استضاف المقهى الثقافي ثلاث ندوات فكرية، جاءت الأولى تحت عنوان الفن التشكيلي في مرآة الوعي العربي قدمها محمد مهدي حميدة، وأدارها عبد الفتاح صبري، وأشار حميدة إلى أن أقدم الفنون التي نعرفها، هي تلك النقوش على جدران الكهوف، والتي صور فيها الإنسان القديم حياته اليومية وصراعه مع الطبيعة والحيوانات المفترسة، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم لعبت الفنون بمختلف أشكالها وصنوفها دوراً كبيراً في حياة البشر، فكل حضارة كان لها فنونها الخاصة التي تناسبت مع طبيعة هذه الحضارة الجغرافية والفكرية. وأكد حميدة أن الحضارات العظيمة التي تواجدت في المنطقة العربية كانت على تماس مباشر مع الفنون، فنجد تمثال أبو الهول والأهرام والرسوم الفرعونية في مصر، والنقوش والتماثيل الصغيرة في حضارة الرافدين، وإذا انتقلنا إلى الحقبة الإسلامية، نجد أن الفنان العربي قد أبدع فنونه الخاصة والمتميزة من خط ومنمنمات وغيرها الكثير. مع وصول الحملات الاستعمارية وعلى رأسها الحملة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر، فتح الباب أمام الفنانين العرب لاكتشاف نمط آخر من الفنون، مغاير لأشكال الفن المرتبطة بالحضارات أو الأديان، حيث استطاع الرواد الأوائل في بدايات القرن العشرين أن يستقوا التقنيات الغربية ومدارسها، ويطوعوها تشكيلاً وإبداعاً بروح عربية خالصة، فقدموا نهضة فنية عربية تمتاز بتصوير المشاهد الحياتية اليومية وتمزج ما بين الفنون التقليدية والحديثة. كما أشار إلى قضية غياب الفنون التشكيلية في مناهجنا الدراسية العربية، والإهمال الكبير لها، والنظر إليها على أنها مواد مكملة وليس لها جدوى، وما لهذا الأمر من أثر سلبي في الناحيتين النفسية والتكوينية، فتذوق الطفل للفنون المختلفة له أثر جمالي على مستقبله، وإبداعه في تخصصه حتى ولو كان بعيدا عن عالم التشكيل. واضافت الندوة الثانية د. محمد يونس لمناقشة مؤلفه الصادر حديثاً عن دائرة الثقافة والإعلام تحت عنوان صحافة الإمارات من الهواية إلى الاحتراف، وأدار الندوة الإعلامية عائشة العاجل، قال يونس انه على الرغم من تأخر ظهور الصحافة في الإمارات، إلا أنها استطاعت أن تصوغ تجربتها الخاصة وتطور نماذجها وأشكالها مستفيدة من الخبرات العربية والعالمية، كما استطاعت أن تواكب التطور التقني المتلاحق، وتطوعه لخدمة العمل الصحفي من خلال اقتناء أحدث التقنيات الفنية والطباعية واستقطاب أفضل الكفاءات الصحفية، وبهذا الجهد البناء انتقلت الصحافة الإماراتية خلال عقود معدودة من صحف الهواة المخطوطة إلى صحف احترافية أصبحت اليوم متاحة للقراء على الهواتف الذكية والحاسبات اللوحية. وأشار يونس إلى أن أولى المحاولات الصحفية التي شهدتها الإمارات تعود إلى نهاية العشرينات من القرن الماضي، عندما أسس واحد من المتعلمين القلائل في الإمارات ويدعى إبراهيم بن محمد المدفع أول صحيفة تكتب باليد وتصدر كل أسبوعين في الشارقة باسم عمان، وكان يحررها ويوزعها بنفسه، وقصد منها نشر أخبار المنطقة التي تشمل الآن الإمارات وسلطنة عمان. وقد استخدم المدفع أحبار سمك الحبار لكتابة صحيفته، وكان يصدر خمس نسخ من كل عدد توزع بين شيوخ الشارقة وبعض الأصدقاء، وكان يجمع مادتها من الصحف التي كانت تصل في ذلك الوقت من مصر والعراق والكويت والتي عادة ما كانت تصل متأخرة أكثر من شهر، حيث يقوم بتدوين الأخبار المهمة ويكتب بعض الأشعار، كما كانت تتضمن أيضا أخبار البلد وأسعار السلع وغير ذلك من الأخبار التي تهم أبناء المنطقة. أما الندوة الثالثة فكانت تحت عنوان الحركة الشعرية في دولة الإمارات، قدمتها مريم الهاشمي أستاذة اللغة العربية والدراسات الإماراتية في كليات التقنية العليا، تناولت فيها عوامل نشوء الحركة الشعرية الحديثة الإماراتية وأسبابها، وبدايات ظهور الشعر الفصيح في مطلع القرن العشرين. وأكدت الهاشمي أن الحركة الشعرية الحديثة بدأت بعيدا عن الشعر النبطي الذي سبق الفصيح بمدة طويلة في الإمارات، وذلك بفعل عوامل عديدة تتعلق بتطور المجتمع الإماراتي وظهور حركة التعليم، والتأثر بالنهضة العربية الشاملة لكل مجالات العلم والثقافة، حيث كان الاطلاع على الكنوز العربية الأدبية هو منطلق الشاعر لخوض غمار تجربته الجديدة، وقد اسهمت الصحف العربية التي كانت تصل إلى الإمارات في بلورة الاتجاهات الفكرية عند المثقفين والشعراء، ومنها (الأهرام، اللواء، الأخبار، الأنصار). وأضافت أن هذه الحركة الأدبية في الإمارات، أفرزت عدداً من الشعراء يأتي في مقدمتهم سالم بن علي العويس، أحد أهم الشعراء الذين حملوا لواء التجديد في الشعر إلى جانب أقرانه من أمثال مبارك العقيلي وخلفان بن مصبح وسلطان العويس وإبراهيم المدفع. وشهد المقهى أمسيتين شعريتين، جاءت الأولى تحت عنوان ظل المعاني أحياها الشاعران أكرم قنبس وحسن أبو دية، وقرأ قنبس مجموعة قصائد منها، شعور بين لحظتين ويقول فيها: خذي ما شئت من عمري فإني صبور كي أنال قطوف وردك ولا تتجاهلي حلمي، فروحي تشم بمقلتيك عبير وصلك رحلت إليك من شوق فكانت مودتنا تغرد فوق دوحك وقدم حسن أبو دية قصائد منها، سيرة حرف ويقول فيها: في الخمسين من عمر الحزن/ أقتات فراغاً/ بحجم الكون/ وينسجني وجعي في المرآة/ خارطة في النجم الحائر في فلك ثمالة/ أزفر كفوهة تنفث حرقة يابسة وسط الماء المالح/ أنهض من نبض الطرقات/ وأرصفة الغرباء/ كأس يمتد عبر الأيام/ أرشفه/ أتلمس طيف الفرح/ وأطلق في صحراء العمر عواء/ في الخمسين من سيرة حرف/ ما زالت أوراقي بيضاء. وكانت ثانية الأمسيات تحت عنوان ضوء القصيدة أحياها الشاعران جميل داري وحمزة قناوي، ومن القصائد التي قدمها جميل داري، قصيدة دمشق ويقول فيها: جعلتني دمشق آها وآها/ليتني لم أكن أسير هواها/أشتهي أن أزورها ذات حب/ فمتى الحرب تستريح رحاها/ أرتقي قاسيون.. ألمس نجما/ وأعب الحياة من برداها/غير أني منفاي كل جهاتي/وحروفي تعتقت في دجاها وقرأ حمزة قناوي مجموعة قصائد منها، لاشيء يوجعني ويقول فيها: لا شيء يوجعني بدرب غيابها/ سأعيد تشكيل المساءات البعيدة ثم أنسى كيف مرت من هناك إلى هناك/ كما الفراشة شاغلتني بالرفيف وبالعبير وغادرت/ لاشيء يوجعني/ سأنسى وجهها هذا المساء.. أعيد ترتيب التفاصيل التي وسمت بها/ يدها الصغيرة في ذراعي وارتعاش شفاهها في قبلة الحب السريعة حين نعبر بالطريق.
مشاركة :