حل التنظيم الدولي للإخوان ورقة جبهة إسطنبول الأخيرة لحسم الصراع | هشام النجار

  • 12/24/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

طرق القيادي بجماعة الإخوان محمود حسين، الذي يقود جبهة إسطنبول في صراع القيادة ضد جبهة لندن، على الحديد وهو ساخن قاصدًا عدم إعطاء القائم الحالي بأعمال المرشد إبراهيم منير فرصة الرد عليه وإرباك حساباته إلى أقصى مدى ممكن. وبعد تشكيل حسين لجنة بديلة عن منير ومجموعته لإدارة التنظيم مؤخرا جرى الإعلان عن تحركات من قبل قيادات الإخوان في تركيا لإصدار قرار جديد آخر بحل التنظيم الدولي للإخوان. وتهدف هذه الخطوة إلى تجميد نشاط التنظيم الدولي للإخوان لشل حركة إبراهيم منير الذي يرأسه، وتجريد جبهته مما تبقى من شرعية تنظيمية وحركية، خاصة بعد الأثر الملموس الذي تركه القرار المتعلق بتسمية مصطفى طلبة كقائم بأعمال المرشد بديلًا عن منير، حيث تشير مركزية طلبة المالية والاقتصادية إلى إمكانية ضم فروع التنظيم في العالم إلى جبهة إسطنبول التي تتحكم فعليًا في نسبة كبيرة من الأصول المالية للتنظيم. ويلعب المال دورًا كبيرًا في حسم الجولات النهائية للصراع المحتدم بين الجبهتين عبر خطط فرض السيطرة على أكبر عدد من المراكز المالية للتنظيم، الأمر الذي يحدد ما إذا كانت جبهة ما قادرة على ترجمة قراراتها إلى واقع يعترف به الجميع حتى لو كانت في حجم عزل الطرف المنافس من منصبه ونزع صلاحياته عنه أو تجميد التنظيم الدولي ووضع هيكل تنظيمي للجماعة وفقًا للائحة جديدة. وأوحت الطريقة التي أدار بها محمود حسين المعركة بأنه كسب جولة في الصراع بتعيين مصطفى طلبة كممثل رسمي للجنة (أي قائم بأعمال المرشد) بدلا من إبراهيم منير، بما يمثله الأول من ثقل عبر إدارته لمجموعة ضخمة من استثمارات وأموال الجماعة. وأصبح طموح حسين لا يتوقف عند حد الانفصال بمجموعته والاستقلال عن التنظيم الدولي الذي يديره منير، بل تجاوز ذلك بالعمل على تجميده مقابل الهيمنة على الهيكل الإداري الوحيد المتبقي والمتماسك في الجماعة، ما يمكّنه من قيادتها بصورة خالصة له دون منازع. معادلة السياسة والمال تتعادل الجبهتان المتصارعتان على مستوى الفشل في تنفيذ المهام التي أوكلت لكليهما طوال السنوات الماضية، حيث يعاني التنظيم الدولي من أزمات كبيرة تهدد بتقليص نفوذ فروع التنظيم في معاقله بأوروبا أو الشرق الأوسط وفي قلبها المنطقة العربية، مقابل فشل الجبهة المتمركزة في تركيا في إدارة الصراع مع الدولة المصرية وصولًا إلى تقويض هيكل الجماعة التنظيمي ومصادر تمويله وأصوله الاقتصادية في مصر. وعجزت الجبهتان عن تحقيق أفضلية لافتة وكسب جولات الصراع بينهما استنادًا إلى دعم جهات وقوى مستفيدة من التنظيم على الأرض بعد الفشل في خدمة مصالح بعض القوى الإقليمية والدولية الداعمة للجماعة. هذا علاوة على عجز كليهما عن إحداث فارق من منطلق دعم القواعد وكسب ولاءات الصفوف الدنيا، حيث يعاني كلاهما من فقدان ثقة الشباب وتوجه إليهما نفس الاتهامات بالفساد المالي وإيصال شباب الجماعة إلى ما هم عليه من انهيار كامل داخل مصر وخارجها بعد الزج بهم في صراعات قضت عليهم وأثرت سلبًا على مستقبلهم وأوضاع أسرهم. وعمدت جبهة إسطنبول إلى محاولة حسم الصراع من خلال الإمساك بالورقة الوحيدة المتبقية التي من شأنها ترجيح كفة جبهة على أخرى وهي ورقة المال الكفيلة بمنح من يفرض هيمنته عليها القدرة على إعادة هيكلة التنظيم وتسمية قيادات جديدة لإظهار التنظيم بشكل مختلف قادر على كسب الحد الأدنى من دعم أطراف خارجية وقواعد عديدة داخل الجماعة. وسبق أن حاول إبراهيم منير الاستحواذ على ما بحوزة محمود حسين من أصول الجماعة وأموالها وأنشطتها الاستثمارية في تركيا وعدد من الدول، وهي أصول مسجلة باسم القيادات وليس باسم التنظيم وتقدر بالملايين من الدولارات عبر قرارات وقف قيادات جبهة إسطنبول وتجميد صلاحياتهم وإحالتهم إلى التحقيق، وهو ما قابله حسين بخطوات متتالية لم تقف عند حد رفض قرارات منير بل وصلت إلى التهديد بإزاحته ومجموعة قيادات التنظيم الدولي عبر اللعب بورقة المال وتصدير شخصيات وازنة في هذا الملف. خطوة استباقية يعدّ تلويح جبهة محمود حسين بورقة تجميد التنظيم الدولي بمثابة استباق لرد فعل متوقع من جبهة منير على قرار تشكيل لجنة بديلة يمثلها مصطفى طلبة للقيام بأعمال المرشد، بهدف تفريغ تحركات منير المتوقعة من مضمونها، سواء المتعلقة بالتواصل مع قوى إقليمية ودولية أو مع قيادات التنظيم العالمي للإخوان الداعمين له. ويهدف استحضار جبهة حسين لفكرة إلغاء أو تجميد نشاط التنظيم الدولي القديمة الآن، بعد قرار تسمية مصطفى طلبة، إلى تثبيت موقف محمود حسين الرافض لتسليم الأصول والأموال ليس فقط برفض تسليم السلطة وقرارات الحرمان من الصلاحيات وإنما أيضا بحشد تكتل مناهض لاستمرار كيان التنظيم الدولي وقطع الطريق على أية فعاليات تدعو إليها جبهة إبراهيم منير الأيام المقبلة. المال صار عامل الحسم الرئيسي في الصراع المحتدم بين جبهتَيْ الإخوان المسلمين في إسطنبول ولندن يراهن محمود حسين على تبنيه لمقترح قديم كان يلقى قبولًا وتوافقًا بين العديد من قيادات الإخوان وجرى تداوله عام 2014، بعد إزاحة الإخوان من السلطة في مصر، ويتعلق بحل التنظيم الدولي للجماعة بغرض تقليص نفوذ وهيمنة القيادات الإخوانية غير المصرية على التنظيم، وأجمعت القيادات المصرية عليه في حينه لولا إعاقة مكتب لندن له بالتنسيق مع فروع التنظيم الدولية وأذرعه في بعض الدول العربية. ويستغل حسين ما يعاني منه التنظيم الدولي للإخوان حاليًا من تفكك وتشظّ نتيجة الأزمات الكبيرة التي واجهت مركزه في تركيا وتلتها معاناته الكبيرة في بعض الدول الأوروبية والعربية، حيث أعلنت فعليًا غالبية الفروع فك ارتباطها بإخوان مصر وتبرأت من فشل وعجز الجماعة الأم بعد تصنيفها تنظيمًا إرهابيّا في مصر ودول أخرى. ويزيد محمود حسين بذلك من أوراق القوة بيده متفوقًا على منير الذي بات في موقع ضعيف لا يملك معه إلا ردود الأفعال، فالأول يرفض تسليم أصول الجماعة من شركات وعقارات ومصانع واستثمارات ويتحكم في ولاء القيادات المصرية بالقبض على هذه الورقة وما يوفره ذلك من دعم مالي ووظائف. ويُطرح حل الآن يبدو قابلًا للتنفيذ لإنهاء ازدواجية التنظيم والانفصال عن الجسم الدولي ليس بتركه تحت قيادة منير والاستقلال بإخوان مصر، إنما بتجميد التنظيم الدولي وطرح هيكل جديد للجماعة تحت قيادة جديدة يمكن أن تلقى قبولًا من أطراف عديدة. الرقم السياسي الصعب أثبت حسين أنه هو الذي يدير الجماعة بالفعل منذ عام 2014 مستغلًا غياب القائم بأعمال المرشد ونائبه الأول محمود عزت، وأكد أنه رقم صعب داخل الجماعة، وأن إعلان إبراهيم منير نفسه قائمًا بأعمال المرشد وما تبع ذلك من قرارات لم يغير في الأمر شيئا، فلا يزال حسين قادرًا على تمرير قراراته وتحدي سلطة منير الرمزية، وربما قادرا على إزاحته بسهولة وتجميد كيانه الدولي الذي يتعكز عليه. وإذا نجحت جبهة إسطنبول في تجميد نشاط التنظيم الدولي للجماعة لن يتغير الكثير على مستوى واقع التنظيم شبه المنهار في ظل التساقط المتتالي لفروعه ووجود أغلب قياداته المؤثرة في السجون وهروب الباقين إلى الخارج، مع الانقسام العميق الضارب في جسد التنظيم، ما يعني أنها ليست خطوة ضامنة لاستعادة وحدة الجماعة وبعث حركية التنظيم وشحن طاقة المنتمين إليه للاستمرار في نشاطاته المختلفة. ومن المرجح أن ينحصر تأثير هذه الخطوة، إذا تحققت فعليًا، في تثبيت هيمنة الجناح المصري المتمركز في تركيا وإزاحة عبء الفروع الدولية عن كاهله والتخلص من تغول قادة غير مصريين طالما سعوا لإنهاء هيمنة الرموز التاريخية عليه وإحلال قيادات غير مصرية محلها. ولن تعيد هذه الخطوة ثقة الأطراف الدولية والداعمين الإقليميين في التنظيم الذي فقد عوامل جذبه ودوافع التعاون معه، من قدرة على تحريك الشارع في الدول العربية وعلى تغيير التوازنات والمعادلات في الشرق الأوسط، وسوف يبقى أثرها محصورًا في سياقات تحديد الفائز من المتصارعين على السيطرة على القيادة للتحكم في ترسانة الجماعة المالية والاقتصادية. وبات المال عامل الحسم الرئيسي في الصراع المحتدم بين جبهتي إسطنبول ولندن، ومن يحسِمْ هذا الملف لصالحه يستطِعْ حسم الصراع على حساب الطرف الآخر، وهو في النهاية -أي المال- الغاية النهائية التي من أجلها تنسف إحدى الجبهتين ما تبقى من مركزية التنظيم وتعيد هيكلته وتصوغ لائحة تنظيمية جديدة وتسحب النفوذ كاملًا من الجبهة الأخرى.

مشاركة :