فتحي باشاغا سياسي بمرجعية عسكرية يدافع عن مبدأ ليبيا للجميع | الحبيب الأسود

  • 12/30/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يخترق فتحي باشاغا الصفوف بمختلف مواقفها ومرجعياتها في اتجاه صدارة المشهد السياسي في ليبيا كشخصية جامعة. هو اليوم حالة متفردة في المنطقة الغربية وفي مصراتة بالذات، من حيث جرأته على تجاوز مخلفات عشر سنوات من غبار الحرب والكراهية، ومن حيث قدرته على التعبير عن رؤيته للواقع بكثير من الشجاعة في مواجهة القوى المتشددة بوجوهها المتعددة؛ تيار الإسلام السياسي وقادة الميليشيات والمتمترسون وراء نزعة المغالبة الجهوية والمناطقية. في الحادي والعشرين من ديسمبر الجاري وصل باشاغا إلى مطار بنينا ببنغازي في أول زيارة إلى المدينة منذ عشر سنوات، رافقه فيها نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق فتحي معيتيق، ومن هناك انتقلا معا إلى فندق «تيبستي» حيث كان في استقبالهما رجل برقة القوي المشير خليفة حفتر، بصفته الداعي إلى اجتماع عدد من المترشحين الرئاسيين من الأقاليم الثلاثة بهدف استقراء الوضع العام وتوحيد المواقف من الدوافع المؤدية إلى تأجيل السباق الرئاسي. كانت المصافحة بين باشاغا وحفتر مؤشرا عميقا على أننا أمام شخصيتين تمارسان السياسة بحرفية عالية وببراغماتية واضحة، إذ لا عدوّ دائما ولا صديق دائما وإنما مصالح يمكن أن يتبلور من خلالها الموقف ونقيضه، وهو ما فتح ثغرة في جدار الأزمة المستفحلة منذ 2011، لينطلق منها بصيص ضوء في اتجاه توضيح معالم الطريق بما يساعد على طي صفحة الماضي والتأسيس لمرحلة جديدة من الوفاق والمصالحة. بعد الاجتماع، تقدم باشاغا الصفوف لقراءة نص أكد من خلاله أن مبادرة الاجتماع التي دعا إليها حفتر، تهدف إلى توحيد الجهود الوطنية للتعامل مع التحديات والمعطيات التي تمر بها ليبيا، وتأتي “احتراما لإرادة أكثر من 2.5 مليون ليبي من الناخبين الذين ينتظرون الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية”. وبعد أن أعلن الاتفاق على أن “المصالحة الوطنية الجامعة فوق كل اعتبار، وأن المصالحة الوطنية خيار وطني جامع لا تراجع عنه”، غادر باشاغا نحو القاهرة للاجتماع بمدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وذلك بهدف التشاور حول جملة من الملفات المتعلقة بالوضع الداخلي الليبي وبمستقبل العلاقات بين البلدين وآفاقها. أمراء الحرب والسياسة مبادرة حفتر تهدف إلى توحيد الجهود الوطنية للتعامل مع التحديات والمعطيات التي تمر بها ليبيا. مبادرة حفتر تهدف إلى توحيد الجهود الوطنية للتعامل مع التحديات والمعطيات التي تمر بها ليبيا. كانت هناك انتقادات واسعة للقاء باشاغا بحفتر من قبل بعض أمراء الحرب المتشددين وعدد من قيادات تيار الإسلام السياسي ولاسيما تلك المحسوبة على المفتي الصادق الغرياني، إلى جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال عبدالحميد الدبيبة وعدد من المحيطين به، والدائرين في فلك مشروعه للاستمرار في السلطة. وقد تراوحت دوافع تلك الانتقادات بين رفض مبدئي للمصالحة مع قيادة الجيش وعلى رأسها حفتر، وبين مخاوف من أن يستفيد باشاغا من خطوته داخليا وخارجيا في الظهور كشخصية وفاقية جامعة قادرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل بالتعاون مع بقية الفرقاء سواء من تيار الكرامة أو من رموز النظام السابق. بعد خمسة أيام من لقاء بنغازي، عاد باشاغا إلى مصراتة، ليجد في استقباله المئات من أنصاره ممن قال إنهم يؤيدون خطوات لملمة شتات الوطن للبدء في مصالحة شجاعة دون إقصاء لأحد من الليبيين، مشيرا إلى أن الاستمرار في النزاع والتصارع ليس هدفا لأي ليبي يأمل في بلد آمن موحد. وفي كلمته لأنصاره، بيّن باشاغا أن ليبيا لن تخرج من أزمتها ولن تتقدم في اتجاه السلام والاستقرار والتطور والرقي إلا بالحوار والتوافق بين الجميع، سواء تيار الكرامة، أو تيار سبتمبر، أو تيار فبراير الذي يعتبر نفسه ممثلا له، وهو ما رأى فيه مراقبون محاولة لتشكيل ملامح مرحلة جديدة ومهمة في تاريخ البلاد، أساسها الاعتراف بمبدأ الاختلاف وقبول الآخر، والاستعداد للمصالحة الشاملة تحت مظلة الانتماء الواحد بقطع النـظر عن مخلفات الماضي القريب من آلام قد يكون من الصعب نسيانها ولكن من الضروري التسامح بشأنها. ما كان لباشاغا أن يبادر بالسفر إلى بنغازي والدخول في حوار مباشر مع حفتر، لو لم يكن مقتنعا بتلك الخطوة، ومدعوما من قوى فاعلة وذات تأثير بالغ سياسيا واجتماعيا وعسكريا في مصراتة، ومستندا إلى ضوء أخضر من أطراف خارجية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبلور مشهدية عامة يبدو من خلالها باعتباره الرجل القوي في غرب البلاد ، والشخصية القادرة على تحمل مسؤولية مواقفها وتحركاتها بروح زعامية. تحوّلات استثنائية منتقدو باشاغا دوافعهم تتراوح بين رفض مبدئي للمصالحة مع قيادة الجيش وعلى رأسها حفتر، وبين مخاوف من أن يستفيد باشاغا من خطوته داخليا وخارجيا في الظهور كشخصية وفاقية جامعة وينظر جانب كبير من المهتمين بالشأن الليبي في داخل البلاد وخارجها إلى المواقف الأخيرة لباشاغا على أنها تحوّل استثنائي في مسيرته السياسية، وتطوّر لافت من هوية رجل سياسة إلى موقع رجل دولة، مستجيب لدوره في التعامل مع الواقع بالعقلانية المطلوبة سواء لتجنب المطبّات أو للتعايش مع التناقضات ومسايرة الإكراهات. ويقول مقربون منه إنه يفكر بعقل بارد، ويفعل ما يراه صالحا، ولا يهتم كثيرا لردود الفعل المعارضة لتحركاته، وإنه قادر على محاوره ألدّ الأعداء، وعلى تجاوز أكثر الأحداث إيلاما بالنسبة إليه، ربما من أجل ذلك تحوّل إلى واجهة مصراتة في معركة المصالحة التي قد تكون أصعب بكثير من الحرب الميدانية. باشاغا من مواليد العشرين من أغسطس 1962 في مدينة مصراتة، حيث نما وترعرع ، وزاول دراسته حتى الثانوية العامة عندما تخرج في الكلية الجوية برتبة ملازم ثان طيار مقاتل واختُير ضمن 5 ضباط للاستمرار بتدريب الطلبة بعد اجتيازه لدورة التدريب وبقي فيها إلى أن استقال من سلاح الجو عام 1993 وانتقل إلى تجارة الاستيراد وعمل في هذا المجال. وعندما اندلعت أحداث فبراير 2011 تلقى باشاغا دعوة من اللجنة القضائية بمصراتة ليتولى عضوية المجلس العسكري بالمدينة مع تكليفه برئاسة قسم المعلومات والإحداثيات، ثم ناطقا باسم المجلس، وانضم لاحقا إلى اللجنة الاستشارية في هيئة المصالحة الوطنية. وعمل عضوًا بمجلس شورى مصراتة في 2012، وفي يونيو 2014 انتخب عضوا لمجلس النواب عن دائرة مصراتة ، ولكنه قرر مقاطعة عمل البرلمان المنعقد في شرق البلاد والتفرغ لدعم منظومة فجر ليبيا التي كان من أبرز قياداتها. بعد فترة سيعتذر باشاغا عن رئاسة مجلس الدفاع والأمن القومي بحكومة الوفاق، قبل أن يشارك في لجنة الحوار السياسي عن مجلس النواب، ويعينّ وزيرا للداخلية وفق قرار صادر عن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ليحل محلّ سلفه العميد عبدالسلام عاشور. وعندما أطلق الجيش الوطني بقيادة حفتر هجوما على طرابلس في الرابع من أبريل 2019 تولى باشاغا القيام بدور المنسق بين الميليشيات في تصديها للهجوم، وبعد أسبوعين أسندت إليه مهمة وزير للدفاع بالوكالة إلى جانب وزارة الداخلية ، ليصبح بذلك المدير الفعلي لجميع القوات النظامية والميليشيات الحاملة للسلاح في غرب ليبيا. تم النظر إلى باشاغا طوال تلك الفترة على أنه أحد أبرز الدائرين في فلك الإخوان وضمن إطار المحور الإقليمي المرتبط بالإسلام السياسي وتطلعاته للسيطرة على ليبيا والمنطقة العربية إذ كان الحليف المقرّب من الدولة وأنقرة، وقائد الحملات الشرسة ضد العواصم المناوئة للجماعات المتشددة، كما وقع اعتباره كأحد أبرز أمراء الحرب وقادة الميليشيات، لكنه استطاع في العديد من المناسبات تقديم نفسه في صورة المقاوم الشرس للفساد سواء في مواجهة حكومة السراج أو حكومة الدبيبة، والمدافع الجسور عن فكرة حل الميليشيات. علاقات قوية في رصيد باشاغا مع عدد من أمراء الحرب، وفي ذات الوقت يرتبط بتحالفات مهمة مع عدد من أبرز القيادات الاجتماعية والميدانية غرب البلاد في الصيف الماضي قرر السراج إيقاف وزير الداخلية باشاغا احتياطيا عن العمل، ومثوله للتحقيق الإداري أمام المجلس الرئاسي. وكان عند صدور القرار في زيارة إلى أنقرة. ولدى عودته إلى عاصمة بلاده، قال للصحافيين “أنا لست ضد أيّ مجموعة ولا ضد أيّ فرد، أنا أتكلم عن حالة مرضية اسمها الفساد” وتابع “لا أريد هذا المنصب إذا كان لا بد أن أظلم الشعب الليبي لن أنحاز للفاسدين”. مضيفا “إن كنت داخل الحكومة أو خارجها، سأستمر بالعمل الوطني، وعليكم أنتم أن تكملوا هذه المسيرة من أجل بناء الوطن وبناء المؤسسات”. بعد أيام قليلة، وجد السراج نفسه مجبرا على السماح لباشاغا بالعودة إلى منصبه، كانت هناك مؤشرات توضح أن الرجل مؤهل لدور كبير خلال المرحلة القادمة، ففي نوفمبر الماضي وبينما كانت الأنظار تتجه إلى تونس حيث ملتقى الحوار السياسي في اجتماعه التأسيسي بإدارة المبعوثة الأممية بالوكالة ستيفاني وليامز، كان الرجل المثير للجدل يخترق جدار الصمت في اتجاه عاصمتين طالما اعتبرهما معاديتين لحكومته بمساندتهما لحفتر، وهما باريس والقاهرة. كشف باشاغا عن خطة لعملية أمنية تستهدف الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون في غرب البلاد، وبعد أيام قليلة تقدم إلى ملتقى الحوار السياسي المنعقد في جنيف بلائحة ترشح لقيادة المرحلة القادمة يجتمع فيها مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وأسامة الجويلي وعبدالمجيد سيف النصر، لكن تأثير تيار الإخوان ونفوذ أسرة الدبيبة قلبا المعطيات في اتجاه انتخاب اللائحة التي تضم محمد يونس المنفي وعبدالحميد الدبيبة وعبدالله اللافي وموسى الكوني. الرجل القوي باشاغا يقول لأنصاره إن ليبيا لن تخرج من أزمتها إلا بالحوار والتوافق بين الجميع باشاغا يقول لأنصاره إن ليبيا لن تخرج من أزمتها إلا بالحوار والتوافق بين الجميع في العديد من المناسبات أعلن باشاغا استعداده للترشح لمنصب أول رئيس منتخب لدولة ليبيا، وكان واضحا في رفضه لجميع العراقيل التي حاول البعض وضعها أمام الاستحقاق، ومدافعا عن قانون الانتخاب الصادر عن مجلس النواب في التاسع من سبتمبر الماضي، وفي الثامن عشر من نوفمبر الماضي أعلن رسميا عن تقدمه بملف ترشحه للسباق الرئاسي. كان مهتما بفكرة أن يتصدّر المشهد السياسي العام، وفي سياق ذلك أبرز أنه يعتزم تحقيق حل الجماعات المسلحة من خلال تنظيم التدريب المهني للمسلحين وفتح فرص عمل لهم من دون تمييز في مختلف المجالات، بما في ذلك الأعمال التجارية، وأن هدفه في حال فوزه بمنصب الرئيس يتمثل في “توحيد البلاد واستعادة هيبة الدولة وتكوين أجهزة أمنية منضبطة ومدرّبة“، مردفا “نحن ننطلق من أن أعضاء الجماعات المسلحة هم ليبيون، وسنعمل معهم من خلال خطط تدريبية، ونؤهلهم ليكونوا مفيدين في مختلف المجالات الحكومية“. وبيّن أنه يخطط لتحفيز المسلحين السابقين من خلال دعمهم لإطلاق مشاريع تجارية خاصة و”فتح فرص عمل أمامهم في مختلف المجالات من أجل إقامة دولة تسود فيها سيادة القانون، وتعمل المؤسسات الحكومية، وستكون هناك فرص متكافئة بين الليبيين من دون استبعاد أيّ شخص أو تمييز”. يمتلك باشاغا علاقات قوية مع عدد من أمراء الحرب، وفي ذات الوقت يرتبط بتحالفات مهمة مع عدد من أبرز القيادات الاجتماعية والميدانية في غرب البلاد، وهو يستند إلى وجاهته وحضوره في الحياة العامة في مصراتة، وإلى علاقات قوية تجمعه مع قوى أميركية مؤثرة وأطراف أوروبية فاعلة، بالإضافة إلى روابطه مع الأتراك والتي يقول إنها لا تمس استقلالية تصوراته لمصلحة بلاده حتى أنه بات من الوجوه المقربة من مصر، ولكن بالمقابل يبدي موقفا مناوئا لدور لندن التي يتهمها بدعم من يتهمهم بالفاسدين كمحافظ مصرف ليبيا الصديق الكبير، وبالسعي للتمديد لحكومة الدبيبة. قفز باشاغا إلى واجهة الأحداث كمؤثر أصلي في مجرياتها، حتى أنه بات يمثل صورة الرجل القوي في غرب البلاد، والقادر أكثر من غيره على توجيه كفة المصالحة والوفاق بين أبناء مدينته مصراتة، بالإضافة الى امتلاكه ناصية الجرأة في فسح المجال أمام المستقبل من منطلق الوعي بالتوازنات في كافة أرجاء البلاد، وهو ما أكد عليه من خلال سفره إلى بنغازي ولقائه مع حفتر وتأكيده على ضرورة التوافق بين مختلف الأطراف المؤثرة في المشهد الليبي: سابقا ولاحقا وغربا وشرقا وجنوبا، فليبيا لا تكون إلا بكل الليبيين، وذلك ما يشدد عليه باشاغا دوماً.

مشاركة :