الانتخابات اللّيبيّة مؤجلة حتى اشعار آخر

  • 12/23/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

من المفروض أن يقع إجراء الانتخابات الرئاسية اللّيبيّة غدا الجمعة 24 ديسمبر.. لكن ما هي ظروف الاستعدادات لهذا الاستحقاق الانتخابي اللّيبي وكيف يبدو المشهد السّياسي الحالي في ليبيا؟ فنّيا أكّد عماد السّايح رئيس المفوّضية العليا للانتخابات أنّ المفوّضية مستعدة لهذا الحدث الانتخابي الهام المنتظر في موعده المحدّد يوم 24 ديسمبر بعدما تمّ تركيز مراكز الاقتراع التي يتجاوز عددها 360 مركزا في كامل أنحاء ليبيا وبعدما تسلّم مليونان و500 ألف مواطن ومواطنة بطاقاتهم الانتخابيّة، وبعدما وقع تسجيل 3173 مرشّحا ومرشّحة للانتخابات البرلمانية وقال عماد السايح:" لا مشكلة فنيّة لدينا في المفوضية وجاهزون لتنظيم الانتخابات". مع العلم أنّ الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية من المنتظر تنظيمها يوم 24 ديسمبر الحالي بينما ستنتظم الجولة الثانية بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية في يوم واحد في شهر فبراير القادم.. أمّا عن الرئاسية فترشّح لها 98 شخصا رفضت منهم مفوّضية الانتخابات 25 مرشحا لا تتوفّر فيهم الشروط القانونية، ومن أبرز المرشحين هؤلاء نذكر سيف الإسلام القذافي نجل الراحل معمّر القذافي، وخليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي وعقيلة صالح رئيس البرلمان وفتحي باشا آغا وزير الداخلية السّابق وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الانتقالية الحالية القريب والمدعوم من تركيا ومن الميليشيات الإخوانية رغم أنّ الشروط لا تتوفّر فيه بفعل المادّة 12 من القانون الانتخابي التي تفرض على كلّ مترشح أن يترك منصبه قبل ثلاثة شهور من فتح أجل الترشّح بالإضافة إلى أنّه كان قدّم تعهّدا كتابيّا بعدم التّرشّح، لكنّه تجاوز القانون وترشّح ثمّ طعنت عدّة شخصيات ليبيّة في ترشّحه وبناء على هذا الطعن أقصته المفوّضية العليا للانتخابات من قائمة المترشحين لكن الدبيبة طعن في قرار الإقصاء وأعادته محكمة استئناف طرابلس إلى القائمة. كذلك نفس الشيء بالنّسبة إلى سيف الإسلام القذافي الذي رفضت ترشّحه المفوّضيّة ثمّ طعن في هذا الرفض وقبلت محكمة استئناف مدينة سبها في الجنوب الطّعن وأعيد إلى القائمة. ودخلت البلاد في معركة من الطعون والطعون المضادّة وفي جملة من الشائعات والتشكيك والقلق والغموض والمخاوف والتّهديدات والتوترات والخلافات والضّغوط بين جميع المترشّحين قبل صدور القائمة النهائيّة من قبل القضاء الذي وجد نفسه يعمل في وضع صعب ومتعب بحيث أصبح كلّ قاض خائفا على حياته وحياة أسرته بسبب التّهديدات التي تصل إلى القضاة من قبل أنصار المترشحين. وأصبحت البلاد تعيش في فوضى طعون لأنّ كلّ محكمة تتصّرف لوحدها في طرابلس بغرب البلاد وبنغازي بالشرق وسبها بالجنوب. وكذلك أصبحت المفوّضية العليا للانتخابات تعمل في مناخ خانق وخطير ومخيف رغم أنّها مبدئيا هيئة فنّية ومحايدة ومستقلّة إذ تزايدت عليها الضّغوط السّياسيّة والأمنية من مختلف الأطراف للسيطرة عليها وتوظيفها من أجل مصلحة كلّ مترشح. من ذلك على سبيل المثال تعرّضت خمسة مراكز انتخابية في العاصمة طرابلس إلى سطو مسلّح من قبل ميليشيات مسلّحة تابعة ل"الإخوان" واستولت على عدد من الصناديق المليئة بالبطاقات الانتخابيّة، كما وقع خطف موظّف من أحد مراكز الانتخابات في طرابلس التي شهدت في الأسبوع الماضي هجوما ليليا من ميليشيا الإرهابي صلاح بادي المطلوب من العدالة الدولية وقامت بقطع التيّار الكهربائي في العاصمة وقال:" اتفقت مع رجالي على إغلاق كل مؤسّسات الدولة في ليبيا ولن تكون هناك انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر". هذا المناخ الصعب والمرعب زاد في تعقيد المشهد اللّيبي وفي تأجيج الصراع السّياسي القوي على التّنافس بين الشخصيات المرشحة على كرسي الرئاسة وفي ارتفاع المخاوف الدولية والتّوترات الداخلية من مخاطر عدم إجراء الانتخابات في موعدها وبالتّالي تأجيلها... ويتحرّك "الإخوان" بلا توقّف في سبيل تحقيق ذلك لأنّهم لا يريدون انتخابات ويسعون لتعطيلها لأنّهم لا مكان لهم فيها شعبيّا وهم مدعومون في هذا الاتجاه من قوى خارجية لأنّ من مصلحة هذه القوى أن تبقى ليبيا كما هي حاليا في الفوضى والانقسامات والأزمات. ومازال الاخواني خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة يواصل تهديداته الصريحة بعرقلة الانتخابات بقوّة السّلاح وهو يطالب باستمرار بمحاصرة المفوّضية وبعدم المشاركة في الانتخابات لإسقاط المسار الانتخابي ويتوعّد برفض نتائجها إذا ما قدّر لهذه الانتخابات أن تجري. ومن مقرّ إقامته في إسطنبول يستمرّ مفتي " الإخوان" المعزول الهارب إلى تركيا الصّادق الغرياني في تحريضه على مقاطعة الانتخابات وإفشالها بما يسمّيه " قرقعة السلاح ".. وتقف أغلبية اللّيبييّن بإصرار ضدّ تحرّكات "الإخوان" المعادية للانتخابات ويتمسّكون بإجرائها يوم 24 ديسمبر. في هذا الشأن يقول عبد الله بليحق المتحدّث باسم مجلس النواب: " كلّما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي اتّضحت نوايا الأطراف التي لا تريد إجراءها".. ويقول سعيد إمغيب عضو مجلس النواب:" إنّ تصريحات الإخواني خالد المشري بمحاصرة المفوّضية العليا للانتخابات بمثابة إشارة للمجموعات المسلّحة التّابعة لتنظيمه الإرهابي للبدء في إثارة القلاقل وزعزعة الأمن، وإنّ مثل هذا التّحريض يترتّب عليه عودة التّفجيرات والاغتيالات.. وإنّنا نحمّل المشري مسؤوليّة أمن وسلامة رئيس وأعضاء المفوّضية، ونطالب البعثة الأمميّة بسرعة العمل على إصدار قرار من مجلس الأمن بمعاقبة المشري لعرقلته العمليّة الانتخابيّة، وأدعو السّايح إلى نقل مقرّ المفوّضيّة إلى مدينة سرت حتّى تكون تحت حماية لجنة 5+5 لكي تستطيع تأدية عملها دون خوف أو إرهاب أو تهديد".. إلى جانب ذلك هدّد " الإخوان " على لسان خالد المشري بالقول: إذا فاز خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي في الانتخابات الرئاسية سنرفض نتائجها وندخل البلاد في حرب أهليّة". ( !ن) كلّ ما سبق ذكره يجرّنا إلى تأكيد المعلومات والأخبار الواردة من ليبيا من مختلف مصادرها التي تتحدّث عن أوضاع انتخابية مأزومة ومحمومة لا أحد يعرف مصير الانتخابات اللّيبية هل ستجري أم لا تجري.. وهي حاليا على كفّ عفريت بين الممكن والاستحالة.. وفي مهبّ الرّيح.. هذا هو قدر ليبيا وشعبها الذي يبقى يعيش ويلات وعذابات الأزمات المزمنة المتلاحقة.. وتتعدّد قراءات الخبراء ومواقفهم وآراؤهم حول ما تشهده ليبيا ويعيشه الشعب اللّيبي.. من ذلك يقول عبد الستّار حتيتة الباحث المصري والخبير في الشؤون اللّيبيّة:" الإرادة الشّعبيّة ضاغطة من أجل إجراء الانتخابات في موعدها 24 ديسمبر، لكن هناك طرف يسعى بكلّ جهد لتأجيل الانتخابات وعرقلتها وهو الذي يتمثّل في جماعة "الإخوان" وميليشياتها في طرابلس والغرب اللّيبي وبدأت من الآن في الاعتداء على مراكز الاقتراع والاستيلاء على محتوياتها". ويقول الدكتور إبراهيم أبو خزام وزير التعليم العالي اللّيبي الأسبق وأستاذ القانون الدستوري في جامعة طرابلس:" ليس هناك ما يدعو إلى التّفاؤل في هذه المرحلة.. لديّ مخاوف كبيرة ناجمة عن متابعة دقيقة للمشهد اللّيبي والأزمة اللّيبيّة.. أنا لا أشعر بالتّفاؤل لأنّ هناك ثغرات دستوريّة وقانونيّة لا حصر لها.. وأعتبر أنّ المسار الدستوري هو المسؤول عن هذه الأزمة.. من ذلك أنّ الإعلان الدستوري ضعيف وسيّئ وغامض ومشوّش وهو ما زاد في إرباك المشهد وأنّ الدولة الليبيّة تشهد فوضى دستوريّة لا مثيل لها في العالم. إنّ المنظومة الدستوريّة غير واضحة وسيّئة ومليئة بالثغرات التي أدخلت البلاد في مأزق خطير جدّا.. وأنا لا أتوقّع أن تتمّ الانتخابات بسبب المماحكات والخلافات الكثيرة، وإذا وقعت ستكون نتائجها كارثيّة لأنّها تقع في ظروف معقّدة وصراعات سياسيّة وتوتّرات كثيرة". ويقول الإعلامي اللّيبي بسّام حمدي: " من أكبر المخاوف تجاه هذا الاستحقاق الانتخابي هو استعمال المال السّياسي الفاسد الذي يهدّد الانتخابات وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بمراقبة دوليّة قويّة ومحايدة على جميع مراكز الانتخاب لتكون العمليّة الانتخابيّة في كنف النّزاهة والشّفافية". ويقول الحقوقي والمحامي اللّيبي الدكتور جمعة عتيقة:" دول الجوار تدعم الاستقرار في ليبيا حسب مصالحها رغم الصراعات الداخلية والتّجاذبات القائمة فيها. فكلّ ما يطلبه المواطن اللّيبي العادي هو أن تخرج ليبيا من هذا المأزق الذي انعكس على نفسيته وحياته، لذلك هو متحمّس للانتخابات ولكنّه غير واع ولا يعرف من يختاره من المترشحين. وإذا تمّت الانتخابات سوف يظهر مشكل كبير أمام نتائجها لأنّ من الصّعب القبول بها من الجميع.. وفشل الانتخابات يعني عودة اللّيبيّين إلى التّقاتل.. فعلى المواطنين اللّيبييّن الإقبال على الانتخابات والقبول بنتائجها مهما كانت". وهناك عنصر هام جدّا أي كيف ستجري انتخابات في وجود أكثر من 20 ألف من المرتزقة والقوات الأجنبيّة؟ للإجابة على هذا السؤال زارت اللّجنة العسكريّة اللّيبيّة 5+5 تركيا وروسيا مؤخّرا وأجرت محادثات مع المسؤولين الأتراك والرّوس لعرض خطّة انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبيّة، لكن من الصّعب أن تخرج القوات التّركية لأنّ تركيا تعتبر أن وجود قواتها في ليبيا شرعي حسب الاتّفاقيات الموقّعة بين الحكومة التركية وحكومة السّراج السّابقة ومع حكومة الدبيبة الحالية، وسعت اللجنة العسكرية 5+5 لإقناع الأتراك بتسريع إخراج المرتزقة والقوات التركية من ليبيا المتواجدين في الغرب اللّيبي وبعض القواعد العسكرية اللّيبية. لكن هذا مطلب صعب الإنجاز في الوقت الحاضر.. إذن، هذا هو الحقل الذي تجد فيه الانتخابات الليبية مصيرها فيه، أي إنّه حقل مليء بالألغام.. والحكمة كل الحكمة أن تخرج الانتخابات من هذا الحقل وتقفز فوق الألغام للوصول إلى يوم التصويت بسلام وهو غدا الجمعة. لكن من المؤسف أنّ الأخبار وأصداء الوقائع القادمة من ليبيا لا تبشّر بخير.. لأنّ إلى غاية كتابة هذه السطور لم يتوضّح شيء عن العملية الانتخابية وأصبح مصيرها مجهولا، فالقائمة النهائية للمترشّحين لم يقع الإعلان عنها، ولم تبدأ حملة الدعاية الانتخابية، والبرلمان سيجتمع يوم الإثنين القادم 27 ديسمبر بعد ثلاثة أيّام من 24 ديسمبر للإعلان عن تأجيل الانتخابات وموعد جديد لها أو لإلغائها. وبذلك لن تجري هذه الانتخابات غدا الجمعة ويبقى مصيرها مجهولا وستكون هناك صدمة أليمة مع إحباط كبير للشعب اللّيبي الذي يعتبر أنّ الانتخابات هي الحلّ الوحيد لاختيار أول رئيس لليبيا في تاريخها بواسطة صندوق الاقتراع المباشر وللوصول بالبلاد إلى الأمن والاستقرار والسلام.. لكن على الأرض فإنّ ليبيا مهدّدة في ظروفها الحالية بالحرب الأهلية وبالتقسيم إلى ثلاث دويلات في الغرب والشرق والجنوب – لا قدّر الله – سواء وقعت الانتخابات أولم تقع.

مشاركة :