نقطة تحول هامة في تاريخ الفكر السياسي.. !

  • 12/23/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

‏نيكولو مكيافيلي : الذي أبعد الصدق عن السياسة في كتابة (الأمير)، وأباح الغش والكذب والنكث بالعهود والمناورة، فاتحاً الأفق أمام (الوسيلة) على حساب (الهدف)، لأنه وضع (الهدف) كغاية مهما كانت قذارة (السبل) و(الوسائل) التي توصل الى تحقيقه. ‏ثم إن الهدف عنده لم يتجاوز سقف (السلطة) فأحدث قطيعة بين (الأهداف) و(الوسائل). ‏وفيما يبدو لي - والله أعلم من قبل ومن بعد - أنه كان يعبر بصوت عال ومسموع عن بعض الغرائز (الذئبية) في الإنسان، حين تنبههم المسافة أو الفجوة بين رغباته ووسائله لتحقيق هذه الرغبات والأهداف. ‏والوعي بخطورة هذه الفجوة هو ما يدفعني دائماً لألح على الطلاب في الجامعة، بأن تركيزنا يجب أن لا ينحصر فقط في الأهداف، بل وفي الوسائل التي يجب أو يمكن أن نحقق بها هذه الأهداف. ‏وهذا واحد من مستويات أو طبقات الصدق العديدة فالصادق مع نفسه، صادق مع واقعه، ومع من هم حوله، أياً كانت درجاتهم: فوقه أو تحته. فالصدق كما قلنا قبل قليل لا يقبل التجزؤ أو التجزئة. ‏معيارية الصدق ‏والآن دعنا نعود إلى الوراء قليلاً. ‏لقد تساءلنا عن معيارية الصدق، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع أو الدولة أو الكون؟. ‏والإجابة، بعد الاستطراد السابق هي: ‏بما أن الصدق قيمة أخلاقية فردية تتفاوت بين شخص وآخر، فإن المعيار الوحيد لها، هو، أن يتطابق سر المرء وجهره، أي عدم ازدواحية شخصية المرء. ‏وإذا رأيت شخصاً - رجلاً كان أو امرأة - يتحدث بلسانين، أو يتلبس شخصيتين، فاعلم أنه كاذب، وخذ مع كاذب هذه كل ما ذكرت لك من صفات مشينة. ‏فالصادق هو الإنسان نفسه. ‏وهو الإنسان الذي تطابق مع نفسه. ‏فهو في المجلس الرسمي، مثلما هو في مجلسه الخاص، مثلما هو في وحدته مع نفسه، لا شاهد في هذه الحالة إلا الله. ‏لقد كدت أصعق مرات كثيرة، حين نتداول التحديات التي تواجه الوطن، وما الذي (يجب) علينا أن نفعله في مجالسنا الخاصة. ‏كان بعضنا يطرح آراء نقدية بمنتهى الشفافية ونحسبه يعبر عن رأيه بدق. وما إن نستمع إليهم في جلسة رسمية إلا وتجد الواحد منهم قد انقلب (180) درجة، فيكيل المدح والثناء مباركاً هذا الواقع الذي وجه صوبه سهام نقد لا يخلو من صدق ومصداقية!. ‏وتحار: مع من أتعامل.. أشخص البارحة أم اليوم؟!. ‏هذا شخص له وجهان ولسانان فهو إذن كاذب ومنافق. ‏إلا أن الكارثة تتمثل في أن هؤلاء هم الذين يصلون إلى تحقيق أهدافهم الذاتية وطموحاتهم الشخصية، في ظل مجتمع أدمن هذا النوع من الرياء. ‏من ضحايا الكذب؟ ‏يمكنك إذا كنت صادقاً لا تسعى لمكسب شخصي أن تقول: هنيئاً لهم بما كسبوا و{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} كما قال المولى عز وجل. ‏ولكن تأمل الوجه الآخر من الصورة. ‏لقد حدث (انقلاب) في المعايير القيمية بحيث أصبح الكذب ذكاء والصدق بلاهة، وبالتالي صار الصادق هو الغبي، والكذاب والمنافق ذو الوجهين هو الأكثر حنكة وفهلوة وشطارة مثلما يقول إخوتنا في الشقيقة مصر. ‏وللمفارقة: إذا كانت أسباب هذا الانقلاب في مجتمعات أخرى ترجع إلى العوز والمنافسة بسبب شح الموارد والمداخيل، فإنه هنا نشأ بسبب (الوفرة). ‏تلك (الوفرة) التي فتحت شهية الغريزة الاستهلاكية على آخرها، فأصبح الكسب هو الهدف بغض النظر عن (الوسائل) لتحقيق هذه الأهداف، وإشباع هذه الرغبات. ‏وفي ظل مناخ مثل هذا، ما الذي نتوقعه من أصحاب هذه النزعات المادية الذاتية الشخصية، غير أن يدوسوا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية في سبيل تحقيق طموحاتهم وأطماعهم؟!. ‏أتدري من هم ضحاياهم؟. ‏تحديداً، وبالدرجة الأولى، هم من يمثلون النقيض لهم، فتراهم يكيدون لهم، مستغلين في ذلك ضيق المسافة ما بين قلوبهم وما يجري على ألسنتهم من قول يعبر عما في هذه القلوب. ‏هؤلاء الصادقون لا يستطيعون تزوير الحقائق ولا تزوير أنفسهم، ولا تزوير ما في قلوبهم، ولذا فإنهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم، فهم لا يعيرون لغير ما في ضمائرهم بالاً، لسبب بسيط، لأنهم في المقام الأول يخشون.

مشاركة :