قبائل البجا.. المكونات العريقة في شرق السودان

  • 12/24/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش الحكومة السودانية واحدة من أسوأ الأزمات السياسية الحالية بسبب المظاهرات والتهديدات من قبائل ونظارات البجا في مناطق شرق السودان منذ عامين، والتي تنذر بمخاطر جسيمة، وتشكل قبائل البجا تحدياً إضافياً للحكومة الانتقالية التي تواجه أزمة اقتصادية وأزمة سياسية وصفها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قبل أيام بأنها «الأسوأ والأخطر» منذ الإطاحة بالبشير. وربما يطرح البعض إمكانيات تكرار السيناريو الكارثي الذي انتهي بانفصال جنوب السودان. وهو ما يفسر لنا سر تكرار أزمات السودان المركبة التي يختلط فيها العرق والدين وتسلط المركز على حساب المناطق المهمشة والأطراف، في نفس الوقت الذي تتدافع فيه قوى إقليمية ودولية لممارسة الدور واكتساب النفوذ. التهديد بالانفصال و«تقرير المصير» شدد كرار عسكر القيادي في مجموعة نظارات البجا، أن مجموعته «لم تعد تثق في وعود الحكومة المركزية بالسودان»، مؤكداً أنها «ستعمل على تصعيد موقفها بكافة الوسائل، بما في ذلك المطالبة بحق تقرير المصير وفقاً للمواثيق الدولية». وأشار إلى أنها ستقدم على هذه الخطوة، «إذا لم تتم الاستجابة لمطلبهم الأساسي المتعلق بإلغاء (مسار الشرق) المتضمن في اتفاقية السلام الموقعة في أكتوبر 2020». وقال كرار عسكر إنهم «سيعيدون بعد انتهاء المهلة الممنوحة للحكومة، حتى الأحد، إغلاق الموانئ الرئيسة والطريق القومي الرابط بين مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وبقية مدن وأقاليم البلاد». اتفاق مسار الشرق كانت الحكومة الانتقالية السودانية قد وقعت في أكتوبر في مدينة جوبا اتفاق سلام تاريخي مع عدد من الحركات التي حملت السلاح في عهد الرئيس السابق عمر البشير احتجاجاً على ما قالوا إنه تهميش اقتصادي وسياسي لهذه المناطق. وفي الشهر نفسه وبعد التوقيع، قامت قبائل من البجا في شرق السودان بالاحتجاج وإغلاق ميناء بورتسودان عدة أيام، اعتراضاً على ما قالت إنه «عدم تمثيلها في الاتفاق». ويضم شرق السودان ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهو من أفقر مناطق البلاد ويشكو أهله مما يقولون إنه تهميش لإقليمهم ولإنسانه، بسبب افتقاره لمشاريع التنمية والخدمات رغم أهميته، وتبدو الوساطة الممثلة في دولة جنوب السودان «تجري مشاورات مكثفة في الخرطوم من أجل عقد مؤتمر جامع لكافة قبائل شرق السودان، للوصول إلى حل حول وضع الإقليم». تاريخ قبائل البجا قبائل البجا موجودة في المنطقة منذ فجر التاريخ، وجاءت هذه التسمية من قبل المؤرخين العرب، وخصوصاً القادمين من المغرب العربي، مثل ابن سعيد المغربي وابن خلدون، والإدريسي وغيرهم، حيث كانت المنطقة ممر عبور المؤرخين والعرب المغاربة للذهاب إلى الحج. ونظارت البجا مكونة من عدة نظارات أشهرها 6 نظارات هي البشاريون، وتمتد حتى الأراضي المصرية ، ومنطقة الحلايب المصرية، وقبيلة الأمرار في بورتسودان، وقبيلة الهدندوة، وقبيلة البني عامر، جنوب مدينة طوكر، وقبيلة نظارات الحباب، وتمتد مناطقها بين سواحل إريتريا والسودان، إضافة إلى نظارات العبابدة. آخر النظارات الست هي نظارت الحلنكة، كما يوجد العديد من القبائل التي تسكن البجا وليس لها نظارات. أصل شرق السودان ويبلغ عدد سكان شرق السودان ما يقرب من ستة ملايين نسمة، نصفهم على الأقل من قبائل البجا، وهي جماعات رعوية بالأساس من الشعوب غير العربية. تشمل البجا قبيلة الهدندوة (أكبر قبيلة ويعيش بعضهم في إريتريا)؛ والأمرار، الذين يقيمون في ولاية البحر الأحمر؛ والبني عامر، الذين يقيمون في كل من السودان وإريتريا. أما البشارية فهي موجودة في كل من السودان ومصر. يتحدث أبناء الشرق لغة واحدة - أصلها كوشي- ويجمعهم اقتصاد رعوي واحد وذلك باستثناء بني عامر، الذين يتحدثون لغة التقري، وهي لغة سامية، وغالباً ما يُعتبرون مجموعة عرقية وافدة. كما تقيم في الشرق عدة قبائل عربية مثل قبيلة الشكرية، الغالبة في القضارف والشايقية والجعليين- وهي قبائل نيلية- والرشايدة وهم بدو رحل هاجروا من شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن التاسع عشر ويعيشون في أطراف كسلا وعلى طول الحدود الإرترية. موارد ضخمة وتاريخ نضالي وشعب فقير هناك العديد من الموارد الطبيعية بمنطقة البجا وأبرزها حدودها مع البحر الأحمر الذي يعتبر غنياً بالموارد النفطية والطبيعية، وتعتبر مستودع الثروات المعدنية، ويوجد العديد من الأنهار الطبيعية مثل نهر القاش، والتي أعطت سكانها فرصة للعمل في الزراعة. وعن تاريخها السياسي أسس عدد من النشاط اليساريين حزباً سياسياً بالبجا، كأن أبرز مؤسسيه طه عثمان ومحمد السعيد إدريس، ويوجد العديد من الأحزاب السياسية منها القومية والمعارضة، ويوجد أحزاب أخرى مثل حزب الشرق وحزب الجبهة الشعبية، وحزب الشرق الديمقراطي، ويوجد العديد من الأحزاب الوطنية مثل الحزب الوطني الاتحادي، حيث يعتبر أبناء المنطقة من أصحاب التاريخ السياسي الكبير. ويقّدر عدد البجا بنحو 4 ملايين نسمة تقريباً وهو ما يمثل 10 بالمئة من سكان السودان. الانقسام في شرق السودان وأصل النزاع في شرق السودان هو، في جانب منه، نزاع أهلي بين البجا من جهة والبني عامر والحباب من جهة أخرى، وفي جانب آخر يعبر عن أزمة سياسية تبعتها أزمات اقتصادية واجتماعية. وقد شهدت الفترة التي أعقبت سقوط نظام البشير أحداث عنف كثيرة في بورتسودان وكسلا وغيرها من المناطق بشرق السودان وراح ضحية لهذه الأحداث عدد كبير من المواطنين، وهذا يشمل مثلاً الأحداث القبلية التي وقعت بين مكوني البني عامر والنوبة الأهليين والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين رغم عدم وجود إحصاء دقيق عن الأعداد الحقيقية. لاشك أن الحملة التي يقودها زعيم البجا محمد الأمين ترك لمعارضة مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا تعبر عن استغلال الانقسامات القبلية لتحقيق المصالح السياسية لنظام البشير المخلوع. كما أن ارتباطات ناظر البجا ترك بحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً غير خافية. علاوة على ذلك، فقد ترشح ترك نفسه عن حزب المؤتمر الوطني في انتخابات عام 2015. التدخلات الخارجية وتدفق الأسلحة المثير للقلق، هو تدفق الأسلحة على شرق السودان بمعدل غير مسبوق. إذ يبدو أن التوترات المتصاعدة أصبحت أكثر عنفاً، حيث إن القبائل تستخدم الرصاص الحى، ولاشك أن توظيف المتغير القبلي لتحقيق أهداف سياسية يزيد من تعقيد الأزمة. فغياب الشعور العام بالانتماء الوطني والحروب القبلية يغذيها غياب الأمل وتفشي الفقر وضعف مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من اعترافنا بأن أزمة الشرق في السودان هي بالأساس صناعة محلية، فإن ثمة أيادي خارجية تحاول استغلالها لتعظيم مكاسبها في معركة التدافع الإقليمي والدولي على السودان. ونظراً لقربها من البحر الأحمر الجيوستراتيجي، يميل البعض إلى القول بأن أعمال العنف في بورتسودان توظفها وتشعل جذوتها أجهزة استخبارات وقوى أجنبية ضاغطة. ثمة مصالح لقوى إقليمية نتيجة التداخل العرقي والقبلي عبر الحدود في شرق السودان مع كل من إريتريا وإثيوبيا. لقد حاولت إثيوبيا استغلال التوتر الأمني في الإقليم لغزو بعض مناطق الفشقة الحدودية، بيد أن الجيش السوداني قام بردعها والتصدي لها. الدروس من الماضي عندما أعلن مجلس نظارات البجا في شرق البلاد تأييده للتحركات التي اتخذتها القوات الأمنية، واتهم حكومة عبدالله حمدوك بأنها حزبية، وتجاوزت الوثيقة الدستورية. وانقسم الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض لتحركات الجيش في البلاد التي تشهد أزمات متلاحقة لم تهدأ منذ سنوات، فيما لا يزال حلم الاستقلال لشعب البجا أداة بيد السياسيين وسلاحاً يتم إشهاره تارةً وإخفاؤه تارة أخرى. فالنهج الأمثل لمواجهة أزمة الشرق واحتواء ثورة البجا هو تعلم الدرس والاستفادة من تجارب الماضي القريب في غرب وجنوب السودان. من المتعيَّن معالجة الأسباب الجذرية، وإجراء البحوث حول أسباب العنف، فضلاً عن تطوير خطاب عام وحكومي جديد لمواجهة التأثيرات السلبية للقبلية وإثارة النزعات العنصرية الضيقة.

مشاركة :