سيّدات الحواس الخمس والوعي الاستشرافي

  • 12/25/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تكتظ رواية سيدات الحواس الخمس في فصولها الستة بعدد من الحكايات المتداخلة، والتي تتناول الموضوعات بنزوع فلسفي، تثير القارئ وتدعوه إلى رفض المعنى الحرفي، وذلك لصالح المعنى الخفي، وهي بذلك تثير القارئ ولا تجعله يهدأ إلا عندما يصل إلى المعنى الذي يتناسب مع السياق العام من وجهة نظره، وهذا مما يجعل القارئ مشدوداً ومنتبهاً في انتظار النهاية، التي ربما تخلصه من العذابات والآلام، لكنه يجد نفسه أمام مفاجأة نهاية مفتوحة لا تمنحه سوى مزيد من الحيرة والأسئلة التي يورطه فيها العمل، هذا العمل الذي يسأل بيقظة فكرية وفلسفية وجمالية حواس الإنسان، عن الوعي الاستشرافي، كما يأخذنا هذا العمل السردي عبر ما فيه من جماليات ومعانٍ، لمواضيع بالغة الأهمية عن الإنسان ومحنته واغترابه عن جوهره وحقيقته. بطل الرواية (سراج عز الدين) وهو فنان تشكيلي من منطقة اللويبدة بعمان، يتميز بحواس فائقة ولد بها، ابن وحيد  لأسرة متوسطة، هذه الشخصية اعتمد الكاتب في تشكيلها على ابتكاراته الوجدانية الخالصة، التي لا تنقل واقعها المأزوم من مستوياته الحقيقية بل من مستوى الفانتازيا الداخلية الذي يمكن أن تتحول فيه الشخصية بسهولة، فبطل الرواية شخصية يكتنفها الضبابية والغموض، ولكن الكاتب يكشف معالم شخصيته شيئاً فشيئاً حتى لا تفقد جاذبيتها، ولالتصاقها المباشر مع الأحداث غير المرتبة زمنياً، وحتى عندما تتجلى معالمه، يصاب القارئ بالتيه، وذلك لأن الكاتب أحاله إلى الأسباب التي آلت عليها معالم بطله، (سراج) الذي غُرس فيه حب الوطن بكل تفاصيله فشب مفتتناً بتلك العقيدة، تماماً كما افتتن بحبيبته الأولى والوحيدة (ريفال)، وهي فتاة جميلة من أسرة بسيطة تلتقي بـ(سراج)، من خلال عملها الإعلامي وتتزوجه، ولكن طموحها الشاسع وخوفها من الحياة المعوزة يدفعانها لتركه والزواج بعدو والده الذي يقاربه في العمر (سليمان الطالع) ليؤمِّن لها قناة فضائية خاصة تحقق من خلالها طموحاتها واحلامها المهنية. (سليمان الطالع) هو المعادل الموضوعي للفساد الوطني بكل أشكاله، وبسبب حب البطل الصادق لطليقته (ريفال)، تراجع عن الخوض في الحالات الغرامية مع النساء الأخريات، حتى لا يبدو خائناً كسليمان الطالع، الذي سرق الأرض وريفال، كما تتداخل في مخيلة البطل صورة الحبيبة مع صورة الوطن حتى بدتا وكأنهما وجهان لعملة، فجعل السرد عن الحبيبة يرمز للوطن في كثير من الأحيان، وتعد إسقاطات مباشرة عليه لذا قال لها: «كنتِ وطناً دافئاً لي فسطا عليكِ، ومنحني برداً لا شفاء منه، لهذا ما زالت أدثر روحي بما يوهمني بنسيان البرد، أما سليمان الطالع فقد مد يده في جيب وطني، وترك فيه ناراً ستأكل كل شيء، ولهذا يصعب نسيان ما فعل»، لذلك في النهاية مات الجميع، وبقيت (ريفال) لما تمثله من رمز كبير هو رمز الوطن. بإمكانيات الكاتب الكبيرة وتوظيفه للغة والفلسفة، نجح في صنع حدث سردي متميز، جاء من خلال سرد الصراع النفسي الكامن بين الاشخاص المرسومة بعناية شديدة الذي لا ينافسه في الجمال سوى روعة الوصف، كما لم يغفل الكاتب حاجة الطبقة المفسدة إلى أبواق إعلامية تعمل لصالحها، فكان «رعد عبدالجليل» الذي تنكر لمبادئه اليسارية وسقط أمام إغراءات سليمان الطالع ارتضى لنفسه مهمة تلميع صورة الطبقة المفسدة أمام الرأي العام وهذا الصنف من الإعلاميين المأجورين يبرعون في التطبيل وقلب الحقائق لدرجة أن سليمان الطالع يقول للصحفي رعد عبدالجليل «أنت بارع يا رعد حتى إنني صدقت ما كنت تكتبه عني، لقد أثبت أن الكلمة بندقية، والبنادق تأتمر بأمر صاحبها». خالد المخضب

مشاركة :