يحتضن مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس مساء الأربعاء عرض “أوبرا شهرزاد” للفنانة اللبنانية جاهدة وهبة التي سبق لها أن قدّمت جزءا منه في تونس قبل جائحة كورونا، تحديدا في مارس 2019 بالعاصمة تونس ومدينة سوسة، ولكنها هذه المرة ستقدّم العمل بأكمله وستلعب فيه أدوار ست شخصيات أخرى بخلاف دور شهرزاد. والعرض أوبرا معاصرة فيها مراوحة بين الفن المعاصر الشرقي والمتوسطي والأمازيغي الأفريقي، فكرة وتصوّر التونسيين آمنة الرميلي وسمير الفرجاني واللبنانية جاهدة وهبة، وآمنة الرميلي وموسيقى سمير الفرجاني وتوزيع المؤلف أيمن صالح وسينوغرافيا سامي حشلاف وإخراج فراس اللبّان. ويقوم العرض على قراءة جديدة لـ”ألف ليلة وليلة” بطريقة معاصرة حين يواجه شهريار ذاته بالسؤال الأكبر: لمَ غيّرته شهرزاد؟ فتحكي له بالغناء أصوات النساء اللّواتي غيّرن وجه التاريخ الإنساني في السياسة والحب والشعر مثل عليسة، كليوباترا، رابعة العدوية، ولاّدة بنت المستكفي، زنوبيا والخنساء. وعن هنّ تقول وهبة “هنّ شخصيات عابرة للمكان والزمان تقدّمهنّ شهرزاد التي هي أنا في العرض غناء، حيث تتلبّس أحيانا هذه الشخصيات وأحيانا أخرى تتكلّم عن هنّ أو تغني بعضا من أشعارهنّ كحال رابعة العدوية حين تناجي حبيبها الخالق أو الخنساء وهي ترثي أخاها صخر”. "أوبرا شهرزاد" عمل موسيقي درامي يسرد سيرة نساء عربيات غيّرن التاريخ في السياسة والحب والشعر وعن فكرة العرض تقول الفنانة اللبنانية إنها انطلقت من تونس أثناء تكريمها في ملتقى “عليسة الدولي للمبدعات” في دورته التأسيسية التي انتظمت في أبريل من العام 2018 بتونس، فاقترحت على الموسيقي التونسي سمير الفرجاني فكرة إنجاز أوبرا تتغنّى بشخصيات نسائية عربية عابرة للزمن. ومن هناك انطلقت الفكرة التي رحب بها الفرجاني لينسق إثرها مع الشاعرة والروائية التونسية آمنة الرميلي، فتولّت كتابة النص، لتتحوّل إلى عمل أوبرالي متكامل يجمع بين الغناء والرقص والتمثيل، في تنفيذ موسيقي لأوركسترا الجم الشبابية التي تشرف عليها هيئة المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في مدينة الجم الأثرية (وسط تونس). وقالت وهبة “ما يميّز هذا العرض أنه عمل أوبرالي تونسي يلتزم بمواصفات وتقنيات الأوبرا الأساسية من غناء أوبرالي وإخراج مسرحي أوبرالي، إضافة إلى التأليف الموسيقي الأوبرالي ونص تونسي يندرج ضمن قراءة جديدة ومعاصرة لقصة ألف ليلة وليلة”. وتضيف “هذا العرض هو النسخة الثالثة والمتكاملة لأوبرا شهرزاد، وقد عُرض في نسخته الأولية في المسرح البلدي في سوسة وفي مسرح الأوبرا بتونس منذ سنتين، قبل أن نكمل عناصره ليُعرض على الجمهور مرة أخرى في مدينة الثقافة الأربعاء”. والفنانة جاهدة وهبة عملت مع كبار المخرجين اللبنانيين والعرب، وغنّت وكرّمت بصوتها عمالقة الغناء العربي، ولها العديد من الألبومات التي تجمع فيها بين الأغاني الكلاسيكية والوطنية والصوفية. وسبق للفنانة أن لعبت أدوارا رئيسية في مجموعة من المسرحيات العربية، منها “أيام رباعيات الخيام” من إنتاج مهرجان بعلبك الدولي، و”أنشودة المطر” إخراج العراقي جواد السعدي، و”صرخة تانيوس” إخراج جيرار أفديسيان. وتؤكّد وهبة التي يحلو لعشاقها تلقيبها بـ”كاهنة المسرح وحارسة الطرب” أن “‘أوبرا شهرزاد’ هي أوبرا وليست أوبريت”، موضحة أن “الأوبرا هي عمل فني موسيقي درامي متكامل به نص مكتمل ببداية ووسط ونهاية، على عكس الأوبريت التي يمكنها أن تضمّ مقاطع مقتطفة من أكثر من نص مسرحي عربي أو عالمي على حد سواء”. أما آمنة الرميلي واضعة نص “أوبرا شهرزاد” الذي تغنيه وهبة فتقول عن العرض وفكرته “أنا كروائية وقاصة تستفزني جدّتي وحكايات شهرزاد وأحب هذه المرأة الموجودة في ذاكرتنا وفي حروفنا وكلماتنا. ومن هنا كان العمل، ولكن الرهان في هذه الأوبرا أننا لم نلتق بشهرزاد التي نعرف، شهرزاد التي تحكي لتفلت من الموت وتغيّر شهريار”. وتوضّح الروائية التونسية “نحن انطلقنا من ذلك كله، ولكن حتى العرض كان عنوانه ‘ليلة أخرى’ وليس ‘ألف ليلة وليلة’. هي ليلة أخرى يكون فيها شهريار قد تغيّر وتكون فيها شهرزاد ملكت ليس فقط عالم الحكاية ولكن كذلك عالم العقل وعالم التاريخ وعالم شهريار. وستقول له أنا غيّرتك بأصوات النساء الكبريات في التاريخ العربي، عليسة وزنوبيا والخنساء ورابعة العدوية أي المرأة العاشقة والمرأة المحاربة والمرأة المتصوفة”. وتؤكّد الرميلي “لا يخلو العمل الفني من التفلسف، لا بد من شيء من التفسلف، القراءات الفلسفية لا تغيب في هذا العمل، حيث يكون الصراع بشتى أشكاله، صراع مع الموت، صراع مع الخلود، صراع مع الكلمة، صراع مع العقل والعاطفة، صراع بين السيف والعقل. هذا القتل الذي نعاني منه لا بد أن نغيره بالإبداع والثقافة”. وآمنة الرميلي روائية وباحثة تونسية تعمل حاليا أستاذة للأدب والنقد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، بعد أن حصلت على شهادة الكفاءة في البحث عام 1990، وعلى شهادة الدراسات المعمقة عام 2005، وعلى شهادة التبريز عام 2006، ودرجة الدكتوراه عام 2010. أعمالها تتنوّع ما بين مجموعات قصصية وروايات أدبية، منها “جمر وماء”، “الباقي”، “مغامرة كشاف”، “سيدة العلب” و”توجان” التي توّجت بجائزة الكومار الذهبي في الرواية العربية لعام 2016. أما الموسيقار التونسي سمير الفرجاني، فيقول “أوبرا شهرزاد هي حلم تحقّق، حلم بأوبرا تونسية عربية تتغنى بالنساء بأحاسيس ممزوجة بين أحاسيسنا التي عشناها من الأوبرات العالمية ‘عائدة’ وغيرها. موسيقى تتداخل إلى درجة أنها تعطي فكرة عن خوالجنا الداخلية التي تتضمن تداخلا بين ضفاف المتوسط بين حفيدتي عليسة اللبنانية جاهدة وهبة والتونسية آمنة الرميلي”. ويتألّف العرض من ثلاثة أجزاء، حيث من المقرّر أن يختتم مهرجان الجم في الصيف المقبل، كما يراهن المهرجان على عرض “أوبرا شهرزاد” خارج تونس.
مشاركة :