أصدرت قيادة الجيش الإسرائيلي آلاف الأوامر لتجنيد الاحتياط، وذلك بدافع القناعة بأن «انتفاضة المُدى» الفلسطينية لن تتوقف قريبًا، بل ستستمر وقد تتسع أكثر. وبعد ساعات من هذا الإعلان، وقعت عملية إطلاق رصاص على سيارتين إسرائيليتين قرب الخليل المحتلة، نفذها فلسطينيون، لتؤكد صحة التقديرات باستمرار العمليات، في حين وقعت اشتباكات في مناطق عدة من الضفة الغربية بين متظاهرين فلسطينيين وقوات الاحتلال. وكانت عملية إطلاق نار في منطقة الخليل تمت على شارع رقم 60 المؤدي إلى مستوطنة عنيئيل، وهو الشارع الذي يستخدمه المستوطنون بشكل أساسي. وأوضحت مصادر عسكرية في تل أبيب، أن سيارتين إسرائيليتين كانتا تضمان سبعة مستوطنين يهود أبناء عائلة واحدة، تعرضتا إلى إطلاق نار قرب قرية يطا، فيما فر المنفذ من المكان، وأن القتيلين هما أب في الأربعين من عمره وابنه (18 عاما). وذكرت مصادر طبية أنها نقلت إلى مستشفى «سوركا» في بئر السبع 4 مصابين، أحدهم فتى في الخامسة عشرة وثلاثة في حالة هلع. وانتشرت قوات كبيرة من قوات الاحتلال في المكان وفي محيط قرية يطا بحثا عن منفذ العملية بمساعدة أجهزة مراقبة من الجو. وفرضت طوقا حول قريتي يطا وبيت عوا ومنعت التجول فيهما. ويقوم بعمليات دهم بحثا عن المنفذ. وتبين من التحقيقات الأولية أن شابين فلسطينيين نفذا العملية، كانا قد رابطا داخل سيارتهما على قارعة الطريق عند أحد المنعطفات، أحدهما جلس في السيارة والثاني وقف خارجها. فعندما اقتربت السيارتان من المنعطف، خففتا السرعة، كما هو متوقع. فاستغل الشاب الفلسطيني ذلك وراح يطلق الرصاص كثيفا على إحدى السيارتين. وتسبب ذلك في انحراف السيارتين عن الشارع. وادعت السلطات الإسرائيلية أن سيارة إسعاف فلسطينية وصلت إلى المكان وعندما فهمت أن المصابين يهود عادت أدراجها ولم تقدم الإسعافات لهم. وخرج قادة المستوطنين بحملة هجومية على الحكومة والجيش والجهاز القضائي، بدعوى أنهم لا يوفرون الأمن الكافي للمستوطنين. وطالب نوعم هعتسني، من مستعمرة «كريات أربع» المجاورة بتنفيذ عملية اجتياح شاملة للضفة الغربية قبل أن «تستفحل الأمور وتنشب انتفاضة شرسة ضدنا». وكانت منطقة الخليل قد شهدت صدامات كثيرة، يوم أمس. وقالت مصادر فلسطينية، إن 4 شبان فلسطينيين أصيبوا، ظهر أمس (الجمعة)، بإصابات متفاوتة في مواجهات مع قوات الاحتلال في رأس الجورة في الخليل. ووصفت إحدى الإصابات بأنها خطيرة. وذكرت مصادر فلسطينية أن مستوطنا حاول دهس 3 فلسطينيين على مدخل قرية بيت أمر، شمال الخليل، على الشارع المذكور (شارع 60) نفسه، ولكنهم تمكنوا من الابتعاد عن مسار المركبة. وتؤكد تقارير الجيش الإسرائيلي وأبحاثه أن الاحتمال الأكبر هو أن الوضع السياسي للفلسطينيين لن يتغير قريبا، لذلك فإنه، أي الجيش، بدأ يستعد لمواجهة «انتفاضة متواصلة» في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة. ويتجلى ذلك من خلال الإجراءات التي باشر القيام بها إلى تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط في مطلع عام 2016. وقالت مصادر عسكرية إن عملية استدعاء الاحتياط بدأت أول من أمس بإرسال آلاف كتب الاستدعاء. وأنها وجهت إلى الجنود والضباط في أربع كتائب احتياط، تأمرهم بالامتثال في قواعدهم بدءا من مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل، بهدف القيام بنشاط عملياتي في الضفة الغربية. وحسب المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل فإن هذه هي مجرد بداية، وأنه رغم أن إسرائيل الرسمية تدعي أن الحديث عن «هبة شعبية تتصاعد بشكل متواصل أو انفجار غضب محدود»، فإن الجيش يستعد لـ«انتفاضة ثالثة» بكل معنى الكلمة، وينوي تجنيد المزيد من الاحتياط. وتشير التقديرات إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد إلى تفعيل نحو 70 كتيبة احتياط في عام 2016 في الضفة الغربية، في نشاط عملاني لم يخطط له مسبقا، وبتكلفة تقدر بـ300 مليون شيقل (نحو 80 مليون دولار). يذكر أن وثيقة داخلية في جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة (الشاباك)، نشرت في الأيام الأخيرة، حاولت تحليل نماذج منفذي العمليات الفلسطينيين، فخرجت بالاستنتاج أن «المحفزات لاندفاعهم نابعة من إحساس بالاضطهاد القومي والاقتصادي والشخصي، ومن مشكلات شخصية ونفسية»، مما يعني أنها تتهم الحكومة الإسرائيلية بالمسؤولية عن انفجار هذه الموجة من العنف. وتضاف وثيقة «الشاباك» هذه إلى أقوال رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش هرتسي هليفي في جلسة الحكومة والتي أثارت غضب وزراء اليمين، لأنه قال فيها إن «أحد أسباب الإرهاب الحالي هو الإحساس بالغضب والإحباط في وسط الفلسطينيين، وخصوصا الأجيال الشابة الذين يشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه». وهي تحليلات تتناقض تماما مع ادعاءات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن «الإرهاب ينبع من الرغبة في القضاء على إسرائيل، وليس من الإحباط نتيجة عدم التقدم في العملية السياسية». ويقول المحلل العسكري هرئيل، إنه بالنظر إلى الجانب الفلسطيني، فإن إسرائيل قلقة من ظاهرتين: الأولى أن «وتيرة العلميات الحالية وشدتها مريحة جدا للسلطة الفلسطينية لكونها تجبي ثمنا يوميا من إسرائيل من دون أن تشكل أي خطر على استمرار نفوذ السلطة في المدن الفلسطينية، وبالتالي فإن ليس لديها مصلحة حقيقية في العمل بشكل حازم في وقف العنف». أما الظاهرة الثانية فهي أنه «يبدو أن حركة حماس تبحث عن عملية درامية، مثل عملية إطلاق نار على نطاق واسع، أو عملية انتحارية يكون مصدرها الضفة الغربية، بحيث تكون قادرة على تدهور الأوضاع أكثر وبشكل ملموس». ويخلص هرئيل إلى نتيجة أن «عدد ووتيرة العمليات ومدتها زادت على الموجات السابقة في الضفة والقدس قبل سنة وقبل سنتين. وهي انتفاضة منفذين أفراد، ينطلق كثيرون منهم بدافع اليأس، وبناء على قرار اتخذ خلال فترة زمنية قصيرة، وغير مرتبط بالضرورة بالوضع الاقتصادي لعائلاتهم». ويحذر هرئيل من أن استخدام مصطلحات مثل «موجة إرهاب» و«تصعيد» ينطوي على درجة من التضليل، حيث إن الوضع الجديد مماثل لـ«انتفاضة» أكثر من أي تعريف آخر.
مشاركة :