يصعب تعميم ممارسات إدارية على أي مجتمع، إلا أنه لا يصعب ملاحظة وجود ممارسات لها صفة الاستمرارية حتى تكاد تتحول إلى عادات أو قوانين غير مكتوبة. وقد يغرق المسؤول في بحر المهام اليومية ولا يجد الوقت الكافي للتغيير. ومن هذه الممارسات ما يلي: 1- تحديد الرسالة والرؤية: يلاحظ في منظمات إدارية كثيرة غياب الرؤية المستقبلية التي تريد المنظمة الوصول إليها على الرغم من وضوح رسالتها ومهامها التي أُنشئت من أجلها. إن تحديد رؤية مكتوبة ومتفق عليها داخل المنظمة يساعد في تحديد الأهداف والخطط التنفيذية، وتحقيق الإنجازات وتقييمها بمعايير مهنية. إذا كانت الرؤية غير موجودة فما هي الأهداف بعيدة المدى – بعد عشر سنوات أو عشرين سنة مثلاً- التي يعرفها ويؤمن بها ويعمل من أجلها جميع منسوبي الجهاز؟ يلاحظ في منظمات إدارية كثيرة غياب الرؤية المستقبلية التي تريد المنظمة الوصول إليها على الرغم من وضوح رسالتها ومهامها التي أُنشئت من أجلها. إن تحديد رؤية مكتوبة ومتفق عليها داخل المنظمة يساعد في تحديد الأهداف والخطط التنفيذية، وتحقيق الإنجازات 2- الصفحة الجديدة: هناك اعتقاد سائد لدى كثير من المتابعين أن المسؤول الجديد يعمل منذ البداية على إلغاء كل صفحات الخطط والمشروعات السابقة وفتح صفحة جديدة. وهذه قضية جدلية، إذ يرى البعض أن المسؤول الجديد معه حق في البدء من جديد لأنه جاء من أجل التجديد والتغيير برؤية مختلفة. ويرى آخرون أن التجديد مطلوب ولكن هذا لا يعني إيقاف كل المشروعات السابقة، وإعطاء الانطباع بأنها كانت غير مفيدة. أكثر الأجهزة في المملكة التي عانت من هذه الإشكالية هي وزارة الصحة، ووزارة التعليم، ووزارة الإسكان. الحل هو اعتماد خطة استراتيجية للجهاز لا تقل مدتها عن خمس سنوات تتفق مع مدة الخطة الخمسية للدولة، مع وجود مرونة تتيح للمسؤول التغيير والتكيف مع المتغيرات الجديدة، وتطوير آليات التنفيذ. 3- الهيكلة التنظيمية: هناك اعتقاد سائد أن تحويل الجهاز من رئاسة، أو معهد، أو هيئة، إلى وزارة كفيل بإيجاد الحلول وحل المشكلات. اعتقاد لم تثبت التجارب صحته. ومع ذلك يلاحظ في المنتديات الإدارية وبعض الكتابات الصحفية أن فكرة إنشاء وزارة أو هيئة عليا تسيطر على تفكيرنا وتوجه الحلول المطروحة في مسار التنمية الإدارية الأمر الذي أدى إلى الترهل الإداري، وتضخم الهيكل التنظيمي. إن تقصير الجهاز المسؤول يعطينا المبرر لمحاسبة هذا الجهاز وتطويره، ولكنه لا يعطينا الحيثيات التنظيمية الموضوعية لإنشاء جهاز جديد. وفي هذا الباب أيضاً يبرز موضوع افتتاح الفروع بمبررات ليست مقنعة في كل الأحوال خاصة مع التطور في استخدام التقنية. 4- استثمار الموارد البشرية: في داخل كل جهاز كفاءات بشرية تملك الحماس والمهارات والطموح ولها رصيد متميز من الإنجازات والمبادرات. ومع ذلك حين تتوفر فرص للترقية وإسناد مسؤوليات قيادية يتجه الجهاز إلى الخارج للبحث عن الكفاءات المطلوبة. الاستقطاب من خارج الجهاز ليس عيباً، والهدف منه البحث عن الإضافة. المشكلة هي المبالغة في هذا التوجه على حساب كفاءات داخل الجهاز مؤهلة لمسؤوليات أعلى. وفي هذا الإطار أيضاً يحدث في بعض الأجهزة وضع العبء على شخص واحد يحظى بثقة الرئيس. وهذا أسلوب قد يفيد الرئيس لبعض الوقت ولكنه لا يفيد الجهاز على المدى البعيد. 5- الشفافية الناقصة: قد تكون الشفافية هي أحد المبادئ الادارية المكتوبة والمتفق عليها داخل التنظيم لكنها لا تمارس بشكل كامل. مثال ذلك ما يحصل عند حدوث الأخطاء الطبية. ومن المؤسف أن الدول العربية تأتي في الموقع المتوسط في موضوع الشفافية حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية. أصبحت كثير من الأجهزة مقيده بعادة التبرير وعدم الاعتراف بالأخطاء. ورغم وجود متحدث رسمي ألا أنه يتعامل مع الإعلام بتحفظ، وبخطاب إعلامي لا يبادر بل يستجيب للضغوط. وقد جرت العادة في حالة وقوع أخطاء وحوادث إلى تشكيل لجان تحقيق تضم في عضويتها الجهات المتهمة، وليس الجهات الحيادية ذات الاختصاص. 6- أسلوب إطفاء الحرائق: وهذا أسلوب قديم ومستمر بدليل تكرار المشكلات الموسمية. هذا التكرار دليل على أن المشكلة يتم التعامل مع نتائجها في وقتها بحل موقت دون معالجة أسباب المشكلة. هذا النمط الإداري مؤشر على أن بيئة العمل لا تشجع تقديم المبادرات، والحلول الإبداعية. 7- الجوانب الإنسانية: يخضع بعض المديرين لقوانين تقيدهم وتمنعهم من الاختلاط مع الموظفين، ثم تلصق بهم تهمة عدم التواضع، وعدم المشاركة الإنسانية مع زملاء العمل. تلك القوانين تخبرهم أن المدير العام أو رئيس الجهاز أو حتى مدير الإدارة يجب أن ينعزل في مكتبه وأن يحاط اللقاء به بشيء من البروتوكول حتى يكون له هيبة! ولكن ماهي الفائدة إذا كان له هيبة وليس له احترام؟ التواضع صفة لها أهمية وأولوية لدى الناس حين يطلب منهم تسجيل انطباعاتهم عن المسؤول. 8- تنظيم الندوات والمؤتمرات: من المنطقي أن تستخدم لجان تنظيم الندوات والمؤتمرات المعايير المهنية في اختيار المتحدثين ورؤساء الجلسات. في بعض الحالات يتدخل معيار المنصب الرسمي في هذا الموضوع. ثم ينصب الاهتمام على الافتتاح وعلى الجوانب البروتوكولية. أما الاهتمام بالجوانب العلمية ومتابعة تنفيذ التوصيات فهو يحتاج إلى تعزيز. بعض المؤسسات التعليمية تنظم ندوات ومؤتمرات متتابعة وتحظى بوهج إعلامي قوي يدفع إلى التساؤل عن النتائج التي تحولت إلى واقع. 9- الإنصات: يرى بعض الرؤساء أنه يجب أن يتكلم أكثر مما يستمع. ربما يرجع هذا السلوك إلى الاعتقاد بأن من يملك الصلاحية الإدارية هو الوحيد الذي يملك المعرفة والرأي السديد. 10- بناء الإمبراطورية: هناك مهام محددة تكلف بها لجان ومجالس. لا تحتاج هذه اللجان والمجالس إلى مبنى مستقل أو أعداد كبيرة من الموظفين خاصة مع استخدام التقنية الإدارية. لكن هذه الإدارات تكبر في حجمها ومبناها وميزانيتها. من ضمن نصائح المرحوم بإذن الله الدكتور غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة نصيحة تقول (لا ينبغي للرئيس الإداري – مهما كان تعلقه بالمؤسسة التي يرأسها- أن يختلق جدوى لا توجد، وأن يحرص على توسع لا ينفع). تلك بعض الملاحظات التي تستحق كل واحدة منها المزيد من التفصيل والتحليل. ملاحظات لتذكير القياديين والمديرين بأهمية فك قيود بعض العادات الإدارية التي لم يصدر بها قانون ملزم.
مشاركة :