التقيته بمدينة الخبر، وكنت في زيارة لها مع الأستاذ عبدالكريم الجهيمان عند زيارته لأصدقائه بالمنطقة وكان أحدهم إذ كان يصدر جريدة (الفجر الجديد) بعيد صدور جريدة (أخبار الظهران) الذي كان يرأس تحريرها الجهيمان. طلبت منه زيارته في منزله بالخبر والتسجيل معه ضمن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة) لمكتبة الملك فهد الوطنية فرحب بذلك وكانت زيارته يوم 12/3/1422هـ. تحدث عن ولادته وطفولته بالجبيل، ودور والده الشيخ يعقوب اليوسف وعلاقته بالملك عبد العزيز الذي أقنعه بالانتقال من قطر للمنطقة الشرقية لتولي القضاء وإدارة أول مدرسة ابتدائية تفتح بالجبيل على ضفاف الخليج العربي. ولنترك للأستاذ عبدالرحمن العبيّد رواية ترجمته التي كتبها في (الأدب في الخليج العربي) عام 1377هـ/1957م. « يوسف الشيخ يعقوب: شخصية متوقدة، وافرة الفكر والإحساس، ولد بالجبيل، وأتم دراسته الابتدائية فيها، ثم شغف بالمطالعة حتى برع في الكتابة، فأسهم في إحياء الحركة الفكرية في هذه المنطقة، وعني بكتابة البحوث الاجتماعية التي تدرس مشاكل المجتمع، وقد نشرها في بعض صحف الخليج والصحف المصرية، أسهم في مستهل شبابه بإحياء الحركة الرياضية وله مؤلف مطبوع عن (نظام الرياضة)، وقد تحول عنها إلى الصحافة حيث أسس بالاشتراك مع أخيه أحمد جريدة أدبية أسبوعية باسم (الفجر الجديد)، وقد صدر منها ثلاثة أعداد في مدينة الدمام ثم أوقفت وهي في خطوها الأول». •وترجم له الدكتور علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية.. المملكة العربية السعودية) ج2، ناقلاً ما سبق أن نشره العبيد في (الأدب في الخليج العربي) ومحيلاً إلى مجلة المنهل وكتاب (ساحل الذهب الأسود لمحمد سعيد المسلم). •كما ترجم له وكتب عن جريدة (الفجر الجديد) عثمان حافظ في (تطور الصحافة في المملكة العربية السعودية)، « الفجر الجديد: جريدة أسبوعية جامعة. يشرف على تحريرها نخبة من المثقفين هكذا جاء في صفحتها الأولى.. وجاء في ركن إحدى صفحاتها الداخلية، الفجر الجديد، جريدة أسبوعية جامعة تصدر مؤقتاً نصف شهرياً يحررها نخبة من الشباب المثقف، صاحب امتيازها ومدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب، ورئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب، والاشتراكات 25 ريالاً سنوياً و15 ريال عن ستة أشهر». وقد أوضح أحمد يعقوب صاحب الامتياز في افتتاحية العدد الأول تحت عنوان: (كلمة الأسبوع.. اعتراف لا بد منه) موضحاً خطة الجريدة وسياستها، والمتاعب التي لاقاها في تأسيس الجريدة، والأسباب التي دعت لإصدارها. وقد جاء في هذه الافتتاحية: «.. مرت حقبة طويلة على هذه المنطقة وهي تغط في نوم عميق منعزلة عن العالم وما يجري فيه من أحداث، وكان الأدب فيها آخذاً في الركود، أو الانزواء إلا من أقلام ضئيلة يخطها الكتاب في الصحف العربية البعيدة إن لم يذهب أغلبها في سلة المهملات لا لهزالها، بل لعدم الاهتمام بأدب الغير، وأن الصحافة تهيمن عليها النزعة الاقطاعية في الأدب، لكأن الأدب في مفاهيمهم هيكل مقدس لا يدخله إلا من يرضونه ما عدا بعض صحفنا الداخلية وصحف إحدى جاراتنا الشقيقة التي اهتمت اهتماماً بالغاً بإنتاج أدبائنا... ولما عزمنا على فكرة إنشاء صحيفة تخدم الوعي والأدب الشعبي، وتجاري قافلة الإصلاح في هذا العهد، وجدنا تشجيعاً عارماً من أصدقائنا ثم رحنا نقدم ونؤخر خطانا عندما سمعنا كلمات (طوباوية) من بعض الذين يثبطون الهمم والعزائم معللين أقوالهم الواهنة بشتى التعليلات المختلفة..». ومضى السيد يعقوب في حديثه عن إصدار (الفجر الجديد) ذاكراً ما وجده من تشجيع الأصدقاء.. وقال إن كلمات التشجيع القوية والحماس الشديد من الأصدقاء قد دفعه لإصدارها..». •وقد ترجم ليوسف الدكتور عبدالعزيز بن صالح بن سلمة في كتابه (اليمامة وكتابها من 1372 إلى 1382هـ) وقال بعد أن أحصى له 16 مقالاً في الأعداد الأسبوعية وقبلها عددين في الإصدار الشهري من اليمامة. وقال عنه في الهامش: « يوسف الشيخ يعقوب: أحد مثقفي وكتاب المنطقة الشرقية، نشرت المجلة في عددها الثامن من السنة الثانية شعبان 1374هـ/أبريل 1955م ص39، خبراً عن صدور الصحيفة التي أسسها هو وأخوه أحمد بالعبارات التالية: صدور الأعداد الأولى من الفجر الجديد لصاحبيها أحمد ويوسف الشيخ يعقوب وطبعت في المطبعة السعودية التي أنشأها خالد الفرج رحمه الله، وذكرت في العدد الخامس من السنة الأولى، في ربيع الثاني 1373هـ، يناير 1954م ص36، أن يوسف الشيخ يعقوب من الجبيل فاز بالجائزة السابعة للقصة التي نظمتها مجلة (صوت البحرين) وذلك عن قصته (ظلال القصور)، وابتداءً من العدد 30 نشرت له صحيفة اليمامة مقالات مطولة، عدد منها أتى في مكان الافتتاحية، بعضها باسمه الصريح وأغلبها باسم (فتى الخليج العربي)، وتذكر اليمامة في العدد 196 أنه مراسلها الخاص في المنطقة الشرقية «. •وقد جاء ذكر جريدة (الفجر الجديد) وترجمة لرئيس تحريرها في كتابي (رواد الصحافة المبكرة – صحافة الأفراد) من إصدار نادي تبوك الأدبي، وذكرت عنه: « عمل في شركة الزيت العربية (أرامكو) بالظهران عدة سنوات. تنقل في عدة وظائف حكومية في المحكمة الشرعية والشرطة والجمارك. •افتتح مكتباً للمحاماة في الخبر مع عبد الله الحقيل عام 1373هـ/1954م. •كتب في عدد من الدوريات المحلية والعربية، وله مساهمات في الحركة الرياضية. •أصدر مع شقيقه أحمد الشيخ يعقوب جريدة الفجر الجديد بالدمام عام 1374هـ. •كان يوقع مقالاته باسم (فتى الخليج العربي). •أنشأ مكتبة أهلية تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب الدينية والأدبية. •يكتب مقالاً أسبوعياً بجريدة اليوم بعنوان: (كلمات من القلب). من مؤلفاته: •نظام الرياضة. •قوس قزح، رواية اجتماعية. •تاريخ مدينة عينين ] الجبيل [. •فلسفة الخوف. •من أجل مكتبة أفضل. وذلك نقلاً من (معجم الصحفيين في المملكة، سمير مرتضى) •جريدة الفجر الجديد: صدر العدد الأول يوم السبت 11 رجب 1374هـ الموافق 5 مارس 1955م، وصدر العدد الثالث والأخير يوم السبت 9 شعبان 1374هـ الموافق 5 أبريل 1955م. كتب بها: الأساتذة: عبدالعزيز القاضي، عبدالله بن خميس، سعد البواردي، عبدالرسول الجشي، يوسف الشيخ يعقوب، حسن عبدالله القرشي، عبدالرحمن محمد المنصور، عبدالغني ناضرين، عبدالرحمن العبيد. كتب افتتاحية العدد الثاني أبو عمر: محمد الهوشان (نريد فكرة لا أسلوباً)، وافتتاحية العدد الثالث رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب بعنوان: (رئيس التحرير في قفص الاتهام) نختار منها قوله: « مزقوا هذه الصحيفة.. ودوسوها بنعالكم.. وابصقوا عليها.. عندما تشق طريقاً ينحو بها إلى الخطل والباطل!!..». وقد نشر أو اختار بعض رسائل القراء التي تتهم الجريدة بالجبن عن قول الحقيقة، والخوف أن تجرفه عجلة (الدولار) عن قول الصدق.. وقال: «.. وهنا أكتفي بنشر نموذج هذه الرسائل، وأحس برعدة تسري في مفاصلي، فقد عشت بجو هادئ، بعيداً عن هذه الاتهامات والتهديدات، قبل أن آخذ على عاتقي تحرير صحيفة في منطقة يشتد فيها التفكير والوعي الاجتماعي، .. فليعذروني وليقبلوا عذري فأنا لا أستطيع أن أتخطى الحدود المرسومة لهذه الجريدة، بل لهذا (الوليد) فلا مناص لي من الوقوف أمام الأمر الواقع.. فلولا صبري وإيماني بالرسالة العظيمة التي أحملها لهذا الوطن العظيم لحطمت قلمي ولمزقت الورق. فهذه الرسائل التي تطعن المحرر في كيانه والتي لو وجهت لغيري لأشرف على الجنون واليأس... فليكتبوا ما شاءوا لي من نقد أو تهجم فأنا أستحق كل سخط لو انحرفت عن الصراط المستقيم بل مزقوا هذه الصحيفة ودوسوها بنعالكم، وابصقوا عليها عندما تشق طريقاً ينحو بها إلى الخطل والباطل». يوسف الشيخ يعقوب. وبعد أن عرفته عن قرب وسجلت معه أهم المحطات المهمة في حياته العلمية والعملية طلبت منه تزويدي بشهادة مفصلة عن ظروف إصدار الجريدة وظروف إيقافها لأنني بصدد إعداد كتاب عن البدايات الصحفية بالمنطقة فرحب بالفكرة وبعد أيام وصلتني منه الرسالة التالية: يوسف الشيخ يعقوب هذا وقد استمر الأستاذ يوسف بكتابة مقاله الأسبوعي (كلمات من القلب) بجريدة اليوم حتى بلغ الثمانين من عمره فوهن عزمه، ولم نلبث أن سمعنا بوفاته رحمه الله يوم الأربعاء 17/10/1432هـ الموافق 15/9/2011م. والمعروف أنه من الأعضاء المؤسسين لجريدة اليوم في بداياتها مع عصر المؤسسات الصحفية 1383هـ/1963م. ولا ننسى أن الراحل قد عمل بعض الوقت في مكتب العمل عند إنشائه بالدمام برئاسة عبدالعزيز المعمر ولقي مع بعض العمال كثيراً من المضايقات من الشركة بسبب انحيازه لمصالح العمال ومطالبته بحقوقهم مما عرضه للسجن مرتين الأولى خمس سنوات، والثانية عشر سنوات، وبعد خروجه من السجن عمل بالتجارة، واستمر يكتب في جريدة اليمامة وأخيراً جريدة اليوم. وأخيراً تعرض في سنواته الأخيرة لأمراض كثيرة منها: فقده للذاكرة (الزهايمر). وقد كرمته الدولة من خلال وزارة الثقافة والإعلام ضمن رواد الصحافة السعودية، عند افتتاح معرض الكتاب الدولي بالرياض عام 1428هـ، وقد ناب عنه ابنه يعقوب. وقد أبنّه مركز حمد الجاسر الثقافي بعيد وفاته – رحمه الله – بتاريخ 1/11/1432هـ الموافق 29/9/2011م. أقامت خميسية الجاسر ندوة تأبين له شارك بها الأساتذة: سعد البواردي، ومحمد القشعمي، إدارة الدكتور موسى مبروك بحضور عدد كبير يتقدمهم ابنه الأستاذ سمير. شهادة رئيس التحرير.. في البدء كانت الكلمة، وكان الحرف!! بقلم: يوسف الشيخ يعقوب قبل أن أتلقى الرسالة الكريمة، المتفجرة من ينبوع تشجيع روح الثقافة والمعرفة، الذي يفتش القارئ للبحث عنه، في منطويات تاريخ المنطقة الشرقية، الذي أثاره ونبشه الأستاذ (محمد عبدالرزاق القشعمي) مسؤول الشؤون الثقافية بمكتبة الملك فهد الوطنية، في مدينة الرياض، منطلق الثقافة الكبرى إن شاء الله، ومن الصدف أن تلك الرسالة جاءت مشابهة للرسالة التي وردت لي من جريدة اليوم، وقمت بالرد عليها، وكان مضمونها حول بداية الصحافة في المنطقة الشرقية، التي كان لي الشرف أن أكون أحد كتاب زاوية الفكر والرأي فيها، منذ بدء إشراقة صدورها، والتي حملت رسالة الفكر والثقافة والأدب، واستمرار نشاطها والحمد لله حتى هذه اللحظة التي بادرت بإعداد هذه الرسالة الموجهة (لأبي يعرب) حول المشاركة بالكتابة عن بدايات الصحافة في المنطقة الشرقية، كشاهد للعصر الفكري الذي عشته وعاصرته وبالذات عن إصدار صحيفة (الفجر الجديد) وحمل رسالة تحريرها، أو بالأصح رئاسة صدورها وتحمل مسئوليتها، بمعاونة ومشاركة أخي (أحمد) رحمه الله، كنوع من المعاضدة، وحمل شرف قداسة الكلمة والحرف، وإبرازها ورفعها في ظروف تدعو لتحقيق ظهورها مهما كانت المتاعب المادية والفكرية ومهما كانت العقبات والتضحية، التي تقف في طريقنا في تلك الفترة الزمنية، للبارقة التي ستحقق لنا إضاءة الطريق لتلك التجربة، التي لا تتعدى ولا تخرج عن نطاق روح الإخلاص لتلك الرسالة التي حملناها، كمحاولة أدبية جادة لسباق الزمن والفرص، وبدافع عن نطاق روح الحاجة الملحة لذلك التعطش الذي لا يخرج أيضاً عن نطاق الإخلاص والمحبة لهذا الوطن الغالي، ولا غرابة في ذلك فمحبة الأوطان من الإيمان!! وعندما عدت لقراءة الرسالة الكريمة التي تحمل الكثير من المشاعر الوطنية التي دفعت الأستاذ (أبا يعرب) والتي قال فيها متسائلاً: (بعد مضي هذه السنوات الطويلة من العمر التي تقارب نصف قرن، هل أنتم راضون عن هذه التجربة؟). والجواب على ذلك، أن قداسة الكلمة والتفاني بمحبة الأوطان وروح الإخلاص للأهداف، هي التي مهدت الراحة والاستقرار النفسي لذلك الواجب الذي قمنا بتأديته في تلك التجربة الصعبة، التي سبقنا الكثيرون لها ممن تجردوا وعملوا من أجل المغامرة والتضحية بالغالي والنفيس لأجل نشر الثقافة والإصرار على محبة الوطن وراحة الضمير، وأرجو أن تكون هذه المشاعر دعماً وسنداً من بعض مشاعري نحو ما عزمتم تحقيقه من عمل ثقافي وأدبي وتاريخي له أبعاده لذلك الكتاب أو التأليف، الذي تنوون إخراجه ونشره، وتقديمه للقارئ الذي يتعطش لقراءته، حول البدايات الصحفية في المنطقة الشرقية، كما ألمحت عنه في تلك الرسالة الكريمة التي تلقيتها، وسوف تجدون ولا شك التقدير لكم بإنجاز ذلك العمل كخطوة أولى للعاملين في هذا القطاع الأدبي الفكري المشرف. إن هذا الطلب الذي ألح به الأستاذ (أبو يعرب) عن البدايات الصحفية في المنطقة الشرقية قد يحتاج إلى الكثير من التوسع الثقافي والتاريخي والجيولوجي أيضاً لكون هذه المنطقة لها دور واسع وبارز في العراقة لتاريخ الحضارات البعيدة التي تزيد على السبعة آلاف سنة لتاريخ الجزيرة العربية الحضاري فمن عهد بعيد عرفت فيه، دلمون، والفينيق، والآشوريين، والسامريين، وكانت الحدود تبدأ من حوض الرافدين شمالاً، وحتى هضاب الربع الخالي، أو واحة يبرين جنوباً، كما حددها علامة الجزيرة العربية ومؤرخها الشيخ (حمد الجاسر) – رحمه الله – في المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية من البصرة، حتى أطراف عُمان، فهذه المنطقة الشاسعة التي أتى عليها حين من الدهر، وتتالت عليها ظروف جيولوجية وحضارية مختلفة ومتعددة، ضاربة في أحقاب سحيقة من القرون الواسعة لتكوين إنساني وحضاري عرفه وحدده التاريخ البشري لتلك الحضارات، ويدعو الأمر إلى تنقيب واسع وجادّ عن تلك الآثار الشاسعة والواسعة، فهذه المنطقة لا زالت تحمل بصمات لآثار لا زالت تحت الرمال الكثيفة ولكن الأجهزة العلمية الحديثة كفيلة لاكتشافها وتحديد أزمانها، وأهميتها التاريخية والحضارية وبالذات على أطراف البحار والسواحل التي رفعت المفكر والمؤرخ الكبير (ابن خلدون) رحمه الله، يؤكد لهذا الجيل في فلسفة بروز الحضارات، بأن الحضارات تنشأ وتبدأ في التوسع والازدهار في الغالب على السواحل وقرب البحار والأنهار، وإن مثل هذه الأماكن هي ولا بد أن تكون منطلقاً للحضارات والأفكار العلمية، وقد حفظ التاريخ الشيء الضحل عمّا تناقلته الأجيال البعيدة، كما حفظ لنا البعض عن حضارة دلمون، أو البحرين وعن رحلة ذلك المغامر بما وثقته عنه تلك الرحلة الاكتشافية أو البحث عن المعرفة البدائية بزيارة جريئة وموثقة لدلمون، للبحث عن الأسباب المؤدية لخلود الحياة، واستفاد من تلك الرحلة بإجادة الغوص في أعماق بحر الخليج العربي وربما أن ذلك المكان على ساحل مدينة (الجبيل) التاريخية أو (عينين) التي عرفت بمغاصات اللؤلؤ فيها، وقد توهم ذلك الرحالة أنه اكتشف سر الوجود أو الخلود في أرض الخلود في هذ المنطقة، وكان اسم ذلك المغامر (جلجامش). وفي المنطقة الشرقية، القريبة من مدن الأحساء عرفت حضارة مدينة (الجرهاء) وقد تعرضت تلك المدينة التي اشتهرت بالثروة والغناء وأن أبوابها وسقفها مزخرفة بالذهب والفضة والجواهر الثمينة، وقد تعرضت هذه المدينة لغزو أحد ملوك الفرس، الذي أراد أن يحقق حلمه بالاستيلاء على هذه المدينة واحتلالها بالقوة ، وعندما رست سفنه قريباً من تلك المدينة شعر أهلها بذلك الخطر المحيط بهم، فهب رجال هذه المدينة للتخلص من ذلك الشر، فأرسلوا له بعض وجهائهم للتفاوض معه، وعندما تمكنوا من مواجهته على ظهر سفينته، تقدم له رئيس الوفد وخاطب الملك الغازي قائلاً: أيها الملك العظيم، خذ منا ما شئت من الأموال والجواهر والذهب والفضة، واترك لنا ما أعطاه ووهبه الله لنا، وهو الحرية والاستقلال، ولما سمع الملك ذلك القول الحكيم والشجاع، أحس بالخجل من نفسه، وأمر جنوده بالعودة إلى حيث أتوا، دون أن يتعرض لهم بأي سوء، وكان هذا الموقف من جانب أهل هذه المدينة، يدل على وعيهم وتمسكهم بالحرية والاستقلال، كما أن هذا الموقف مما يدل على أنهم سبقوا العالم في ذلك التاريخ، بتقديس الحرية والاستقلال. وأعود للرسالة التي تلقيتها من الأستاذ (محمد القشعمي) الذي جعلني أكبر روحه الثقافية ونظرته البعيدة باهتمامه الفكري الواسع الذي اختار السرب من الذين طلب منهم الاستعانة برأيهم، حول عزمه بالكتابة والتأليف عن بدايات الصحافة في (المنطقة الشرقية) ما دام أن لهم الدور الثقافي، بالأخذ بفكرة إصدار الصحف في المنطقة الشرقية، ذلك الاجتهاد والحماس الثقافي والأدبي، لتحقيق إصدار وخلق وإبداع أكثر من صحيفة، للحاجة الملحة التي دفعت بهم بتحقيق تلك الرغبة، لأهمية المنطقة من الناحية التاريخية، وكان خاتمة تلك الأعمال الثقافية من أولئك الشباب أو الرجال تحقيق تلك الأعمال الثقافية التي لا تقدر بثمن، لقداسة وقيمة الكلمة والحرف، فكان لهم الدور، في نفض غبار التخلف ووضع أساس القواعد العلمية والأدبية، التي تغلبت بتوجيهها لمحاربة الجهل والتخلف، كما صور ذلك الشاعر العربي في قوله: الجهل لا تبنى عليه أمةٌ كيف الحياة على يدي عزريلا ولا شك أن هذه الصحف التي صدرت شع ضوؤها في المنطقة وما حولها، فاتحة نوافذها لكل محبي الثقافة والأدب. وعودة ثانية لتحقيق ما طلبه الأستاذ في تلك الرسالة إكمالاً لتلك الرغبة بأنه استعان برأيي حول العزم بتأليف كتاب يتناول فيه البدايات الصحفية بالمنطقة الشرقية بدءاً من عام 1373 حتى 1382هـ إضافة إلى ما ورد في الرسالة، حول جريدة (الفجر الجديد) وما تحملته أنا وأخي أحمد رحمه الله الذي كان موظفاً حكومياً في كتابة عدل المنطقة الشرقية، شاكراً للأستاذ (أبا يعرب) اهتمامه بمساهمتي الثقافية، أنا وأخي أحمد، في بدء بواكير الصحافة في المنطقة (رغم عدم توفر الإمكانيات المادية، ولكنها روح التحدي والحماس لحمل المشعل لإنارة الطريق) كما يقول أبو يعرب، ومن منطلق أن هذه المشاعر، والكلمات وروح التقدير الدافعة، هي التي دفعتني أن أقدر له تلك الروح العربية، التي دفعته وحملته لكشف روح الإخلاص والتقدير للدوافع الوطنية بالإقدام لتنفيذ فكرة إصدار جريدة (الفجر الجديد) وكانت بالنسبة لإصدارها فرحة لا حدود لها، عندما استطعت إقناع أخي أحمد رحمه الله بتنفيذ فكرة التقدم، لصاحب الجلالة الملك (سعود بن عبدالعزيز) رحمه الله، ,وإدراكي الصادق والبعيد أنه من أحد المشجعين لمثل هذه الأعمال الثقافية والوطنية. وقد انتهزنا فرصة زيارتنا لجلالته في مدينة الرياض بعد العودة من أداء فريضة الحج بصحبة الوالد (الشيخ يعقوب اليوسف) رحمه الله أحد قضاة (الجبيل) - والذي رشح مديراً لأول مدرسة حكومية فيها – وقد نجحت الفكرة بموافقة جلالته بإصدار أمره الكريم للجهات المختصة بالسماح لنا بإصدار جريدة (الفجر الجديد) وكان اختيار ذلك الاسم تيمناً بعهده. وكانت موافقة جلالته فرحة بالنسبة لي ولأخي أحمد لا حدود لها، وعندما تم لنا إصدار الأعداد الثلاثة، كانت تلك الأعداد سابقة للعصر الذي حققته، أنا وأخي أحمد، وكان اهتمام الأستاذ (أبي يعرب) في تلك الرسالة الكريمة بالفجر الجديد وزميلاتها من تلك الصحف التي اختفت قد أدت رسالتها – ولا شك – في معالجة الكثير من الأمور الاجتماعية والوطنية، وساهمت ببناء روح النهضة الأدبية والعلمية في سلك الصحف الأخرى، بدءاً من عهد الملك عبدالعزيز – خلد الله روحه في الجنة – وأبنائه من بعده بما أبرزه وحققه المحررون والكتاب والأساتذة، الذين ساهوا في تلك الصحف. وكان اسم (الفجر الجديد) الذي اخترناه تفاؤلاً بتلك النهضة العلمية والفكرية التي بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز الموحد الأول لأطراف المملكة، وتثبيت أعمدة العلم والمعرفة، وتطبيق روح التحضر المستمد من الشريعة الإسلامية السمحاء التي لا زالت المنطلق الأول والأخير بالتمسك بها. وبعد: إن المتاعب النفسية التي واجهتها وأخي (أحمد) رحمه الله بعد إيقاف (جريدة الفجر الجديد) الذي شبه أحد المازحين ذلك الإيقاف بقصة (سنمار) التاريخية، ولكن الذي أزاح سحب تلك المتاعب الثقيلة، وفجر الفرحة في قلوبنا – بما في ذلك الآباء والأمهات والأطفال الذين كنا نعيلهم – صدور بيان الديوان الملكي الكريم، الذي أعاد وحقق الثقة بنا وبكرامتنا كما نص بذلك البيان المنشور في الصحف المحلية بتاريخ ربيع الأول عام1395هـ وجاء في النص ما يلي: (أسوة بما قام به المغفور له جلالة (الملك فيصل) طيب الله ثراه، من إطلاق قسم من المعتقلين في قضايا سياسية، والسماح لبعض الذين فروا من بلدهم هرباً من تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم بالعودة لوطنهم، ونظراً لأن جميع من عفي عنهم أصبحوا عناصر طيبة، وساهموا بإخلاص في خدمة دينهم ووطنهم، فقد أمر حضرة صاحب الجلالة (الملك خالد بن عبدالعزيز) بإطلاق سراح جميع الباقين من المعتقلين المحكومين، والعفو عن جميع الموجودين في الخارج من المتهمين والمحكومين في قضايا سياسية، ودعوتهم للعودة إلى وطنهم ليساهموا جميعاً، في خدمة البلد وتطوير ازدهاره.) وإن هذا البيان الكريم الذي شمل الجميع بالعفو، الذي حقق الفرحة في قلوبنا ونفوسنا وجميع أهلنا الذين رفعوا أياديهم إلى السماء بالدعاء إلى الله أن يحفظ ويديم حكومتنا الرشيدة بعطفها على أبنائها مشيدة بذلك البيان بأن جميع من عفي عنهم عناصر طيبة ساهمت بالإخلاص في خدمة دينهم ووطنهم. وختاماً وحتى أوضح ما طلبه مني الأستاذ (أبو يعرب) في رسالته، بأن أعطيه معلومات واسعة تتعلق بجريدة (الفجر الجديد) وإكمالاً لهذا البحث، فقد كان لموقف الأستاذ (خالد الفرج) رحمه الله الدور الكبير في حل مشكلة طباعة الجريدة في مطابعه التي كانت تعمل في مدينة (الدمام) فقد أوعز إلى ابنه (محمد) وكلفه بطباعة الجريدة عنده، وكنا ننوي طبعها في البحرين. وقد رحب غاية الترحيب. كما أن الشيخ (حمد الجاسر) رحمه الله عندما سمع بالسماح لنا بإصدار الجريدة بارك لنا ذلك وأبدى الاستعداد بطبعها في مطابعه بمدينة الرياض، وقد شكرنا له هذه الروح الوطنية. وكنت آنذاك من أحد الذين يكتبون في (اليمامة) وعندما بدأنا في طبع الجريدة وجدنا إقبال القراء عليها، ضاعفنا العدد الثاني على ثلاثة آلاف نسخة، أما العدد الرابع الذي جرى إيقافه ومصادرته من قبل مدير الأمن العام والذي لم يوضح لنا الأسباب، فقد كانت الأعداد الجاهزة للتوزيع أربعة آلاف نسخة. أما عن اسباب الإيقاف الذي طلب الأستاذ (أبو يعرب) معرفة ذلك، فحتى الآن لم نعرف تلك الأسباب؟ وقد كثرت التخرصات والأقاويل، فمنهم من خمن أو ظن، أن الحديث أو المقابلة التي تمت بين الأستاذ (محمد الهوشان) أحد المحررين في الجريدة ورئيس أرامكو المستر (باركر) حول البترول، وقلة عدد توظيف السعوديين، وعدم تشجيعهم ربما أن ذلك قد ضايق رئيس الشركة، ولكني أستبعده ولا أظنه، فقد كنت مستمعاً لذلك النقاش، والمقابلة الطيبة، دون أن تبدو منه أي مضايقة، بل رحب كثيراً في تلك الزيارة والحديث الشيق معه. وقد وعد بتشجيع الجريدة ما أمكن بالإعلانات، وما يتعلق بالنفط. وقد عرف عنه أنه من خيرة الرؤساء الأمريكيين الذين عملوا في المملكة. ومهما كانت الأسباب حول إيقاف الجريدة، فنحن على ثقة أن المواضيع الأدبية والثقافية والتعليقات التي نشرناها، تؤكد الروح والمشاعر الطيبة، ومدى اخلاصنا ومحبتنا للوطن. وتأكيداً وإيضاحاً للتاريخ، فإنه بعد فترة من إيقاف العدد الرابع، وفي زيارة من أخي أحمد لسمو أمير المنطقة الشرقية المرحوم (عبدالعزيز ابن جلوي) [نيابة عن والده الأمير سعود بن جلوي لسفره للعلاج بالخارج] طلب من أخي أحمد إعادة طبع ونشر الجريدة ولكن أخي اعتذر من ذلك وشكر لسموه تلك المشاعر والاهتمام تاركاً الأمر إلى فرصة أخرى.
مشاركة :