يتضمّن كتاب “حارس الحكايات” شهادات ودراسات ومراجعات تكريمًا للناقد الفلسطيني فيصل درّاج، الذي يعتبر من أهم رموز النقد الأدبي في العالم العربي. ويشتمل الكتاب -الذي يشارك فيه عدد كبير من النقّاد والمفكّرين والشعراء- على ثلاثة فصول، تسبقها مقدمة للمحررَين عيسى برهومة وعامر أبومحارب، ومفتتح لفيصل درّاج، وتتلوها قائمة ببليوغرافية أعدها الباحث حازم الزواهرة. شهادات ومقاربات الناقد تمكن من توطين مفاهيم النقد القادمة من الفكر الإنساني داخل بنيات الخطاب النقدي العربي الذي عانى التبعية أكّد محررا الكتاب، الصادر عن الأهلية للنشر والتوزيع، أن مشروع درّاج يستحق الاحتفاء والمراجعة؛ إذ يمثّل هذا الناقد المفكّر القادم من الجاعونة، مرورًا بالشّام ففرنسا، “علامة مائزة في مسارات الفكر العربيّ المعاصر، والنقد الروائيّ، والنظريّة النقديّة”، وتنطوي كتاباته على مقولات نظريّة ومقاربات إجرائيّة تمثل أرضية لإنجاز مقارباتٍ بحثيّة عقلانيّة في دراسة حقول معرفيّة محايثة في الفكر والثقافة والحداثة والتنوير والنّقد الروائيّ. وبيّن المحرّران أن مشروع درّاج الفكري والنقدي مبني على فكرة بلاغة النقد، إذ يقولان “تظهر القراءة السابرة في مشروع الناقد درّاج أنَّ بلاغة النقد في خطابه النقدي تتمظهر في جملة من المستويات التي تؤسس بدورها لمفهوم القراءة الماتعة/ البليغة. وهذه المستويات هي: مستوى العنونة، ومستوى اللغة، ومستوى الإجراء”. وفي المفتتح نقرأ شذرات من سيرة فيصل درّاج، موزعة على عناوين منها “الصعود إلى المنفى الأول”، و”حين كنا نطوف في باريس قبل أن نصل إليها”، و”الطريق الطويل إلى فعل: كتَب”. وانطوت الشهادات المعرفيّة على ذكريات شخصيّة ومراجعات عملية كتبها أصدقاء فيصل درّاج ورفاق دروبه الطويلة في المعرفة والفكر والنقد الروائيّ. أما المراجعات العلميّة فقد انبرت لمراجعة مشروع درّاج الممتد من الفلسفة إلى الفكر العربي المعاصر انتهاءً بالرواية التي تعدّ محور اهتمامه. وشارك في هذا الكتاب نقاد وأدباء من مختلف أنحاء الوطن العربي؛ إذ نجد مساهمات لكل من إبراهيم السعافين، وإدريس الخضراوي، وأمين الزاوي، ورامي أبوشهاب، وشكري الماضي، وشيرين أبوالنجا، وصبري حافظ، وطالب الرفاعي، وعبدالرحمن تمارة، وعبدالقادر فيدوح، وعبدالمجيد إبراهيم، وعماد عبداللطيف، وغزلان الهاشمي، وغسان عبدالخالق، وفائزة لولو، وفخري صالح، وفهمي جدعان، ومحسن جاسم الموسوي، ومحمد دكروب، والمنصف الوهايبي، ونضال الشّمالي، وهدى بركات، وواسيني الأعرج. منقذ النقد العربي شهادات معرفيّة وذكريات شخصيّة يرى الكاتب الجزائري أمين الزاوي أن فيصل دراج يكتب دون حرج أو رقيب، يكتب ما يؤمن به ولو إلى حين، لأنه مثقف المراجعات، أي مثقف ضد الإيمان المثقفاتي الديني. ويظل كتابه “نظرية الرواية والرواية العربية” واحدا من العناوين التي تسجل بفخر داخل هذه السلسلة الثقافية التنويرية بامتياز. ويضيف “حين أعود إلى كتب فيصل دراج وإلى مقالاته في النقد الثقافي أو في النقد الروائي أو في أفكاره النظرية حول الإبداع الأدبي أشعر بكثير من الاحترام لما قدمه، ولا يزال يقدمه، هذا الجيل الثقافي والأكاديمي الذي أفرزته هزيمة يونيو 67 لما في كتاباتهم من اجتهادات نقدية نظرية وتطبيقية، وأطروحات فكرية بعيدة عن الفكر الانتحاري أو الفكر البائس أو فكر التلذذ بجلد الذات، إنها كتابات مقاومة بعمق وبهدوء”. ودراج هو أحد المؤسسين لثقافة النقد التنويري بعد جيل طه حسين ومحمود أمين العالم ورئيف خوري ومحمود المسعدي. وفي مطلع سنوات الثمانينات لم يكن له شاغل في أحاديثه سوى أسئلة الأدب والثقافة والثورة الفلسطينية ودور الثقافة التنويرية النقدية في مقاومة سياسة التهريج وتعرية السياسيين معطوبي الخيال. يعتبر الناقد من أهم قراء الرواية العربية على الإطلاق، يعرف الكثير من تفاصيلها والكثير من الأعشاب الضارة فيها، وله إمكانية الفرز ما بين الكتابة السردية المثقفة والسردية المنتفخة. سبب تفرد فيصل دراج كأهم قلم فكري نقدي أدبي في جيله والجيل الذي جاء من بعده هو أنه تمكن من توطين مفاهيم النقد القادمة من الفكر الإنساني داخل بنيات الخطاب النقدي العربي الذي ظل يعاني لمدة طويلة، ولا يزال، من أثقال مسطرة النقد الإصلاحي الأزهري والوصفي التوصيفي الخارجي المنشغل بالبلاغة الفارغة المجففة من السؤال الفلسفي. وبين الزاوي أن درّاج عمل على توطين الفكر الفلسفي الغربي داخل بنية خطاب العقل العربي الأدبي بشكل عام، والنقد الروائي بشكل خاص؛ التوطين من الداخل وليس الترقيع الخارجي. وهو يقوم بهذه العملية التركيبية البنيوية التاريخية المعقدة، كان يحرر الخطاب النقدي الأدبي من “نقد التلخيص” و”نقد التفسير” و”النقد الأخلاقي التربوي” والتي هي عادة ثقافية فقهية إصلاحية نقلية وليست عقلية أصبحت عالة على النقد العربي المتناول للشعرية وللسردية على حد السواء. الكتاب انطوى على مراجعات عملية كتبها أصدقاء فيصل درّاج ورفاق دروبه الطويلة لقد أنقذ الناقد بالكثير من الذكاء النقد الأدبي من سلطة الفقيه الديني وتوأمه الفقيه السياسي على حد السواء، حرره من الشعارات السياسوية -أي البروباغندا- مع أنه اشتغل كثيرا على الديني والسياسي وعلاقتهما بالنص الأدبي السردي. يُشار إلى أنّ فيصل درّاج وُلِد في الجاعونة بفلسطين عام 1943، درس الفلسفة في فرنسا، ونال درجة الدكتوراه عن أطروحته “الاغتراب بين ماركس وهيغل”، عمل مع إحسان عباس ووداد القاضي على إصدار سلسلة حصاد الفكر العربي (1977 – 1982)، كما عمل أستاذًا في المعهد العالي للدراسات المسرحية في جامعة دمشق (1997 – 1999)، فضلًا عن عمله محكِّمًا في العديد من الجوائز العربية. صدرت لدرّاج كتب من بينها: “دلالات العلاقة الروائية”، و”ذاكرة المغلوبين: الهزيمة والصهيونية في الخطاب الثقافي الفلسطيني”، و”الرواية وتأويل التاريخ”، و”نظرية الرواية والرواية العربية”. وأشرف على ترجمة كتاب “بؤس العالم” لبيير بورديو في ثلاثة أجزاء، وترجم كتاب كلود لوفور “التعقيد”، ونال جائزة أفضل كتاب عربي (2002)، عن كتابه “نظرية الرواية والرواية العربية”، وجائزة الإبداع الثقافي لدولة فلسطين (2004)، وجائزة الدراسات الأدبية والنقد (2010).
مشاركة :