حكاية فتاة اسمها كنزة

  • 12/30/2021
  • 00:00
  • 104
  • 0
  • 0
news-picture

“ أشجار ( الكاليتوس).. الصنوبر.. الزيتون.. كل أشجار الغابة.. الأزهار عند منبت الصخر.. ديار “ مزغنّة” في كثافتها.. شفافيّة العابرين من أعالي ( أوكُزيوم) إلى ضفّة الموج عند “ باب الجزيرة”.. أرصفة مرفأ “ باب بحَر”.. التي تسير أسرع من الصيادين الذين يجرّون شباكهم.. أجراس ( المرسى) التي تجوب سنةً عبر ليلةٍ لحلم الصياد.. غابة ( باينام) التي تنتظر أمام المنازل, والمنازل التي تنتظر عند حافة الغابة, وعلى أعالي ( القرية السماوية village Celeste ) على جبل ( بوزريعة) المطل على ( جزيرة النورس).. الكل ينتظر هذا اليوم الذي يستيقظ فيه النهار, ليعيد الركام إلى أمواجه.. ركام أكثر من قرن من الاستعمار.. يومٌ ويستيقظ معه فيء الشهداء”. بهذه اللغة الراشدة والمرشَّدة, المتبصّرة بأدائها الفنّي معنى ومبنى, غير المنحاز ظاهريًّا جهة العاطفة, جهة الحنين والوله وأحاديث الذكريات, رغم الحضور الطاغي للمكان, والذي يحضر طورًا متّقدًا بروح النضال, في ديار “ مِزْغَنّة” وجبال الأوراس, وطورًا بعجائبيّة الواقع وحكاياته, في “ وادي مزاب” وجبال عسير. أقول بهذا الأسلوب الراسخ في صفائه, المسرف في اختزاله لعباراته المنتقاة بحِرَفيّة وإتقان, النائي بنفسه عن الثرثرة ومغريات التداعي, تفتتح الكاتبة السعودية من أصل جزائري, مهدية رابح دحماني, سرديتها الموسومة بـ” كنزة”, والتي تتناول فيها, سيرة فتاة اسمها كنزة بنت سي عبد القادر, توزّعت حياتها بين المغرب والمشرق؛ الجزائر والسعودية, بعد أن كانت طفولتها قد توزّعت بين الذكورة والأنوثة, أب مناضل يصبّها في قالب جندي, وطفلة تحلم بلُعبة وبدبدوب, أمّا مسقط رأسها, فقد تقاسمته عصور من الاستعمار ثم الجلاء, و بعد ذلك إرهاب الإسلاميين, شأنه شأن كثير من البلدان العربية. تولد كنزة لأب ثائر على الاستعمار الفرنسي, ولمّا كان ينتظر مولودًا ذكرًا, عوض ابنه الشهيد, جاءته ( لَلَّا نسومر) خنساء الجزائر, تبشره بمولودة أنثى, وعلى وجهها ملامح الاعتذار, أخذها ولفّها بثياب أخيها الشهيد, وبصوتٍ تخنقه الدموع, يؤذّن في أذنها, ويتبع الأذان بالنشيد الوطني للجزائر: “ قسمًا بالنازلات الماحقات.. والدماء الزاكيات الطاهرات...” إلى آخر النشيد. ثم ينثر على مهدها حبات من ثرى الجزائر, وعند وسادتها حفنة من البارود, وبعد أن يغطيها بعلم الجزائر, يطلّ من النافذة على مقبرة الشهداء في سفح الجبل, ويصيح ملء صوته: زغردي يا خنساء الجزائر, اليوم ميلاد كنزة, وميلاد فاطمة نسومر لبؤة الجبل, وميلاد... ويمضي يعدّد جميلات الجزائر المناضلات. خنساء الجزائر التي وُلدت كنزة على يديها, هي التي فقأت عيني جنرال فرنسي بمنجلها, وهي التي ألقى جنود الاستعمار, برؤوس ثلاثة من أبنائها المجاهدين عند قدميها, فأنكرت معرفتها بهم, ولم تذرف دمعة واحدة, حتى لا يغتصب الجنود أرامل أبنائها, أو يستدلّون منها على مكان شباب المقاومة. في مجتمع خنساء الجزائر هذه, تولد كنزة ملفوفة بثياب شهيد.. وبأسلوب غاية في الإبداع والتأثير, تمضي الكاتبة تسرد تلك اللحظات, التي انتحى فيها المجاهد سي عبد القادر بمولدته كنزة, يوشوشها عن أسلافها المناضلين الأبطال, ويعد علم الجزائر بمجاهدة. وما كادت كنزة تبلغ السعي, حتى أخذها أبوها المجاهد لمعسكر التدريب, ليجعل منها فارسًا, وهي ما تزال في سنّ الخامسة, يشتري لها مُهرًا, ويعلمها كيف تخفي دموعها, من العيب أن يبكي أطفال قدامى المجاهدين, الذين اتخذوا من غابة “ الزغّارة” ثكنة, يدرّبون فيها أطفالهم على الكمائن وحرب العصابات. وبدلًا من المراجيح والألعاب التي كانت تحلم بها كنزة الطفلة, تُجبر على الانضمام لمعسكر الكشافة, لتصبح لعبتها الوحيدة, التدرب على استخدام الأسلحة, لكن الأنثى التي داخلها, تجعلها لا تقوى حتى على ذبح ديك, غير عابئة بخيبات سي عبد القادر ولا بعقابه. تكبُر كنزة, وبدلًا من أن تحمل في حقيبتها, العطور والمناكير, تحمل السكين والمخدّر وحبوب السّم, لتتخلص من نفسها, في حال عجزت عن الدفاع عن شرفها, إن هي وقعت في أيدي الإرهابيين.. وخلال إحدى الدورات في الكلية, تلتقي بأستاذها الشاعر السعودي ( أبو لحاف), فيجمع النصيب بينهما, ويطير بها إلى عسير, ليكون معظم الكتاب بعد ذلك, عن هذه النقلة الكبيرة, التي شهدتها حياتها في عسير, والكتاب من إصدارات نادي أبها الأدبي, ودار الانتشار العربي, ويقع في 424 صفحة. تعمل الكاتبة بالترجمة من الفرنسية ولها, صدر لها من المترجم: • أحد أعداد مجلة التنشيط السياحي بعسير ( موجز المنجز) إلى اللغة الفرنسية . • كتاب : رُجال ( ذاكرة قرية عربية) من العربية إلى الفرنسية لمؤلفه الأستاذ : علي مغاوي – 2010م . •-( هكذا غردوا ) ترجمة مختارات من الشعر الفرنسي. أصدره نادي جازان الأدبي عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) 2012م . •- الشعر الفرنسي – أنماطه وأشكاله. دراسة ، للأستاذة / عديلة بو تبِّينة، والنماذج الشعرية من ترجمة / مهدية دحماني . أصدره نادي نجران الأدبي الثقافي عن مؤسسة ( أروقة للدراسات والترجمة والنشر – القاهرة 2015) . •– نوافذ نائمة. نماذج شعرية من كل مرحلة من مراحل الشعر الفرنسي.إصدار: نادي أبها الأدبي ودار الانتشار العربي 2016م.

مشاركة :