وفاة ديسموند توتو أحد رموز النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

  • 12/27/2021
  • 01:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الكاب‭ - ‬الوكالات‭: ‬توفي‭ ‬الأسقف‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬آخر‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الكفاح‭ ‬ضدّ‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬90‭ ‬عاما،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مستشفيات‭ ‬مدينة‭ ‬الكاب‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬أمضاها‭ ‬في‭ ‬التنديد‭ ‬بالظلم‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المظلومين‭.‬ وحتى‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬بقي‭ ‬الأسقف‭ ‬الذي‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬صراحته‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬الظلم‭. ‬ وباسم‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬بأكمله‮»‬،‭ ‬عبّر‭ ‬رئيس‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬سيريل‭ ‬رامابوزا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الحزن‭ ‬العميق‭ ‬لوفاة‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬وجوه‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬وفق‭ ‬بيان‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬الرئاسة‭.‬ وقال‭ ‬رامابوزا‭ ‬إن‭ ‬وفاة‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬تشكل‭ ‬‮«‬فصلا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬حداد‭ ‬أمّتنا‭ ‬في‭ ‬وداع‭ ‬جيل‭ ‬مذهل‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البلد‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬لنا‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬محرّرة‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬فريدريك‭ ‬دي‭ ‬كليرك‭ ‬آخر‭ ‬رؤساء‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬البيض‭. ‬ وأضاف‭ ‬أن‭ ‬توتو‭ ‬كان‭ ‬‮«‬رجلا‭ ‬يتميّز‭ ‬بذكاء‭ ‬لافت‭ ‬ونزاهة‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬قوى‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ (‬الابارتايد‭) ‬من‭ ‬دحره‭. ‬وكان‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الرقّة‭ ‬في‭ ‬تعاطفه‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬كابدوا‭ ‬القمع‭ ‬والظلم‭ ‬والعنف‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬ومع‭ ‬المظلومين‭ ‬والظالمين‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‮»‬‭. ‬ وفي‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تراجع‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي‭ ‬لتوتو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أبناء‭ ‬بلده‭ ‬يسمّونه‭ ‬تحبّبا‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬أرتش‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬عانى‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬سرطان‭ ‬البروستاتا‭ ‬وتوفّي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬وفاة‭ ‬طبيعية‭ ‬من‭ ‬الشيخوخة‭ ‬عند‭ ‬السابعة‭ ‬صباحا‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬أمس،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬أفاد‭ ‬أقاربه‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭. ‬ لم‭ ‬يعد‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬الذي‭ ‬ابتكر‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬بلد‭ ‬قوس‭ ‬قزح‮»‬‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يوجّه‭ ‬دائما‭ ‬تحيّة‭ ‬إلى‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬تنقلاته،‭ ‬ببسمة‭ ‬أو‭ ‬نظرة‭ ‬معبّرة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬تلقّيه‭ ‬اللقاح‭ ‬المضاد‭ ‬لكوفيد‭-‬19‭ ‬أو‭ ‬خلال‭ ‬قدّاس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الكاب‭ ‬احتفاء‭ ‬ببلوغه‭ ‬90‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭. ‬ واثر‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬وفاته‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬توالت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الدولية‭. ‬فأشاد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬بـ«قيادته‭ ‬الفكرية‮»‬‭ ‬و«روح‭ ‬الدعابة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقهر‮»‬‭ ‬لديه‭. ‬وكتب‭ ‬في‭ ‬تغريدة‭ ‬على‭ ‬تويتر‭ ‬‮«‬شعرت‭ ‬بحزن‭ ‬عميق‭ ‬عندما‭ ‬علمت‮»‬‭ ‬بوفاة‭ ‬توتو‭. ‬ أما‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬فهو‭ ‬صرّح‭ ‬في‭ ‬تغريدة‭ ‬أن‭ ‬نضال‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬‮«‬لوضع‭ ‬حدّ‭ ‬لنظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬وإصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬سيبقى‭ ‬حيّا‭ ‬في‭ ‬ذاكرتنا‮»‬‭. ‬وذكّر‭ ‬ماكرون‭ ‬بأن‭ ‬المونسينيور‭ ‬توتو‭ ‬‮«‬كرّس‭ ‬حياته‭ ‬للمنافحة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‮»‬‭.‬ ولد‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬في‭ ‬7‭  ‬أكتوبر‭ ‬1931‭ ‬لعائلة‭ ‬متواضعة‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬كليركسدورب‭ ‬الصغيرة‭ ‬الغنية‭ ‬بالمناجم‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬جوهانسبرج‭. ‬وقد‭ ‬أصيب‭ ‬خلال‭ ‬طفولته‭ ‬بشلل‭ ‬الأطفال‭.  ‬ كان‭ ‬يحلم‭ ‬بأن‭ ‬يصبح‭ ‬طبيبا‭ ‬لكنه‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬لنقص‭ ‬الإمكانيات‭. ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬مدرسا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقيل‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬المتدني‭ ‬المخصص‭ ‬للسود‭ ‬ودخوله‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭.‬ في‭ ‬سن‭ ‬الثلاثين‭ ‬رُسم‭ ‬كاهنًا‭ ‬ودرّس‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وليسوتو‭ ‬ثم‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬جوهانسبرج‭ ‬في‭ ‬1975‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وفي‭ ‬أسوأ‭ ‬أوقات‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬نظم‭ ‬مسيرات‭ ‬سلمية‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬بريتوريا‭. ‬ولم‭ ‬يحمه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬رجل‭ ‬دين‭. ‬ وديسموند‭ ‬توتو‭ ‬الذي‭ ‬عين‭ ‬رئيسا‭ ‬لأساقفة‭ ‬كيب‭ ‬تاون‭ ‬وللطائفة‭ ‬الأنغليكانية‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬كان‭ ‬متزوجًا‭ ‬منذ‭ ‬1955‭ ‬من‭ ‬ليا‭ ‬وأنجب‭ ‬منها‭ ‬أربعة‭ ‬أطفال‭.  ‬ في‭ ‬1984،‭ ‬مُنح‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭. ‬ومع‭ ‬إحلال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬ترأس‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والمصالحة‮»‬‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الكراهية‭ ‬العنصرية‭. ‬لكن‭ ‬آماله‭ ‬تبددت‭ ‬بسرعة‭ ‬إذ‭ ‬حصلت‭ ‬الأغلبية‭ ‬السوداء‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬التصويت‭ ‬لكنها‭ ‬بقيت‭ ‬فقيرة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭.  ‬ وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تصدى‭ ‬لتجاوزات‭ ‬حكومة‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الأفريقي‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬ثابو‭ ‬مبيكي‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الإيدز‭. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬وعد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬بعدم‭ ‬التصويت‭ ‬أبدًا‭ ‬للحزب‭ ‬الذي‭ ‬انتصر‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭.  ‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تشخيص‭ ‬إصابته‭ ‬بسرطان‭ ‬البروستاتا‭ ‬في‭ ‬1997‭ ‬ودخوله‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬للمستشفى،‭ ‬لم‭ ‬ينسحب‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬بحيويته‭ ‬الاستثنائية‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬إلا‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬وتقاسم‭ ‬حسابا‭ ‬على‭ ‬تويتر‭ ‬مع‭ ‬ابنته‭ ‬مفو‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬مؤسسته‭.  ‬ وقد‭ ‬تمسك‭ ‬بحلمه‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬متعددة‭ ‬الأعراق‭ ‬وتسودها‭ ‬المساواة‭.  ‬ عند‭ ‬وفاة‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬في‭ ‬2013،‭ ‬أنعش‭ ‬ديسموند‭ ‬توتو‭ ‬مراسم‭ ‬مملة‭ ‬جدا‭ ‬عندما‭ ‬صرخ‭ ‬بقوة‭ ‬‮«‬نعم‮»‬‭ ‬للجمهور‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬أمامه‭ ‬‮«‬نعد‭ ‬الله‭ ‬بأننا‭ ‬سنسير‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭!‬‮»‬‭.‬

مشاركة :