صمت السلفيين عن تحريم تهنئة الأقباط يمنح دار الإفتاء إباحة تطوعية |

  • 12/24/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم يفلح صمت السلفيين والتيارات المتشددة عموما عن تحريم تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد هذا العام في إسكات رموز المؤسسة الدينية عن الخوض في هذا الملف الشائك في مصر، حيث تطوعت المؤسسة بالإشارة إلى إباحة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم قبل أيام قليلة من أعياد الميلاد، ما أثار حالة من الاستياء لأن المجتمع المصري نفسه تجاوز هذه المرحلة. وجدد مفتي الديار المصرية شوقي علام الأربعاء فتواه بإباحة تهنئة الأقباط كجزء أصيل في مصر، ودعا إلى ترويج هذا المفهوم بين عموم الناس، نافيا علاقة الإسلام بمنع تبادل التهاني بين الشركاء في الوطن. وأصبحت فتاوى تهنئة الأقباط بأعيادهم عادة موسمية، وفي كل مرة يبادر السلفيون بتحريم ذلك على المسلمين، واعتادت المؤسسة الدينية الرد بالعكس، لكن هذه المرة صمت المتطرفون ولم يتحدثوا بالسلب أو الإيجاب عن أعياد المسيحيين، وهو ما أثار استهجان الكثيرين من تبرع رموز دينية بفتح هذا الملف الشائك. وارتاحت الحكومة المصرية للهدوء الحاصل في العلاقة بين المسلمين والأقباط، وتسعى لتمرير احتفالات أعياد الميلاد في أجواء من الهدوء وعدم تعكيرها بتلاسن من هنا أو عملية إرهابية من هناك تستهدف كنائس الأقباط. سعيد صادق: الفتاوى التطوعية تعرقل نجاح الحكومة في تكريس التسامح ويبدو أن بعض المؤسسات الدينية الرسمية يستهويها أن تكون وحدها الجهة التي ترسم علاقات الناس ببعضهم البعض، بغض النظر عن العقيدة، ليحدد رجالها تعاملات البشر في الحياة الشخصية والعامة، ويقعون أسرى للفتوى، ولا يتحررون منها، مع أن التعايش يستوجب صمت فتاوى الإباحة قبل التحريم، فكلاهما تطرف. ويرى معارضون لإصدار الفتاوى الموسمية المرتبطة بأعياد المسحيين أنه لا يُعقل أن يوازي صمت السلفيين عن تحريم التهنئة لغير المسلمين منح المفتي لنفسه حق التبرع بالإباحة التطوعية، لأن المجتمع يفترض أنه تجاوز مراحل التشدد، وما يحدث حاليا من بعض الرموز الدينية يعيد إحياء التطرف الذي تعمل الحكومة على مواجهته. ويقول هؤلاء إن المجتمع المصري يمكنه أن يعيش في سلام ومحبة شريطة أن تتوقف الفتاوى التي تنغص عليه من المتشددين أو المؤسسة الرسمية نفسها، لأنه لفظ المتشددين وأسقط حكمهم، وبالتالي فقد سبق أن رفع راية العصيان ضدهم. تؤمن أوسع شريحة في المجتمع بأن توظيف المناسبات الدينية لبث السموم الفكرية في أذهان الناس، ولو بإباحة تهنئة الأقباط، يكرس التطرف ويعيد إحياء ملفات طائفية لها انعكاسات سلبية على الاستقرار الأمني والسياسي؛ فرهن علاقات البشر بفتوى، أيا كان فحواها، ينسف مفهوم الدولة المدنية لصالح الدينية. وأكد سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، أنه “من غير المنطقي عندما تخفت أصوات المتطرفين الذين يبثون الكراهية تعلو أصوات الذين يدّعون نشر الوسطية ليثيروا مفهوم الكراهية بصورة أخرى، كأنهم محمّلون بمسؤولية سياسية لترضية الأقباط، مع أن رضا هؤلاء يكون بوقف الفتاوى التي تتسم بالتحريض”. وكان الأقباط يتشوقون إلى مرحلة يعيشون فيها بسلام دون أن يكونوا جزءا من فتوى أصدرها متطرفون أو مؤسسة دينية رسمية، لأن تكرار التطرق إليهم وإلى علاقاتهم بالمسلمين يجعلهم في نظر البعض متهمين على الدوام، مع أن المجتمع نفسه لا يتعامل معهم وفق هذه النظرة الضيقة. قالت سارة جميل (فتاة مسيحية) لـ “العرب” إن “الكثير من الأقباط ليسوا سعداء بما تبيحه المؤسسة الدينية من تهنئتهم ولا يفضلون أن يكون التقارب معهم مرهونا بفتوى، لأن ذلك يكرس صورة ذهنية سلبية، مع أن الناس في الشارع ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الوصاية ولا يتأثرون بالتحريم أو الإباحة الدينية للتقارب مع الأقباط”. ويرتبط صمت السلفيين هذا العام عن إصدار فتاوى تحرم تهنئة الأقباط برغبة جديدة في إظهار حسن نواياهم لتحقيق أهداف سياسية ترتبط بالخوف من التصعيد الأمني ضد كل ما يرتبط بالتيارات المتشددة، في ظل الضربات التي توجهها أجهزة الأمن إلى جماعة الإخوان واقتناع السلفيين بأن خطاب الكراهية لم يعد مقبولا عند غالبية المسلمين. وذكر سعيد صادق لـ”العرب” أن “الفتاوى التطوعية بإجازة تهنئة الأقباط تقدمهم للمجتمع كأنهم بحاجة إلى ترضية، وهذا ضد التعايش وبعيد عن الانتماء العقائدي، ويعرقل تكرار هذه النغمة نجاح الحكومة في تكريس مفهوم المواطنة والتسامح، وبات على رجال الدين الكف عن الاضطلاع بدور الوصاية والشروع في تديين الشارع”. بعض المؤسسات الدينية الرسمية يستهويها أن تكون وحدها الجهة التي ترسم علاقات الناس ببعضهم البعض، بغض النظر عن العقيدة، ليحدد رجالها تعاملات البشر في الحياة الشخصية والعامة، ويقعون أسرى للفتوى وتعتقد دوائر سياسية أن الإباحة التطوعية بتهنئة الأقباط تصدر رسالة سياسية قاتمة توحي بأن العلاقة بين المسلمين والأقباط وصلت إلى منسوب الخطر، وأن المؤسسة الدينية تقوم بدور جمع شتات المفترقين، وهذا يغذي الطائفية ولا يقضي عليها؛ فعندما تبادر بالنبش في هذا الملف تثير حفيظة المتشددين الذين قد يضطرون إلى الرد بالعكس والتحريم. والمعضلة الأخرى أن هناك شريحة قررت التعامل مع الفتاوى الرسمية باعتبار أن لها مآرب سياسية أو موجهة من الحكومة نفسها، وهذه مشكلة معقدة لأن المؤسسة الدينية الرسمية فقدت جانبا من بريقها في الشارع، وصار البعض يصنّفها جزءًا من السلطة، وعندما تبادر بالتطرق إلى قضية بعينها لتبيحها في المطلق تثير الشكوك. ومهما كانت نوايا المؤسسة الدينية حسنة تجاه هذه التصرفات لا يمكن أن تستثمر الدعوة إلى تهنئة المسيحيين لإظهار وسطتيها وتوظيف هذا الملف لنفي تهمة الرجعية عنها، وإذا نجحت في التسويق لذلك فقد تتسبب في التأثير سلبا على العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد بالتنقيب في قضايا وملفات جاهدت الحكومة من أجل غلقها تماما. وترى بعض الأصوات المعتدلة أن التركيز على الفتاوى المرتبطة بالأقباط، من جانب رجال الدين، يعكس نجاح المخطط الذي رسمه المتشددون بأن جعلوا دار الإفتاء المصرية في حالة توضيح دائم لعلاقة أصحاب الديانات ببعضهم البعض، فحتى عندما تسكت فتاوى الفرقة تتبرع مؤسسة دينية بالرد، الأمر الذي يعكس عمق الإخفاق في تقديم خطاب مقنع للناس دون تكرار فحواه. وتبرر بعض الأصوات الدينية إصدار المؤسسة الرسمية مثل هذه النوعية من الفتاوى الموسمية بأنها رد فعل على استفسارات وردت إليها من الجمهور، مع أن ذلك لا يبرئ الأزهر ولا دار الإفتاء من تهمة المشاركة في بث الاحتقان ولو عن حسن نية، إذ من المفترض عدم الانجرار وراء معارك تتعمد عناصر متشددة إثارتها في المجتمع.

مشاركة :