن المستقبل ، وإذا سألته عن بكره ستكون الإجابة : قول يا رب ! ، فلا يوجد أي مؤشر ولا أمارة على أن الحال غدا سيكون أفضل من الحال اليوم ، بل القناعة أنه سيكون أسوأ ، بل جاءت عبارة السيسي الأخيرة كأنها تجهز الناس لأيام الجوع . إذا لم تكن تلك الأجواء والأحوال هي الأكثر احتياجا للمراجعة والتصحيح والاعتراف بالخطأ والتغيير الشامل وشجاعة القرار المسئول ، فمتى تكون ؟ سؤال أوجهه لضمير كل مخلص لهذا الوطن ، في السلطة أو خارجها. المصريون رئيس تحرير المصريون*

مشاركة :