< لم تكن الأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس أمس الجمعة، وأودت بحياة 127 شخصاً، وليدة الصدفة بل سبقتها مؤشرات تظهر حجم نمو التطرف والإرهاب في المجتمع الفرنسي والناطقين بالفرنسية الذين تصدروا دراسة تحليلية عن الإرهاب والتطرف أجريت عام 2013 وأظهرت أنهم يحملون أفكاراً متطرفة في مسائل الجهاد والحسبة والشريعة الإسلامية. وقالت حملة السكينة الحكومية إنها رصدت خلال شهر كامل بعض الصفحات التحريضية، التي تحمل أفكاراً متطرفة على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر «فيسبوك» في مناطق متعددة من العالم، في محاولة لفهم طبيعة ونوعية وتفكير رواد وزوار هذه الصفحات وفق معايير فكرية جرى تحديدها مسبقاً. ونظراً لكثرة الصفحات المتطرفة، تم اختيار٢٠٠ حساب إرهابي في «فيسبوك» وتم إجراء الدراسة عليها، واتضح وجود مؤشرات قوية إلى تنامي الإرهاب بين مستخدمي اللغة الفرنسية، مثلما أنها أظهرت شحناً وتجييشاً وتجنيداً بـ«الفرنسية» أكثر من غيرها. وأوضحت «السكينة» في تقرير حصلت «الحياة» على نسخة منه، أنها رصدت دعوة صريحة في الحسابات الناطقة بالفرنسية، وتحريضاً على المشاركة في القتال في مناطق عدة من العالم، وتحمل أفكاراً متطرفة وغلواً في التكفير ومسائل الجهاد والحسبة، كما حوت تكفير دول إسلامية وأنظمة وشخصيات علمية وفقهية. وبينت الدراسة أن 80 في المئة من متوسط أعمار المشاركين في الصفحات التي شملتها الدراسة تتراوح ما بين 18 و24 سنة، 75 في المئة منهم ذكور، إذ كانت اللغات السائدة وفقاً للأكثرية: العربية ثم الفرنسية والإنكليزية، يشتركون في أكثر من 200 صفحة على «فيسبوك»، ويبلغ إجمالي عدد المشتركين في تلك الصفحات مابين 150 و170 ألف مشترك، عدد الفاعلين منهم نحو 15 ألف مشترك. وقالت إن من أبرز الصفات الفكرية لديهم «الجهل بأحكام الشريعة، ولا سيما أحكام العبادات الأوليّة كالصلاة والوضوء، فضلاً عن المسائل الدقيقة كالتكفير وبقية مسائل الإيمان، إضافة إلى اعتمادهم في شكل كبير على الصورة والمقاطع، ولا سيما صور المقاتلين والمعارك، وعلى الرؤى والأحلام وما يتداول على أنه كرامات». ولاحظت الدراسة غياب التوعية المناسبة لتلك الشريحة «فأغلبهم لديهم شبهات وأفكار عامة يمكن مناقشتها وتوضيح المنهج الصحيح الشرعي فيها لكنهم لم يتعرضوا لتوعية مناسبة، وهنا يأتي دور المدرسة والمناهج الدراسية ودور المسجد وخطبة الجمعة وكذلك الجهات المناط بها عملية التوعية والإرشاد والأمن الفكري، باللغة الفرنسية». وأضافت «مؤشر الاهتمام والتفاعل واضح في دول المغرب العربي ومصر، وهو مؤشر خطر يستحق العناية والانتباه ويعكس آثار الثورات، كذلك مؤشر المتحدثين بالفرنسية الذي يشير إلى أهمية العناية بذلك، وبالدول الناطقة بالفرنسية وخصوصاً فرنسا، إذ إن الحل لا بد أن يأخذ مسارين أولهما: استراتيجي عبر إعادة رسم الخريطة الفكرية والأخلاقية في المجتمع الفرنسي أو المجتمعات الغربية التي تتنامى فيها الأقليات. وإعادة رسم الخريطة للأقليات وللمواطنين الأصليين وللمهاجرين من جنسيات وديانات مختلفة، يحتاج إلى رؤى تحمل برامج ومشاريع عميقة تبني بتكاملها شكل المستقبل. والمسار الثاني أشبه ما يكون بخطة طوارئ عاجلة وذلك بطرح مبادرات شاملة تعالج الظواهر السلبية التي تتنامى في شكل سريع، وإن لم يتم تدارك الوضع في شكل متوازن وصحيح ستحدث كوارث يصعب بعد ذلك معالجتها، فجميع المعطيات تحذر من نمو موجات التطرف، وخصوصاً بين الفرنسيين المشاركين ضمن جماعات وتنظيمات متطرفة سيحملون معهم موجة وتياراً عنيفاً فإن لم تتم تنقية الأجواء سيجد هؤلاء بيئة مناسبة للتفريخ والانتشار». وكانت العاصمة الفرنسية باريس شهدت هجوماً هو الأعنف من نوعه عندما هاجم مسلحون وانتحاريون مطاعم وقاعة للموسيقى واستاداً رياضياً في أماكن متفرقة يوم الجمعة الماضي، وقتلوا 127 شخصاً، فيما أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم الذي دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند بعده إلى إعلان حال الطوارئ على كامل الأراضي الفرنسية وإغلاق الحدود. وشهدت فرنسا سلسلة من التفجيرات في باريس خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، نفذها منتمون إلى توجهات وديانات مختلفة، كانت تستهدف في مجملها محطات مترو ومطارات وأسواق ومجمعات تجارية، كما تم إفشال خطة هجوم انتحاري، بواسطة طائرة ضد برج إيفل في العاصمة الفرنسية. وشهد مطلع مطلع عام 2015 آخر العمليات الإرهابية في فرنسا بعد أن تعرضت مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة، إلى هجوم إرهابي صباح السابع من كانون الثاني (يناير) 2015، نفذه ثلاثة مسلحين مجهولين، وراح ضحيته 12 شخصاً من بينهم أربعة رسامين معروفين.
مشاركة :