لندن - قام فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع بتعريب ملخص محاضرة باللغة الإنكليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن. من المريح على كل الأصعدة أن تعتقد أن دماغك مليء بالذكريات المخزنة التي يمكنك الوصول إليها وقتما تشاء. وهذا الاعتقاد الشائع ينطبق بشكل خاص على الذكريات القديمة إذ يعتقد معظم الناس أنه بمجرد تخزين هذه الذكريات واستعادتها مرة واحدة على الأقل، فإنها تظل إلى حد كبير دون تغيير حتى نقرر استعادتها مرة أخرى. لكن الحقيقة هي أنه في كل مرة تقوم فيها بسحب ما يمكن تسميته مجازياً الملف الذي يحتوي على ذاكرتك المتعلقة بحدث ما، عليك في الواقع إعادة كتابة كل شيء في محتوى تلك الذاكرة، وتؤثر معتقداتك الحالية وحالتك العاطفية والسياق الزمني والمكاني وعوامل أخرى على كيفية إعادة بناء تلك الذاكرة وتخزينها مرة أخرى. كيف تعمل الذاكرة تختبر العالم من خلال حواسك أي عينيك وأذنيك وأنفك وما إلى ذلك. لذا، فأنت بالفعل مقيد فيما يتعلق بما يمكنك تذكره من خلال ما تدركه بالفعل، والأهم من ذلك، ما توليه اهتماماً في الوقت الحالي. علاوة على ذلك، من بين جميع حواسك، فقط حاسة الشم هي التي لها طريق مباشر إلى الفص الصدغي الوسطي، وهو الجزء من دماغك الذي يخزن الذكريات الجديدة لتصبح طويلة المدى. هذا هو السبب في أن الروائح فعالة بشكل خاص في مساعدتك على تذكر الماضي! تشق جميع الحواس الأخرى طريقها إلى موضع تخزينها النهائي في الفص الصدغي الوسطي، ولكنها تمر عبر منطقة أخرى واحدة على الأقل على طول الطريق، حيث يتم فرز المعلومات أو دمجها مع الحواس الأخرى أو تحويرها بطريقة ما. تشق المعلومات الحسية الشمية طريقها إلى الفص الصدغي الوسطي، حيث تتقارب مع منطقة تسمى القشرة الشمية الداخلية، حيث تبدأ المعلومات في تكوين أثر للذاكرة الواعية. وهذه هي المنطقة التي غالباً ما تتأثر أولاً بأمراض مرض الزهايمر. لهذا السبب ترتبط الأعراض الأولى لدى الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر غالباً بتكوين ذكريات جديدة طويلة المدى تتعلق بالمثيرات الشمية. يميز علماء الأعصاب بين الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى ليس فقط بمرور الوقت، ولكن أيضاً بما تفعله أنت بالمعلومات. لم نعد نتحدث عن الذاكرة قصيرة المدى للأشياء التي ندركها بوعي في اللحظة الراهنة، بدلاً من ذلك، نسميها ذاكرة عاملة، لأنه لكي نضع حدثاً ما فيما كان يدعى من قبل الذاكرة قصيرة المدى، علينا مواصلة التفاعل معها لإبقائه في حيز تلك الذاكرة مثلما يحدث حينما نحاول استذكار رقم معين بترديده تكراراً لكيلا يسقط من الذاكرة العاملة عليه في وقت ترديده. ومن ناحية أخرى، أي معلومات تقوم بترميزها والوصول إليها لاحقاً بعد فترة من الوقت، حتى لو كانت بضع دقائق فقط، لم تكن تفكر خلالها بنشاط في تلك المعلومات، تعتبر جزءاً من ذاكرتك طويلة المدى. يبدو أن مرضى الزهايمر يتعثرون قليلاً في الوقت الحالي. إنهم يواجهون صعوبة في تذكر ما حدث للتو - أي تحويل الذكريات العاملة إلى ذكريات طويلة المدى - لأن القشرة المخية الداخلية لا تعمل بشكل صحيح. ولكن يمكن غالباً الوصول إلى الذكريات القديمة حتى في وقت متأخر جداً من سيرورة المرض، خاصةً إذا لم تكن لفظية. على سبيل المثال، يمكن الوصول إلى ذكريات الموسيقى لأنها لا تعتمد على المناطق التي تتدهور أولاً. عندما تعمل القشرة الشمية الداخلية بشكل صحيح، فإنها ترسل المعلومات الحسية التي أدركناها للتو إلى الحُصين، حيث يتم تمثيل المعلومات كنمط من إطلاق الأعصاب في الحصين نفسه، يتمركز حول حلقة صغيرة من الخلايا المتصلة فيما بينها على شكل دارة عصبية. ودائماً يقوم الحُصين بإنشاء ارتباطات جديدة بسرعة، حيث يقوم بتدوين المؤثرات البيئية الزمانية والمكانية والعاطفية التي تحدث في نفس الوقت مع الحدث الذي يتم تخزينه، ومقارنة هذه المعلومات الجديدة بما تم تخزينه في الماضي، وما إلى ذلك. وعموماً يُنشئ الحُصين تلخيصاً غير متوازن يعيد تقطير أنماط التنشيط العصبي من مناطق عديدة من دماغك إلى مخطط لحدث ما هو الذاكر الطويلة الأمد التي سوف تحتفظ بها. هذه هي الطريقة التي يتم بها تشفير الذاكرة. مع التذكر، يعيد الحُصين، بأفضل ما لديه من قدرات، ما كان يحدث في دماغك أثناء حدث ما. ولديك بعض السيطرة على هذه العملية، إذ يمكنك اختيار القيام برحلة في طريق الذاكرة أو التوقف عن ذلك والانتقال إلى مهمة أخرى. يتم تكوين أثر ذاكرة جديد في كل مرة تتذكرها لأن الحُصين لا يقوم فقط بإعادة إنشاء النمط الأصلي، إنه يغيره أيضاً في كل مرة يتم استدعاء ذكرى منه، وذلك بدمج المعلومات الجديدة التي يتلقاها، وتجاهل العناصر التي قد لا تكون مهمة، في لحظة استدعاء الذاكرة. هناك القليل من العشوائية في هذه العملية، وهذه هي مكمن قوة وضعف ما يفعله الحُصين. حقيقة أنه يمكنك تخيل ما كان عليه الحال في الماضي أمر رائع، ولكنه يعني أيضاً أنه من السهل عليك تشويه وتحوير الذاكرة بمعلومات غير دقيقة. إن تكوين نوع من الذاكرة الخاطئة تقوم فيها بجمع المعلومات من أحداث مختلفة ولكنها متشابهة، أو حتى إدراج مجموعة خاطئة تماماً من التفاصيل، هو أمر شائع جداً. وعموماً فإن نسق العمل ذلك غير ضار في غالب الأحيان، ولكن عندما تعتمد حياة شخص ما عليها، كما هو الحال في شهادة شهود العيان في أروقة المحاكم، يمكن أن يكون فشل الذاكرة مميتاً. لهذا السبب لا يمكننا ببساطة الاعتماد حصرياً على شهادات شهود العيان، بغض النظر عن مدى قوتها أو مدى ثقة الشاهد في الشهادة. يعمل الحُصين كدليل لأجزاء دماغك التي تحتاج إلى تنشيط لتجربة حدث ما مرة أخرى. والطريقة التي يؤدي بها وظيفته تتغير بظروف التذكر الجسدية والعاطفية التي تعيشها في لحظة التذكر، وأي أجزاء من الذاكرة تركز عليها، وما يتم استرجاعه، وربما الأهم من ذلك، ما الذي لا يتم استرجاعه. إذا استعدت ذكرى بنفس الطريقة مراراً وتكراراً، فإن أجزاء الدماغ المتبقية - خارج الحُصين - التي يتم تنشيطها بالتنسيق تبدأ في الارتباط ببعضها البعض. عندما يتعلق الأمر بالتذكر، فإن الذكريات القديمة التي تم استردادها عدة مرات يمكن أن تصبح مستقلة عن الحُصين، لهذا السبب يمكن للمريض المصاب بمرض الزهايمر أن يتذكر الأشياء من الماضي البعيد بشكل أكثر دقة مما حدث قبل بضع دقائق، لأن تلك الذكريات البعيدة كان لديها المزيد من الفرص لاستعادتها وإعادة بنائها وبالتالي فهي مستقلة عن الفص الصدغي الأوسط. ولكن يبدو أن الشعور بإعادة تجربة حدث ما والقدرة على تخيل مشاهده وأصواته ورائحته ينطوي دائماً على تداخل الحُصين. نحن نعلم هذا جزئياً لأن المرضى الذين أصيبوا بضرر تشريحي في الحصين لديهم صعوبة في إعادة تجربة الذكريات بالتفاصيل الحسية بغض النظر عن عمر الأحداث. لكنهم احتفظوا بذاكرة للحقائق عن طفولتهم أو الأشياء التي حدثت منذ فترة طويلة، حتى عندما لا يستطيعون تذكر الحقائق حول الأشياء التي حدثت مؤخراً. عندما يتضرر الحُصين بشدة، نرى فقدان ذاكرة شديد ممثلاً بعدم القدرة على تكوين ذكريات جديدة طويلة المدى، وفي كثير من الأحيان، استعادة الذكريات التي كانت موجودة في وقت الإصابة. الخطايا السبع للذاكرة فقدان الذاكرة ليس الطريقة الوحيدة التي تفشل بها الذاكرة، ابتكر عالم وظائف الدماغ دانيال شاكتر نموذجاً رائعاً لكيفية تصنيف عيوب ذاكرتنا دعاه الخطايا السبع للذاكرة. هناك ثلاث خطايا للنسيان أو السهو هي: التلاشي، الشرود، الحجب، وثلاث خطايا أخرى للتشويه أو التداخل هي:الخلط في الإسناد، الإيحاء، التحيز، بالإضافة إلى خطيئة الإلحاح. 1. التلاشي. تصبح بعض الذكريات ببساطة غير قابلة للوصول إليها مع مرور الوقت. إنها بالفعل تلاشت. وبالنسبة لمعظم الناس، هذا شيء جيد. ليست هناك حاجة لإزعاج عقلك بتفاصيل كل شيء فعلته أو جربته في أي وقت مضى. لقد قمنا كبشر بتكييف القدرة على سحب العناصر المهمة من مخزن ذاكرتنا، لتذكر جوهر ما حدث بدلاً من تذكر كل التفاصيل الدقيقة. من الجوهر، يمكننا بعد ذلك إعادة بناء السرد الكامل إذا أردنا ذلك، ولكن هذه العملية الترميمية لا تؤدي بالضرورة إلى تذكر دقيق تماماً لما حدث بالفعل. 2. الشرود. تؤكد هذه الخطيئة على دور الانتباه في الذاكرة. إذا فشلت في تشفير المعلومات بشكل صحيح عند تقديمها لك، فلن تكون هناك فرصة لتذكرها. من المحتمل أن يكون الشرود هو السبب وراء الكثير من النسيان اليومي. إنه دليل على حقيقة أننا مقيدون من حيث عدد الأشياء التي يمكننا الانتباه إليها في وقت واحد. وإذا لم تكن منتبهاً، فمن الصعب على الحُصين أن يدون التفاصيل. 3. الحجب. أحياناً يتعذر الوصول بشكل مؤقت إلى المعلومات التي تحاول استردادها. أحد الأمثلة على الحجب هو ظاهرة "طرف اللسان"، التي تشعر فيها وكأنك تعرف الإجابة، لكنها بعيدة عن متناول وعيك. غالباً ما يؤدي التخلص من ضغوط محاولة التذكر إلى التخلص من الحجب. وأيضاً يمكن أن تكون صعوبات البحث عن الكلمات من أعراض أمراض التنكس العصبي، مثل مرض الزهايمر. 4. خلط في الإسناد. تحدث هذه الخطيئة عندما ننسب ذكرى إلى الزمان أو المكان أو الشخص الخطأ. عندما نخطئ في إسناد مصدر جزء من المعلومات، فذلك يكون إشكالياً بشكل خاص في شهادات شهود العيان. كبار السن هم أكثر عرضة لهذا التشويش، ويبدو أن الفص الأمامي في الدماغ مسؤول عن هذه الأخطاء. 5. الإيحاء يعد الخلط في الإسناد شائع، لكن تأثيرات الإيحاء على الذاكرة تعتبر دراماتيكية. الإيحاء هو الميل إلى أخذ المعلومات المقدمة في سياق التفاعل الاعتيادي مع مثيرات حسية جديدة وإضافة تلك المعلومات إلى ذاكرتك لحدث ما، أو استخدامها لصناعة ذكريات جديدة ليست حقيقة أبداً. في الواقع، أظهرت الأبحاث العلمية أنه يمكن حث البشر على استدعاء ذكريات مفصلة لأحداث لم تحدث أبداً ببساطة من خلال نوع معين من طرح الأسئلة والتلميحات وبعض المساعدة من أحد الباحثين، وهو ما يحدث بشكل شائع بعد جلسات التنويم الإيحائي. 6. التحيز. تشير هذه الخطيئة إلى حقيقة أن ذاكرتنا للماضي مشوهة بأفكارنا ومشاعرنا ومعتقداتنا الحالية. يميل الناس إلى المبالغة في التداخل بين كينونة وتاريخذواتهم السابقة والحالية. 7. الإلحاح. على عكس الخطايا السابقة التي تمثل فشلاً في القدرة على التذكر، فإن هذه الخطيئة تصف ما يحدث عندما نفشل في النسيان. يمكن أن تكون الذاكرة متطفلةولجوجة، ومن الناحية المرضية يحدثذلك مع ضحايا متلازمة ما الصدمة وسوء المعاملة. بشكل عام، يرتبط التذكر المستمر الملح بالذكريات العاطفية، والتي تلعب فيها اللوزة الدماغية دوراً مهماً. وفي الواقع فإن الحصين ليس مسؤولاً فقط عن إعادة بناء الماضي، إنه مرتبط بشكل وثيق بالخيال، لاسيما النوع الذي يتطلب منك وضع نفسك في سيناريو مستقبلي. إذا قارنت نمط تنشيط الدماغ عندما تعيد تجربة ذاكرة سيرة ذاتية غنية بما يحدث عندما تتخيل ما ستفعله في وقت ما في المستقبل، فهناك الكثير من التداخل. ويبدو أننا كبشر طورنا هذا النوع من أنظمة الذاكرة حتى نتمكن من تخيل العديد من السيناريوهات المستقبلية المختلفة وتلمس أفضل النتائج التي يمكن تحقيقها وكيف يمكننا الوصول إلى أهدافنا. وهو ما يعني بأن جهاز الذاكرة في دماغ الإنسان معقد وليس مخصصاً فقط للتذكر مما يجعله عرضة للخطأ والزلل الجزئيين وفي بعض الأحيان الإخفاق والفشل الكليين.
مشاركة :