أزمة الهوية والصراع عليها: حزب الدعوة والتيار الصدري نموذجا

  • 12/23/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أزمة الهوية والصراع عليها: حزب الدعوة والتيار الصدري نموذجا بيانات حزب الدعوة وتغريدات الصدر ضد حفلة محمد رمضان ليست أكثر من محاولة تثير الشفقة على مساعي هذه الجماعات لإعادة الاعتبار إلى هويتها الإسلامية التي لا تختلف في ماهيتها الاجتماعية عن داعش. البحث عن الهوية الطبقة البرجوازية العربية تعيش أحلك أيامها، تعيش أزمة الهوية وفي الوقت نفسه الصراع في ما بينها على إيجاد هوية لها. هذه الأزمة أبعد من بيانات حزب الدعوة وتغريدات الصدر للدفاع عن قيم الإسلام والتقاليد الاجتماعية التي هزتها فعاليات الفنان المصري محمد رمضان. ونود التأكيد بأننا لسنا بصدد تقييم فن محمد رمضان، إنما ما يهمنا هي الزوبعة الاجتماعية التي تحمل في طياتها ماهية سياسية، والتي أثارتها قوى الإسلام السياسي الحاكم في العراق. وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة الدفاع عن الإسلام والقيم المجتمعية، وهي من أكثر المقولات الفضفاضة. فقد تكون تلك القيم هي حقوق الإنسان بالمعنى المطلق وحرية التعبير والرأي والتنظيم والتظاهر، وقد تكون قيم مجتمع داعش وولاية الفقيه وحكم طالبان. وقبل محمد رمضان كان هناك مهرجان بابل وحفلات الفنانة إليسا التي أثارت غضب رجال الدين. لطالما طرح سؤال، لماذا لم تتجه البرجوازية في منطقتنا مثل البرجوازية في أوروبا إلى إقصاء الدين من حياة المجتمع، وتفصل الدين عن الدولة وتعامل البشر على أساس الهوية الإنسانية والمواطنة بغض النظر عن عرقه وجنسه ودينه وطائفته؟ وكان الجواب دائما خاصة من قبل مثقفي نفس الطبقة بأن البرجوازية العربية متخلفة، وعلينا ألّا نجابه الدين بالنقد السياسي والفكري كي لا نجرح مشاعر المسلمين. إلا أن الحقيقة التي تكمن خلف كل تلك المبررات هي أن الدين في منطقتنا هو أكثر الأسلحة الأيديولوجية فتكا سواء في تخدير الجماهير وخداعهم وتسكين آلام فقرهم وعوزهم، وقد عبرت جماهير العراق في تظاهرات يوليو 2015 عن الدين بشعارها المشهور “باسم الدين باكونا الحرامية”! وفي نفس الوقت استخدم الدين، وهنا أتحدث تحديدا عن الإسلام في مواجهة الحركات الثورية والتحررية في مجتمعاتنا وتصفية كل معارض للنظام السياسي إذا ما طالب بالحرية والمساواة. وتبين لنا التجربة أن الطبقة البرجوازية العربية كأنظمة سياسية حاكمة بخبرات مراكز الدراسات الفكرية والسياسية الغربية وأجهزة مخابراتها بأن الدين لعب دوراً وعاملا مهما وحيويا في معركتها الفكرية والسياسية والاجتماعية خلال أكثر من قرن لمواجهة الحركة الشيوعية الثورية والتحررية في المجتمع إبان الحرب الباردة. الحفاظ على “الإسلام” بتفسير البخاري وابن تيمية وابن العثيمين والباز والحرس القديم في الأزهر والخميني ومحسن الحكيم بات يصارع رأس المال في منطقتنا ويتناقض مع وجوده ومستلزمات استثماره، وبات يرعبه ويجرده من أي مأوى. وفي زمن بحاجة إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة للحفاظ على العالم، وفي مستقبل أصبح ينذر بنفاد النفط، فالطبقة البرجوازية بحاجة إلى تجديد أدواتها لتوفير الحماية لرأس المال وتأمين مستلزمات استثماره، وإن أحد ميادين الاستثمار هو السياحة وجذب رؤوس الأموال إلى مساحات يستمتع أصحابها بالحريات الفردية. أي أن العلمانية وتجديد تفسيرات أولي الألباب الأولين باتت حاجة ملحة وضرورة لاستمرار وجود الطبقة البرجوازية. فالإسلام السياسي الذي يستند على تفسيرات أولي الألباب تحول إلى عائق جدي أمام تطور واستثمار رأس المال. ولذلك نجد لغة جديدة ولهجة حديثة وخطابا سياسيا متمدنا يخاطب مجتمعاتنا. هذه الجماعات تحاول عبثا تجديد هويتها الإسلامية في الزمان والمكان الخطأ. إن الزمان الخطأ هو أن كل شيء بدأ يتغير حول العراق نحو التحرر والعلمانية، أما المكان الخطأ، فانتفاضة أكتوبر أعادت المجتمع العراقي إلى جذوره المدنية والتحررية إن القومية العربية والإسلام كانا دائما في صراع مع بعضهما، صراع بين الأجنحة البرجوازية على السلطة. وحاول المثقفون والمنظرون البرجوازيون المزاوجة بين الاثنين وحل التناقضات بينهما. وفي خضم التحولات التي جاءت بعد احتلال العراق وبعد ذلك اندلاع الثورتين التونسية والمصرية، وإدخال الطائفية كهوية جديدة في الصراع بين الأجنحة المتصارعة على السلطة والنفوذ في المنطقة، إلا أنه سرعان ما سقطت الطائفية، وسقطت أيضا الأيديولوجية الإسلامية بالرغم من الدعم المالي والسياسي والعسكري لكل الجماعات الإسلامية الإرهابية في المنطقة من قبل الغرب قبل الشرق. وهكذا تبحث الأنظمة التي رفعت يوما راية الإسلام في مواجهة الشيوعية ثم الطائفية في مواجهة بعضهما، تبحث اليوم عن هوية جديدة، وها هي تتشبث من جديد بالعلمانية التي قالت يوما عنها كفرا. ما نريد أن نقوله هنا أولا، إن الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة الحاكمة. وإن المبررات بأن غالبية المجتمع هي من المسلمين ولا يجوز المساس بها لم تكن أكثر من ترهات، وبينتها التجربة السعودية؛ فقيادة المرأة للسيارة وإنهاء دور مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحجيم تدخل رجال الدين في تطاولاتهم واستهتارهم بالحياة الشخصية للأفراد في المجتمع، وحق السفر للمرأة بدون محرم وحق سكن المرأة لوحدها وإقامة الحفلات الغنائية، والعمل على تغيير المناهج التعليمية التي تستند على نشر الكراهية لغير المسلمين والنساء ووضع تفسيرات البخاري وابن تيمية في الرفوف وتقصير أكثر عدد من الأيادي للوصول إليها وتناولها..الخ، جاءت بقرار من الطبقة الحاكمة في السعودية. أحدثت هذه التغييرات الكبيرة هزة عنيفة في المجتمع. ويبين التأييد الواسع والكبير في صفوف الشعب السعودي لسياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الصعيد الفكري والاجتماعي على أن الغالبية المطلقة لجماهير السعودية متمدنة ومتحضرة وتريد وتطمح إلى الاندماج في المجتمع الإنساني المتحضر المتمدن والعاشق للحرية. وثانيا، إن ما يحدث في المنطقة العربية هو بحث عن هوية جديدة تستطيع أن تأتي بالمجتمع إلى التحولات والتطورات وحاجات النظام الرأسمالي كما أشرنا. ثالثا، مع كل هذه التغييرات في الخطاب السياسي والدعائي والإعلامي لن تتجرأ هذه الطبقة على إقصاء الدين عن الدولة وحياة المجتمع. وليس الصدر وحزب الدعوة وكل قوى الإسلام السياسي المتورطة اليوم بأيديولوجيتها الإسلامية بعيدة عن أزمة الهوية، وفي زاوية منها الصراع عليها، أي الصراع على هوية متهالكة بدأت تلفظ أنفاسها في عالم اليوم، وتقف عائقا جديا أمام تأمين مستلزمات التطور الرأسمالي وحاجاته. فالسوق الرأسمالية اليوم هي سوق عالمية ولا يمكن الفصل بين السوق العراقية والسوق السعودية أو الإماراتية أو الصينية أو الأميركية. وهذه السوق بحاجة إلى إزالة كل المعوقات التي أمامها، ومنها تقنين الإسلام وترويضه بما لا يتعارض مع التطورات الجديدة. ولا بد هنا من الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن ما يميز السلطة السياسية في العراق أنها سلطة ميليشياوية، تعتاش وتمول نفسها من سرقة النفط والمحاصصة. إنها لا تفكر كطبقة برجوازية منسجمة تمثل نفسها وتسوق نفسها على أنها تمثل كل الطبقات الاجتماعية وتشكل حكومة على أساسها. إن الطبقة البرجوازية في تلك البلدان باتت تدرك أن الإسلام بالطريقة القديمة وبالطريقة التي يدافع عنها حزب الدعوة والصدر لا يمكن أن يتطابق مع نمو رأس المال في بلدانها وتأمين مستقبله، بينما أن التركيبة البنيوية والميليشياوية للسلطة في العراق وغياب الدولة بالمعنى الهوياتي والقانوني والأمني والسياسي هي وراء مأزق قوى الإسلام السياسي، سواء على صعيد أزمتها الهوياتية أو على صعيد معضلة نفس الهوية التي باتت غير ملائمة اليوم. المعضلة البنيوية وحدها ليست هي كل المشكلة في مأزق هوية هذه الجماعات، فهناك معضلة أخرى تنخرها هي المعضلة الاجتماعية التي كشفت عنها انتفاضة أكتوبر، حيث لا يمكن لقوى الإسلام السياسي الاستمرار بالحكم في العراق بالطريقة القديمة، وأن كل ألاعيبها ومسرحياتها وتبرجها بالدين أصبحت مكشوفة. وأن ما يثير الاهتمام ثم البناء عليه، حيث سنشير إليه لاحقا، أن المجتمع العراقي ليس مثل المجتمع السعودي أو الإماراتي وأن التغييرات الحاصلة على صعيد رفع العلمانية والمدنية والتحضر بقامتها في المجتمع ليس بسبب الإصلاحات من الأعلى، كما جاءت في قرارات الطبقة الحاكمة في السعودية أو كما جاءت في مناهج الأزهر في مصر، بل إن الجذر الاجتماعي المتمدن والمتحضر والتحرري يضرب في عمق تاريخ العراق الحديث. أي بعبارة أخرى أن من فرض التراجع على الإسلام السياسي هو القاعدة الاجتماعية، وقد حاول الإسلام السياسي بجميع مساعيه عن طريق القتل والاغتيالات ورعب الميليشيات وإقامة المناسبات الدينية حتى في الجامعات وتغيير القوانين ومحاولة تشريع قانون العطل الرسمية التي تصل إلى 152 يوما، أكثر من 90 في المئة منها عطل دينية، وفضائياتها الممولة من جيوبنا ومستفيدة من الأرضية الاجتماعية للحصار الاقتصادي، إلا أن حجم فشل تلك المساعي كان مريعا. وهذا هو سر بحث هذه القوى عن الهوية، فمرة يظهر حزب الدعوة وعموم ميليشيات تحالف الفتح بأنهم جزء من “هوية المقاومة والممانعة”، ومرة أخرى يظهر مقتدى الصدر بأنه وطني عراقي ويتغنى بالوطن أكثر من تغنى إياد علاوي وحسام الرسام به، ومرة يتغنى بالإسلام وأخرى بالطائفة. والأكثر سخرية في هذا المشهد، التنافس في إصدار البيانات بالدفاع عن قيم الإسلام في العراق، بينما لم يقل أي واحد منهم، وماذا عن قيمة الإنسان الذي سرقوه في وضح النهار؟ وفي صلة بالموضوع نفسه يشترط الإطار التنسيقي (البيت الشيعي الجديد) أن يكون رئيس الوزراء القادم متدينا، ويقصد مثل شخصيات ورجال من الإسلام السياسي الشيعي متفننين بالكذب والوقاحة ومحترفين بأدائهم في السرقة والنهب دون ترك أي بصمات. هذه الجماعات تحاول عبثا تجديد هويتها الإسلامية في الزمان والمكان الخطأ. إن الزمان الخطأ هو أن كل شيء بدأ يتغير حول العراق نحو التحرر والعلمانية، أما المكان الخطأ، فانتفاضة أكتوبر أعادت المجتمع العراقي إلى جذوره المدنية والتحررية. بيانات حزب الدعوة وتغريدات الصدر ضد حفلة محمد رمضان ليست أكثر من محاولة يائسة وتثير الشفقة حقا على مساعي هذه الجماعات لإعادة الاعتبار إلى هويتها الإسلامية التي لا تختلف في ماهيتها الاجتماعية عن داعش. الدعوة والصدر ورجال الدين من الصف الثاني العنصريين الذين فشلوا في إقناع مريديهم بهويتهم الإسلامية، فتحولوا إلى عنصريين بامتياز عندما وجهوا الإهانات إلى لون محمد رمضان، يبغون من وراء كل هذه الضجة احتكار حلم وأماني وتطلعات الإنسان في العراق عبر فرض هوية إسلامية هم أنفسهم متورطون فيها. ولكن والحق يقال إن مدن العراق تعلم بأن حمل هوية تالفة وممزقة أفضل من ألّا تحمل أية هوية وأنت تعبر المفارز والسيطرات الأمنية. سمير عادل كاتب عراقي

مشاركة :