سأل فرعون موسى وهارون (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى) طه (49)، فجاءت الإجابة على قدر السائل والمسؤول، السائل: حاكم ذو علم وجاه وشأن حضاري ومادي عظيم، المسؤول رسول من رب العالمين قيوم السماوات والأرض، (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50). - خَلْقَهُ: صورته اللائقة بخاصيته ومنفعته. - ثُمَّ هَدَى: أرشده وهداه إلى ما يصلح له. قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان قال: «أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به (الدال) على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره توسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلق له، وهذه الهداية الكاملة المشاهدة في جميع المخلوقات، فكل مخلوق تجده يسعى إلى ما خلق له من المنافع وفي دفع المضار عنه، حتى أن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من (الخِلْقة) ما يتمكن به على ذلك، وهذا كقوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) السجدة (7)، فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خَلْقها الحسن الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره (سبحانه وتعالى) إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قُدَّر أن الإنسان أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك» انتهى. فجميع المخلوقات والموجودات من الأحياء والجمادات، والظواهر الكونية، والقوانين الحاكمة لتلك الموجودات تثبت وتؤكد أنه لا مصادفة ولا عشوائية في الخلق بل تقدير وعلم، وإحكام لا تنكره العقول الصحيحة الصريحة. انظر إلى البذرة والحبة النباتية كيف خلقت بحكمة بالغة، فهي تحتوي الجنين الحي المكون من الجذير والرويشة والفلقات والغذاء المدخر الذي يكفي الجنين طوال حياته ووقت إنباته إلى أن ينفد الغذاء المدخر ويفطم الجنين ويتكون اليخضور (الكلوروفيل) الأخضر الذي يتولى تكوين الغذاء للنبات الجديد من الماء، وضوء الشمس والمعادن والأملاح وثاني أكسيد الكربون، وكلها خامات البناء الضوئي المتوافرة في البيئة المحيطة بالنبات الجديد، ومن العجيب أن الجذير يظهر أولا ويتجه إلى التربة بهداية الله تعالى له، وبما أعطاه من الخِلْقة والخلْق والهرمونات ليتولى جمع الماء والمعادن والأملاح من التربة. أما الرويشة فتتجه إلى أعلى حيث الهواء المحتوي على ثاني أكسيد الكربون والضوء. فمن قدر هذا؟ ومن خلق هذا؟! (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50). وبعد ذلك تتكون الأوراق المتجهة إلى الضوء بعملية علمية مقدرة ومقننة ومحسوبة ويتحكم في صفات الجذير والجذور، والرويشة والساق والأوراق هذا الجزيء الوراثي المعجز DNA الذي كتب الله تعالى فيه كل صفات النبات وتركيبه وفوائده ودورة حياته في إعجاز يؤكد أن الخالق أعطاه خواصه وتركيبه ليقوم بوظيفته في إحكام وإعجاز وتقدير كما قال تعالى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50). وأعطى الله تعالى للورقة النباتية الشكل الظاهري المناسب لوظيفتها، وأعطاها تركيبها الداخلي المقدر والمحكم وهيأها للقيام بعملية البناء الضوئي ووضعها في وضع زاوٍ على الفرع الذي خرجت منه بطريقة علمية تدل على الإحكام والعلم والتقدير الذي لا عشوائية فيه ولا مصادفة كما يدعي الدارونيون والملحدون والعلمانيون والماديون المنكرون لوجود الخالق العليم المقدر سبحانه وتعالى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50). انظر إلى الحيوانات اللبونة الولودة التي يبحث وليدها عن ثدى أمه بهداية عجيبة ليرضع ويبدأ الحياة، من علّم هذه القطة المولودة هذا السلوك العظيم، ومن علم الأم أن تحن على مولودها ولا تدهسه بقدميها ولا تنام على وليدها وتدافع عنه وتميزه، انظر إلى قطيع الأغنام كيف تميز كل أم وليدها ويتعرف كل مولود أمه من مئات الأمهات في القطيع (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لقمان (11). إن إجابة سيدنا موسى على فرعون إجابة جامعة مانعة شافية كافية لا تصدر إلا عن رسول مرسل من عند العليم الحكيم الخالق المقدر الهادي سبحانه وتعالى. انظر إلى العصفور كيف يبني عشه وينسجه بمهارة وإتقان بما يتناسب مع البيئة وخاماتها وما فيها من أعداء ومخاطر تهدد البيض والفراخ، وكيف يتناوب الأب والأم في رعاية الأبناء والدفاع عنهم وإطعامهم. انظر إلى القطة كيف تدافع عن صغارها وتحملهم إلى آمن الأماكن وتنقلهم من الأماكن الخطرة، من علمها هذا؟ ومن هداها إلى هذا؟ ومن وضع الحب والحنان في قلبها لصغارها؟! انظر إلى الحشرات التي تتخفى بالمماتنة والمشابه للأوراق والفروع النباتية المحيطة بها حتى تختفى عن الأعداء، هل يعقل أن هذا التركيب وهذا السلوك وجد بالمصادفة والعشوائية كما يدعي المنكرون لوجود الخالق العليم اللطيف المقدر للمخلوقات؟! انظر إلى بدنك وتركيبه المعجز في هيكلك العظمي وجلدك وبصرك وفمك وأسنانك وهرموناتك وجهازك الهضمي والعصبي ومخك، وكليتك المرشحة للدم والمنقية له من نواتج عمليات الأيض (أي الهدم والبناء) في جسمك. انظر إلى جهازك الهضمي ووجوده المعجز من فمك إلى نهايته. انظر إلى البيئة من حولك، الشمس التي تسطع كل يوم في مواعيد محددة ومقدرة ومعجزة وماذا يحدث للأرض إن غابت الشمس أو اختل دورانها؟ هل فكرت لو غابت الشمس كيف يقوم النبات بعملية البناء الضوئي وينتج الغذاء للإنسان والحيوان والفطريات والبكتيريا والمخلوقات غير ذاتية التغذية المحتاجة لمن يجهز لها الغذاء من خاماته الأولية في البيئة الأرضية التي هيأها الخالق وجعلها صالحة لحياة النبات والحيوان والفطريات والطلائعيات والأوليات والإنسان على الأرض. ماذا يحدث للبيئة الأرضية إن اختفت الفطريات والبكتيريا، إن حدث ذلك توقفت دورات الحياة وتكدست الأرض بالأموات من البشر والحيوان والنبات واحتبست الخامات الأرضية في تلك الأجساد واستحالت الحياة على الأرض. هل سألت نفسك ماذا يحدث لو فقد الماء خصائصه الفيزيائية والكيميائية فكيف تستمر الحياة على الأرض؟! لقد كانت إجابة سيدنا موسى على فرعون إجابة علمية تقدر العلم وتؤكد أن هذا القرآن معجز وهو من عند الخالق العليم اللطيف الخبير) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50) والحمد لله رب العالمين.
مشاركة :