أكد الشاعر البحريني الكبير علي الشرقاوي أن عاصفة الحزم تمثل بداية صحوة الموقف العربي أمام التحديات، لكنها تحتاج أيضا إلى عواصف متتابعة ثقافية واقتصادية. وقال في حوار خاص لـ«عكاظ» إن التشيع العربي مختلف كل الاختلاف عن التشيع الصفوي، مطالبا بفتح المجال أمام الأفكار الجديدة ومشاركة التيارات ومنحها الفرصة الكاملة في المجتمعات العربية وعدم تخوينها.. الشاعر الشرقاوي فتح قلبه لـ«عكاظ» وتحدث عن اسبابب التشظي التي تعيشها المجتمعات العربية، كما تحدث في اتجاهات في الفن والشعر والحياة.. فإلى تفاصيل حوارنا معه: • ما الذي تنشغل به اليوم بعد هذه التجربة الثرية والركض في طرقات الفن طويلا؟ •• العديد من المشاغل يا صديقي، فصاحب المشاريع الفنية، سواء كنت انا او غيري من الادباء والفنانين في كل المجالات الابداعية والفكرية، لا يملك الوقت، حتى يجلس يفكر في طبيعة صعوبات الطريق التي يمكن ان تعترضه وهو يواصل المشوار. هناك العديد من الكتب في المطبعة لم تحصل على الفرصة حتى هذه اللحظة، لمعانقة عين وقلب وفكر القارئ، سواء كانت مقالات، او مجموعات شعرية، او مسرحيات شعرية، او كتب اطفال، وهناك العديد من المسودات الجالسة في ملفات الكمبيوتر مثل اصحاب الطلبات في المؤسسات والشركات، تنتظر دورها للتبييض. • الشعر والكلمة المجنحة والأغنية الحالمة هل فقدت تأثيرها في ظل عالم دموي يحيط بالشارع العربي، كيف ترى ذلك؟ •• لا شي يفقد تأثيره في هذه الحياة التي نعيش، ربما يظن البعض هذا، ولكن الحياة في حركة مستمرة، لا تتوقف، ما تظنه انت على سبيل المثال انه فقد دوره، يمكن ان يؤثر في شخص آخر، وما نراه نحن في بلادنا انه لم يعد مؤثرا من حيث الكم، من الممكن ان يكون له التأثير الاقوى في بلاد اخرى من حيث النوع.. طبيعة الحياة التي نحيا في حالة من التغير والتحول، لا شي جامدا، لا شي لا يتحرك، كمياه النهر نحن، ونحن لا ندخل النهر مرتين. التقنيات الجديدة في التواصل الاجتماعي ليست كما يقال ابعدت الانسان عن القراءة او المتابعة، بقدر ما فتحت امامه مجالات اوسع للوصول الى ابعد اقاليم العالم. في الطباعة العادية، ربما تطبع انت او انا او كاتب آخر الف نسخة من كتاب ما في المنطقة التي تعيش فيها، او اعيش انا فيها، نسخ هذا الكتاب قد تصل حتى الى اصدقائك ، ولا تجد من يشتريها، وتبقى في المخزن، الى اجل غير مسمى، ولكن الكتاب الالكتروني الآن يصل الى مناطق ما كان يحلم بها اعظم كتاب العالم. لا يحتاج الى بريد قدر ما يحتاج الى كبسة زر لينزل الكتاب. • كمثقف وطني خليجي كتبت عن عاصفة الحزم وأبعادها حدثنا عن ذلك؟ •• عاصفة الحزم، هي عاصفة كنت انتظرها منذ فترة طويلة، لأنني من خلالها، كنت ارى بداية صحوة الموقف العربي الموحد، وإن لم يكن يشمل كل الدول العربية، كانت العاصفة بمثابة الحلم الذي تحقق فلأول مرة في تاريخنا، نرى عملا رائعا تقوم به المملكة العربية ومصر والبحرين والإمارات، دون الرجوع الى امريكا وغيرها من الدول العظمى، كما حدث في السنوات السابقة. ولكنني ارى ان عاصفة الحزم العسكرية ينبغي ان تتبعها عواصف اخرى؛ في المجال الاقتصادي، كأن يكون هناك بنك عربي مشترك، على غرار السوق العربية المشتركة، وفي المجال الثقافي، تقوم بإيصال الكتاب العربي دون رقابة وجمارك وحدود، وفي المجال الاجتماعي، تساهم في التواصل بين الانسان العربي وغيره على ارض الوطن العربي، دون عوائق حدودية، من خلال عاصفة خط السكك الحديدية والقطارات السريعة التي تربطنا من الماء الى الماء. • المجتمعات العربية اليوم هل تعيش حالة من التشظي بعد فشل الربيع العربي وبعد تنامي ظاهرة الإرهاب، ما الذي يحدث برأيك ومن المسؤول عنه؟ •• في تصوري ان احد اسباب التشظي التي نعيشها اليوم، هو ان هناك انظمة ابعدت التيارات الوطنية من المشاركة في تحقيق الحلم، وضربتها حتى لم تعد قادرة على التنفس، سواء على مستوى القطر الاقليمي الواحد، او على المستوى القومي العام، فأنت حينما تضرب وتطيح بتيار وطني وتبعده، فانه من الطبيعي ان يقوى الفكر الاخر، بكل ما يحمل من امراض نفسية وفكرية وروحية، ليسيطر على الساحة، وهذا ما اعطى التيار المتشدد امكانية التمدد على كل الساحات العربية، وسيطرته التامة، من خلال اتاحة الفرصة له لأن يكون الكل في الكل، رغم وجود الدولة، فهو يعمل وبشكل سافر من خلال الهيمنة التامة على كل الصناديق الخيرية، ويحرك مجموعاته من خلال تجنيد الشباب الباحثين عن معنى، وعبر بذل المال لهذا او ذاك من المنتمين لهذا التيار، بالإضافة الى ارسال اموال الزكاة وغيرها لشراء الاسلحة وتجنيد الشباب الباحثين عن معنى في زمن افتقد المعنى. • كيف نتجاوز خطورة المرحلة اليوم أمام التحديات الكبيرة؟ •• اعطاء الفرصة امام الافكار والتيارات الاخرى لطرح مرئياتها دون قمع ودون تخوين، تحت مسميات الغزو الفكري او غيرها من التسميات التي لا يعرف مطلقوها معناها الحقيقي، وان تكون هناك منابر حرة، جريئة، قادرة على تحريك عملية التغيير الى الامام، فالمدينة التي يسكنها الخوف، لا يمكن ان تنجب الرجال القادرين على الفعل والبناء، بناء الانسان والمجتمع. • في المجتمع البحريني قبل سنوات طوال لم تبرز أية ظاهرة تصنيف طائفي داخل المجتمع المتماسك لديكم لكن اليوم هناك حديث متضاد شيعي/ سني.. ترى لماذا برز ويبرز في هذه المرحلة؟ •• هناك دائما دول تحاول ان تتمدد في اراضي غيرها، لهذا تبحث عمن يقوم بهذا الدور، وإيران احدى الدول التي عملت منذ بدايتها على التوسع -او كما قالت تصدير الثورة- الى بعض المناطق التي فيها شيعة، وان لم تجد الاقليات الشيعية فهي تعمل على ايجادها من خلال المال، وعبر ولاية الفقيه التي ترى ان هناك شخصا واحدا، تأتيه الاوامر من الله سبحانه وتعالى، لذلك على الجميع اطاعته، طاعة عمياء، من غير اي تأخير. وإيران وجدت بعض العناصر التي ترتبط بها مذهبيا وفكريا، فأعطت لهم المجال للسيطرة على الحديث باسم الشيعة، رغم اننا نعرف ان التشيع العربي مختلف كل الاختلاف عن التشيع الصفوي • علي الشرقاوي يوزع قلبه وقلمه ونبضه بين النص الفصيح والنص العامي والنص الغنائي والمسرح في رحلة إبداعية حافلة أنتجت عشرات الدواوين الشعرية والأعمال الفنية والغنائية، ترى هل ما زالت جروح قلبك أوتارا للوجع؟ •• كل تجربة انسانية صادقة قادرة على اختراق الزمان والمكان، قادرة حتى في حالة ترجمتها، للوصول الى قلب المتلقي دون حواجز اللغة والدين والجنس والجغرافيا. • «جروح قلبي وتر» و«أبكي على البمبرا» وأعمال أخرى خرجت كلوحات فنية راقية مع الفنان الكبير خالد الشيخ، لماذا توقفت هذه الثنائية الجميلة مع خالد الشيخ، وحدثنا عن تلك التجربة؟ •• التجربة لم تتوقف، لكن اخذت مسارات اخرى، غير التجارب التي مثلت المرحلة التي خرجت فيها الى السطح، خالد الشيخ انتقل من مرحلة الاغنية الفردية الى العمل الغنائي الاستعراضي الكبير الذي يضم العديد من الافكار والأصوات والأزمنة. بالنسبة لي ما زالت هناك كلمات للاغاني الفردية، ولكن انت تعرف ان المشكلة ليست في الكلمات او الالحان او المطرب، ولكن المشكلة تكمن في المنتج الذي يضع ميزانية من اجل ايصال العمل الى الاخرين، والمنتج الآن غير المنتج في السابق، في السابق ترى المنتج يحتكر العمل المطروح، وبعض الاحيان يحتكر الملحن والمغني او المطرب، الان بعد ان انفتح العالم على اشكال جديدة من الاتصال اصبح المنتج يخاف من طرح اي البوم جديد اذا لم يكن واثقا من نجاحه.
مشاركة :