عندما نتفكر في موقف الرجل الذي اندهش من تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين، وله -أي الرجل- عشرة من الأبناء ولم يُقَبّلهم قط، نتساءل: هل يتميز هذا الرجل بغلظة القلب؟ أم إنه كان يعتقد أن أطفاله يشعرون بحبه من دون تعبير منه؟! ونظرا إلى أن النوايا وحدها لا تكفي لتربية سليمة يجب أن نفرق بين نوعين من الحب.. الأول هو الحب المشروط وهو الحب الذي يتوقف على فعل إذا ما حققه الطفل يحصل على الحب.. والنوع الثاني هو: الحب غير المشروط والذي سنوضح خلال الأسطر القادمة أهميته وتأثيره على أبنائنا. (الحب غير مشروط) كثير منا نحن الآباء والأمهات يحب أولاده حبا مشروطا.. هذا (الحب المشروط) يكون مرتبطا بسلوكياتهم ومدى رضانا عنهم.. فترانا نشترط عليهم قائلين: (سأحبك إذا انتهيت من طعامك).. (أنا أحبك عندما تكون متفوقا).. أليس ذلك ابتزازا باسم الحب؟ يقول الكاتب جاري تشابمان في كتابه المترجم الذي بيع منه أكثر من مليون نسخة (لغات الحب الخمس) إن الحب غير المشروط يظهر الحب للطفل أيا ما كان.. فنحن نحب الطفل بغضّ النظر عن شكله أو قدراته أو إمكانياته أو إعاقاته وبغضّ النظر عما نتوقع أن يكون في المستقبل. هذا لا يعنى أننا يجب أن نحب كل تصرفاته، ولكنه يعني أننا نعطي ونظهر الحب لطفلنا طوال الوقت حتى عندما تكون تصرفاته سيئة.. كما لا يعني هذا الحب غير المشروط أن الطفل في مأمن من العقاب والحزم. بل إن هذا يعني أن نحب أبناءنا ونكره تصرفاتهم السيئة، فلا نربط حبنا لهم بتصرفاتهم.. فإذا فعلوا ما نريد نمنحهم الحب وإذا لم يفعلوا لا يحصلون عليه.. (فوائد الحب غير المشروط) إن حب الأطفال بدون شرط يجعلهم ينظرون بإيجابية إلى أنفسهم، وكلما كبروا يكونون قادرين على أن يتحكموا في قلقهم وسلوكهم وخاصة عندما يصلون إلى مرحلة البلوغ... فالطفل الذي لديه خزان حب ممتلئ يستطيع أن يتجاوب مع توجيه الوالدين من دون امتعاض وضيق.. فهو يشعر بأنه يقف على أرضية صلبة.. هذه الأرضية هي «كونه محبوبا»... فالطفل الذي لديه شعور عال بالذات سوف يرى نفسه متفوقا على الآخرين.. وهذا هو نوع الحب الذي يجعله يغامر في حياته بدون خوف من نتيجة الفشل، ويساعد على نمو أطفال واعين مدركين للحياة. ويعد هذا الحب «غير المشروط» حيويا ومهما وضروريا للطفل ولا سيما في سنواته العشر الأولى من حياته، وينبغي للأهل منحه للطفل بسخاء في هذه الفترة، وهذا لا يعنى أن هذا الحب غير مهم في مراحل العمر الأخرى من الحياة. الحب ومرحلة المراهقة خلال سنوات الدراسة الابتدائية للطفل من الضروري أن تتذكر أنك تقوم بإعداده لأصعب جزء في الطفولة وهو المراهقة، فعندما يكون الطفل صغيرا يسهل نسبيا ملء خزانه العاطفي، وكلما نما الطفل يصبح إبقاء الخزان ممتلئا أكثر صعوبة، فهم الآن أكبر وأقوى وأكثر ذكاء، لذا يجب تزويد خزاناتهم العاطفية حتى لو لم يعطوك إشارات بحاجتهم إلى ذلك... ولعل اعتياد الطفل منذ صغره على الحب المشروط يجعله يسلك الحب ذاته عندما يصير مراهقا.. فلا يعطي -أي المراهق- شيئا بدون مقابل إذ «يعتاد الرشوة»، فعندما تطلب منه شيئا لينفذه تراه يشير بأنه ينتظر المقابل الذي سيحصل عليه كي ينفذ طلبك.. فقد كبر الآن وأصبح يطبق ما اعتاده من شكل الحب المشروط!... فشتان بين الحب غير المشروط والحب المشروط. كاتبة وباحثة مصرية
مشاركة :