الازدياد الكبير في اعتمادنا على التكنولوجيا جعل الحياة أثناء الجائحة أسهل وأكثر أمانا. لكن المشرعين بدؤوا يتساءلون: ما ثمن ذلك؟ وفي الأثناء تعرضت شركات التكنولوجيا العملاقة لضغط كبير في أوروبا وأمريكا للحد من نفوذها. مع الإغلاقات المتتالية، يزداد اعتماد البشر على التقنية في حياتهم، وتزداد مع ذلك قوة شركات التقنية الكبرى عام جديد على الأبواب، ولكنه بفضل المتحور أوميكرون، سيجلب معه احتفالات بالعام الجديد تنحصر في مكالمات الفيديو وتبادل التهاني رقمياً، بالإضافة إلى شهادات التطعيم الإلكترونية، التي أصبحت أمراً طبيعياً خلال عام 2021. وتقول فريدريكه كالتهوينر، الباحثة في سياسات التقنية ومديرة الصندوق الأوروبي للذكاء الاصطناعي، وهي مؤسسة غير ربحية تركز على دور الذكاء الاصطناعي في أوروبا، إن "الكثير من التقنيات تم تبنيها في وقت كنا نظن فيه أن الأمر لا يتعدى كونه حالة طارئة قصيرة الأمد". وأضافت كالتهوينر في حوار مع DW: "أعتقد أن 2022 ستكون السنة التي ندرك فيها أن ذلك لن يختفي". على الجانب العملي، يعني ذلك أنه في الوقت الذي أدت فيه الإغلاقات واضطرابات سلاسل التوريد إلى ضغط كبير على قطاعات التجزئة والخدمات والصناعة، أعلنت شركات التقنية العملاقة عن تحقيق أرباح غير مسبوقة ونمو مستمر. ما بين المعدات التقنية والدعاية والرقمنة والسيارات ذاتية القيادة، فإن عمالقة وادي السيليكون، مثل "ألفابت" و"آبل" و"أمازون" و"ميتا" و"مايكروسوفت" ، بدأت تزاحم بعضها البعض بشكل متزايد، وذلك بحسب ألكسندر فانتا، الصحافي المتخصص في السياسات التقنية للاتحاد الأوروبي لدى موقع "نيتزبوليتيك" الألماني المعني بالتقنية وأخبارها. ويضيف فانتا لـDW أن "قوة هذه الشركات تكمن في أنها متعددة التخصصات. فهي تحاصر أسواق مختلفة، ومن ثم تستخدم النفوذ الذي حققته في سوق ما للسيطرة على سوق أخرى". تأثرت معظم القطاعات التجارية بجائحة كورونا وتعطيل سلاسل التوريد، إلا أن القطاع الرقمي حقق أرباحاً غير مسبوقة "فيسبوك" تحت المجهر النموان الأفقي والعمودي جعل تلك الشركات شوكة أكبر في خاصرة الهيئات التنظيمية، إذ بات من الصعوبة بمكان الإحاطة بكافة نشاطات شركة واحدة. كما أن الثروة والنفوذ المتعاظمين لذلك العدد المحدود من الشركات يمثل مشاكل كبيرة، سواء للناس أم للشركات الأخرى العاملة في المجال الرقمي. كما أن نموها وضعها في منافسة مباشرة مع بعضها البعض، وهذا ما كان واضحاً في أبريل/ نيسان، عندما هاجمت الشركة المعروفة سابقاً باسم "فيسبوك" تحديثاً برمجياً لشركة "آبل" أعطى المستخدمين إمكانية إيقاف خاصية التتبع الإعلاني، والتي تعتبر الركيزة الأساسية لنموذج تحقيق الدخل لدى عملاق مواقع التواصل الاجتماعي. وعندما لم تحقق الشركة، التي غيرت اسمها مؤخراً إلى "ميتا"، الهدف المرصود للإيرادات في الربع الثالث من العام، لام المدير التنفيذي للشركة، مارك زوكربرغ، شركة "آبل". لقد قضت "ميتا" جزءاً كبيراً من العام تحت عدسة المجهر، وكانت بذلك أقوى مثال على التقلب الذي حصل في المزاج العام تجاه شركات التقنية العملاقة. فتزايد الإحباط العام من ممارسات الشركة انتهت بتقديم دليل لا غبار عليه، عندما قدمت موظفة سابقة سلسلة من الوثائق تفضح ممارسات مثيرة للجدل داخل الشركة. لكن إعادة تسمية الشركة نجح بشكل ما في إلهاء الرأي العام في الوقت المناسب لإنهاء العام. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني، قدم مارك زوكربرغ نظرته لـ"الميتافيرس"، وهي تجربة رقمية شاملة تحاول الشركة تسويقها على أنها التطور القادم للإنترنت. لم يكن الجميع مبهورين بذلك، إذ تقول كالتهوينر: " لا يوجد ميتافيرس .. إنها مجرد طريقة لطيفة للحديث عن المشاكل الحالية التي نواجهها. نحن نرى ذلك في الفعاليات، إذ يستخدم الناس هذا المصطلح على الرغم من أن لا أحد يعرف ما يعنيه. لو كنت في مكان فيسبوك، لكنت قد أعدت تسمية العلامة التجارية أيضاً، لأنها لم تكن جيدة على الإطلاق". صعود الهيئات التنظيمية بالرغم من ذلك، فإن هذه الحركة تطرح سؤالاً حول ما إذا كانت الهيئات التنظيمية مؤهلة لمواكبة هذا النوع من التفكير الإبداعي طويل الأمد، والذي هو في قلب شركات التقنية العملاقة. وبحسب الكثير من الشهادات، فإن تلك الهيئات لم تحاول بشكل أكبر من اليوم. فخلال هذا العام، تمكنت مفوضة الاتحاد الأوروبي لقضايا المنافسة في السوق، مارغاريته فيستاجر، من تحقيق تقدم كبير في حملتها لإخضاع تلك الشركات للرقابة: من خلال مسودة قانون الأسواق الرقمية، وقانون الخدمات الرقمية، وهما تشريعان هامان تم تقديمهما في نهاية عام 2020، وعبرا أدوار النقاش والتصويت بسرعة مفاجئة. قانون الأسواق الرقمية يهدف إلى إجبار ما تسمى بـ"الشركات حارسة البوابة"، مثل "غوغل"، لعرض المزيد من الفرص المتساوية أمام المنافسين الذين يعتمدون على منصاتها الإلكترونية. كما أن قانون الخدمات الرقمية سيوفر تنظيماً أكبر للمحتوى غير القانون الموجود على المنصات الإلكترونية. ومن المفترض أن تنطلق المفاوضات الرسمية في يناير/ كانون الثاني عام 2022. وكانت فيستاجر قد عبرت عن أملها في أن مسودات القوانين قد تصبح قانوناً قبل نهاية دورة البرلمان الأوروبي الحالي عام 2024. وقالت فيستاجر، على هامش منتدى "إف تي إتنو" للتقنية والسياسة في نوفمبر/ تشرين الثاني: "من المهم أن يدرك الجميع بأن من الأفضل أن نحصل على 80 في المائة الآن، بدل ألا نحصل على 100 في المائة إطلاقاً... هذه طريقة أخرى لأقول إن الحل المثالي لا يجب أن يكون عدو الحل الجيد جداً جداً". سرعة إقرار تلك القوانين مشجعة، ولكن البعض يقول إن السرعة ربما جاءت على حساب العواقب الفعلية، والتي يمكن أن تترجم إلى مفاوضات مطولة مستقبلاً. تسعى مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الأسواق والمنافسة، مارغاريته فيستاجر، إلى كبح جماح عمالقة التقنية داخل الاتحاد بالقانون تشديد دولي أوروبا ليست وحدها في تشديد الإجراءات على عمالقة التقنية. فقد جلب هذا العام معه تشديداً على شركات التقنية الكبرى في الصين، ورئيسة جديدة لهيئة التجارة الفدرالية الأمريكية، التي برز اسمها بسبب دعواتها إلى توسيع نطاق التشريعات المضادة للاحتكار لتشمل شركات تقنية كبرى مثل "أمازون". وبعد أقل من شهر على تعيين لينا خان رئيسة للهيئة الأمريكية، تقاعد جيف بيزوس من إدارة "أمازون". كما تخلى مؤسس "تويتر"، جاك دورسي، عن دفة قيادة الشركة. ومن بين شركات التقنية الكبرى، فإن المؤسس الوحيد الذي بقي على رأس شركته حتى الآن هو مارك زوكربرغ. في هذا الصدد، يشير الصحافي فانتا إلى أن "تخليهم عن مناصبهم علامة على التوتر"، ويتوقع أن تشهد الولايات المتحدة تشريعات هامة، لاسيما وأن كبح جماح عمالقة التقنية بات قضية تهم الحزبين الرئيسيين هناك (الديمقراطي والجمهوري). بعد أقل من شهر على تعيين رئيسة جديدة لهيئة التجارة الفدرالية الأمريكية، استقال مؤسس "أمازون"، جيف بيزوس، من منصبه الإداري في عملاق التجارة الإلكترونية عام جديد .. دينامية جديدة أما ما تخبئه السنة الجديدة، فلا يبدو أن هيئات الرقابة أو الشركات ستتراجع عن مواقفها. كما أن أصواتاً في عالم التقنية بدأت تناضل وترتفع من أجل المصلحة العامة، إلا أن لوبي شركات التقنية العملاقة لا يزال قوياً. حول ذلك يقول ألكسندر فانتا: "قد تواجه (شركات التقنية) هذا التحدي. لا أتوقع أنهم سيتخلون عن مواقعهم المتميزة في الأسواق". كريستي بلادسون/ ي.أ
مشاركة :