شهد التعاون الثنائي بين الصين والسودان في المجال الثقافي تطورا كبيرا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1959، كما قدم العديد من الشباب السودانيين إلى الصين للدراسة فيها، وأصبحوا قوة مهمة في تعزيز الصداقة بين البلدين. ومن بين هؤلاء الطلبة الأستاذة سارة، وهي من مواليد التسعينيات وقد اختارت أن تكرس نفسها لتعلّم وتعليم اللغة الصينية واستخدامها كأداة لتعزيز التبادلات الودية الصينية السودانية. بعد تخرجها من المدرسة الثانوية عام 2007، تم قبول سارة في كلية الآداب بجامعة الخرطوم أرقى مؤسسة تعليمية في السودان. بالنسبة للطالبة سارة التي نشأت في شمال السودان، فإن تعلم اللغة الصينية مليء بالتحديات، لأنها قبل ذلك لا تعرف عن الثقافة الصينية شيئا. عندما بدأت تعلم اللغة، اختارت لها أستاذتها الصينية اسمًا صينيًا وهو شين ران والذي يحمل نفس معنى اسمها العربي أي السرور والاعجاب. لكن في بداية تعلمها، لم تكن سارة سعيدة، حيث كانت بحاجة إلى التركيز على كيفية كتابة الرموز الصينية والنطق وقواعد اللغة إلى غير ذلك من الواجبات المنزلية، مما سبب لها صداعا وجعلها تشعر بالانزعاج. لكن رويدا رويدا، بدأت سارة تلامس ثراء الثقافة الصينية الرائعة والتاريخ الصيني العميق، ومع فضولها واندهاشها، أدركت تدريجياً متعة تعلم هذه اللغة الأجنبية. لذلك بدأت في المشاركة بنشاط في العديد من أنشطة اللغة الصينية مثل مسابقات الخطابة الصينية ومسابقات المناظرة والمسابقات المتعلقة بالرموز الصينية إلى غير ذلك من المسابقات الأخرى التي كانت تقام في الكلية، وقد حققت نتائج جيدة كما تحسن مستواها في اللغة الصينية من كل النواحي بشكل سريع. في عام 2009، عندما كانت سارة في سنتها الجامعية الثالثة، تم إنشاء معهد كونفوشيوس في جامعة الخرطوم وسرعان ما جذبها الجو الثقافي القوي هناك وأثار رغبتها في تجربة ونشر الثقافة الصينية شخصيًا. في يوليو/ تموز 2010، قدمت سارة إلى الصين والتحقت بجامعة جنوب الصين للمعلمين لأخذ دورة في اللغة الصينية. وفي عام 2011 شاركت في دورة تدريبية نظمها مقر معهد كونفوشيوس في الصين لفائدة الأساتذة الأجانب الذين يُدرّسون اللغة الصينية، كما شاركت أيضا في دورة تدريبية أخرى نظمها معهد كونفوشيوس في جامعة الخرطوم لفائدة الأساتذة السودانيين المحليين. لقد تركت هاتان التجربتان لها في الصين انطباعًا عميقًا، مما جعلها تثق في توجه مستقبلها المهني. ومنذ مشاركتها في الدورتين التدريبيّتين، تولّد لديها رغبة في تدريس هذه اللغة. بعد تخرجها من الجامعة في عام 2011، تقدمت سارة بطلب إلى مستشفى صيني محلي لجراحة العظام في السودان للقيام بأعمال الترجمة. وقد منحها التوافق مع الأطباء الصينيين فهمًا أعمق للشعب الصيني والثقافة الصينية وبدأت هذه البذرة تكبر لديها شيئا فشيئا. في عام 2014 قدّمت سارة استقالتها وذهبت إلى الصين لتعلم اللغة الصينية. إنها تريد أن تصبح معلمة لغة صينية وأن تدع المزيد من الناس يقدّرون سحر الثقافة الصينية من خلال جهودها الخاصة. في سبتمبر/ أيلول 2014، بدأت سارة الدراسة في دراسة الماجستير اختصاص تعليم دولي في جامعة غرب الصين للمعلمين، وأكملت ما يقرب من 100 ساعة دراسية من التدريب على اللغة الصينية. في سبتمبر/ أيلول 2016 تحصلت سارة على درجة الماجستير وعادت إلى جامعتها الأم في الخرطوم للعمل كأستاذة لغة صينية في معهد كونفوشيوس. بهذه الجامعة والتي التقت فيها بزوجها الذي عاد هو أيضا لتوه من الصين. وبسبب نفس الاهتمامات التي تجمع بينهما، سرعان ما أحبّا بعضهما وتزوجا. في معهد كونفوشيوس وفي غضون ثلاث سنوات فقط، تتلمذ على يديها حوالي 200 طالب. وبسبب تأثيرها والانطباع الجيد الذي تقدمه وهي تدرّس اللغة الصينية، ارتفعت أعداد المتعلمين لهذه اللغة بشكل مفاجئ وصار الناس يطلقون عليها لقب “السيدة الصينية”. بصفتها أستاذة للمبتدئين في القراءة، لا تقوم سارة بتعليم الطلاب التحدث بلغة الماندرين الصينية فحسب، بل تعمل أيضًا على تنمية اهتمامهم القوي بالثقافة الصينية. بعد التخرج، دخل معظم هؤلاء الطلاب شركات صينية في السودان للعمل في الترجمة وشارك بعضهم في مسابقات صينية وذهبوا إلى الصين لتطوير مهاراتهم الدراسية كما فعلت هي تماما عندما كانت طالبة في ذلك الوقت. قال هانسن الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة ييل: “السبب في وراء تغيير طريق الحرير للتاريخ هو أن الأشخاص الذين ساروا على طول هذا الطريق نشروا ثقافاتهم على طول الطريق مثل بذور التوابل الغريبة التي أخذوها معهم إلى مسافات بعيدة”. تدرّس سارة حاليًا في جامعة الأميرة نورا في المملكة العربية السعودية. ولديها العديد من الأفكار حول المستقبل: ستقوم بترجمة الأعمال الأدبية الصينية إلى العربية والعمل على تعزيز التبادلات المدنية بين السودان والصين في المستقبل. لقد بدأ قَدَرُها مع اللغة الصينية للتو فقط!
مشاركة :