لماذا تشارك السعودية في قمة العشرين المنعقدة في تركيا؟ وهل لهذا دلالات اقتصادية وسياسية تهمنا؟ .. في البداية يجب أن ندرك أن مجموعة العشرين تمثل ثلثي التجارة الدولية وثلثي البشر وتملك 90% من الثروات الخام في العالم .. فهي إذاً تجمّع اقتصادي خاص بالكبار فقط، والسعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي تستحق المشاركة فيه.. وهذه المجموعة تأسست قبل سبعة عشر عاماً للتشاور حيال الأزمات المالية العالمية وتضم عشرين دولة كبيرة أبرزها أميركا والصين واليابان وبريطانيا وروسيا والاتحاد الأوربي.. ومن الدول الإسلامية تركيا واندونيسيا.. ومن الدول العربية السعودية فقط.. وتهدف المجموعة إلى التفاهم حيال الأزمات الاقتصادية وتعزيز الاستقرار المالي العالمي وخلق فرص حوار بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة. وقد تمكنت بالفعل من الاتفاق على عدد من القضايا المهمة مثل اتفاقيات سياسات النمو والحد من سوء استخدام الأنظمة المالية والتعامل مع أزمات الانهيار الاقتصادي والتصدي لأساليب تمويل الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال.. وانضمام السعودية لهذه المجموعة أمر مُستحق عطفاً على اقتصادها الضخم واحتياطيها النقدي الهائل وامتلاكها أكبر مخزون نفطي في العالم. والمسألة لا تتعلق بمشاركة المملكة في المجموعة، بل في أن عدم مشاركتها (مع هذه الكتلة الاقتصادية الضخمة) يحرمها من فرصة التأثير على القرارات الصادرة عنها.. أذكُر، حين دعيت السعودية للانضمام لهذا المنتدى لأول مرة ادعى البعض أن الهدف هو مشاركتها في "الدفع" لصالح الدول الفقيرة أو خدمة أجندات سياسية كبيرة.. ولكن الحقيقية هي أن مجموعة العشرين منتدى تشاوري غير ملزم لأعضائه ولا يتضمن أجندات خفية يتم تمويلها سراً أو علنا.. أما بخصوص مساعدة الدول الفقيرة فهذا أمر وارد ولكن ليس من خلال الدفع المباشر بل من خلال إنشاء صناديق تمويل يشارك فيها الجميع.. خذ كمثال ماحدث في القمة السابقة (التي شارك فيها الملك سلمان حين كان وليا للعهد) حين اقترحت استراليا (البلد المضيف) إنشاء صندوق خاص للبنية التحتية وبادرت هي للتبرع بمبلغ 16 مليون دولار في حين تعهدت السعودية وبريطانيا بدفع 4 ملايين دولار فقط.. ما يجب أن نفتخر به فعلاً أن مشاركتنا في قمم العشرين بمثابة اعتراف ضمني بالثقل الاقتصادي للسعودية لا يخضع للمجاملات.. وانضمامنا لهذا التجمع مهم جداً كوننا نملك اقتصاداً وثروات خام يهمنا أن لا يؤثر فيها أحد غيرنا.. أضف لهذا أن السعودية هي البلد العربي الوحيد في المجموعة (والوحيدة أيضاً في مجلس صندوق النقد الدولي) وبالتالي هي الأقرب لمراعاة المصالح الاقتصادية لأشقائها العرب.. وخلال الأعوام الماضية انبثق عن قمم العشرين قمم فرعية مهمة مثل قمة شباب الأعمال Y20وقمة البزنس B20 وقمة المجتمع المدني C20 وقمة العمل L20 وجميعها تكرس تواجدنا الدولي وتقدم لقطاعات الأعمال لدينا منفذاً على الاقتصاديات العالمية الكبرى.. ولأنه يصعب فصل السياسة عن الاقتصاد، يمكن القول إن قمماً اقتصادية كهذه لابد أن تؤثر على سياسات العالم وقضايا السلم الدولي.. وكان الملك سلمان قد أكد في كلمته (أمام قمة بريزبن التي عقدت في استراليا في نوفمبر 2014) على الارتباط الوثيق بين الاقتصاد المستقر والسلم العالمي حين قال: ولا يَخفَى على الجميعِ الارتباطُ الوثيق بين النّموِّ الاقتصادي والسِّلمِ العالمي، إذ لا يُمكنُ تحقيقُ أحدِهما دونَ الآخر،ِ الأمرُ الذي يتطلَّبُ منَّا جميعاً التعاونَ والعملَ لمُعالجةِ القضايَا التي تُمثِّلُ مصدرَ تهديدٍ لِهذا السِّلم، ومن ذلكَ: العملُ على حلِّ النزاعِ العربي الإسرائيلي حلاً عادلاً وشاملاً، إذْ انَّ بقاءَ هذا النزاعِ دونَ حلٍّ أسهمَ بشكلٍ مُباشرٍ في استمرارٍ عدم الاستقرارٍ في الشرقِ الأوسط، كما أنَّ استمرارَ الأزمةِ السوريةِ فاقمَ منْ معاناةِ الشعبِ السوري الشقيق، وأسهمَ في ازديادِ حدَّةِ الاستقطاب، وانتشارِ العُنفِ والإرهابِ في دولِ المنطقة، ومِن هذا المُنطلقِ ندُعو دولِ المجموعةِ لما لها من قوةٍ وتأثيرٍ، وندعُو كذلكَ المُجتمع الدولي للتعاونِ والعملِ معاً لمُساعدةِ دولِ المنطقةِ في إيجادِ المعالجاتِ المناسبةِ لهذهِ القضايا المُلحّة، وبما يدعمُ أهدافنا المشتركة في نمو اقتصادي عالمي قوي وشامل....
مشاركة :