حتى مع قرار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سحب ملف التحقيق في مجزرة منطقة جبلة في محافظة بابل من وزارة الداخلية وإسناده إلى جهاز الأمن الوطني، ما زال الغموض والتضارب في المعلومات متواصلاً بشأن الحادث التي وقعت، مساء الخميس الماضي، وأودى بحياة عائلة مؤلفة من 20 شخصاً، وضمنهم ما لا يقل عن 7 أطفال. ومن بين المعلومات التي اضطر جهاز الأمن الوطني إلى نفيها، تلك المتعلقة باعتقال عدد كبير من عناصر قوات النخبة «سوات» التابعة لوزارة الداخلية لتورطهم في الحادث، وكذلك هناك معلومات عن قيام بعض الأجهزة الأمنية والإعلامية في وزارة الداخلية بتضليل الرأي العام، وتقديم معلومات غير دقيقة بشأن الحادث. وقال الجهاز في بيان أمس: «في الوقت الذي لا تزال فيه التحقيقات جارية، وبإشراف السلطات القضائية، حول حادثة ناحية جبلة في محافظة بابل تخرج إلينا بعض التصريحات والأخبار العارية عن الصحة، بخصوص الإجراءات المتخذة بحق بعض الأشخاص والتسميات». وحتى مع بيان النفي بخصوص اعتقال بعض عناصر الشرطة، فإن الثابت في قضية الحادث حتى الآن، هو أنه أدى إلى إطاحة قائد شرطة بابل اللواء علي هلال جاسم تعيين اللواء خالد تركي جهاد الشمري خلفاً له. ويبدو أن التعقيد المرتبط بتفاصيل الحادث دفع رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري إلى زيارة مكان الحادث، يوم أمس، لمتابعة آخر التطورات والنتائج التي تم التوصل إليها من خلال سير التحقيق بخصوص الحادثة والوقوف على ملابساته. ويرى مراقبون محليون أن «تكليف جهاز الأمن الوطني بدلاً عن وزارة الداخلية يكشف عن عدم ثقة رئيس الوزراء بقيام الأخيرة بإجراء متوازن ومهني لتورط عناصر تابعة لها بالحادث». ومن المتوقَّع استمرار الغموض والاضطراب بشأن ما جرى، قبل أن يستكمل جهاز الأمن تحقيقاته وإعلانها للجمهور، وليس من الواضح متى سيتم ذلك. وفي وقت لاحق، أمس، أكد رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، إلقاء القبض على بعض المتهمين في مجزرة جبلة. وقال الشطري في تصريحات صحافية إن «التحقيقات في قضية مجزرة جبلة شارفت على الانتهاء وسيتم إعلان النتائج أمام الرأي العام». وأكد «إلقاء القبض على بعض المتهمين، وتم تدوين إفادتهم»، لكنه لفت إلى عدم إمكانية «البوح بكل التفاصيل لحين انتهاء التحقيقات». وكانت الرواية الرسمية التي قدمتها أجهزة الأمن التابعة للداخلية ادعت أن قوة من الاستخبارات داهمت منزلاً لتاجر مخدرات يؤوي اثنين من الإرهابيين في منزله. غير أن التفاصيل اللاحقة أظهرت رواية تتقاطع تماماً مع الرواية «الزائفة» الأولى، حيث تبيّن من مصادر كثيرة، أمنية وصحافية ومن أقارب الضحايا، أن مفرزة من الاستخبارات تعمل في مجال مكافحة المخدرات جاءت من العاصمة بغداد لإلقاء القبض على رب الأسرة، رحيم كاظم الغريري، بذريعة متاجرته في المخدرات، وإيوائه لإرهابيين، ومن دون علم محافظ بابل. وكذلك تبين، بحسب أقارب الضحايا، أن الرأس المدبر للهجوم كان نسيب الغريري النقيب شهاب عليوي طالب الذي يعمل في مديرية مكافحة المخدرات، نتيجة خلافات عائلية بينهما. وما زال النقيب هارباً بعد وقوع الجريمة. وتظهر الصورة التي نشرتها وسائل إعلام مختلفة لمنزل الضحايا حجم الأسلحة التي استخدمت في العملية، وتفيد بعض المعلومات بأن القوة التي هاجمت المنزل كانت بإمرة ضابط برتبة عقيد واستخدمت أسلحة متوسطة وثقيلة وقنابل غازية لاقتحام المنزل، ما أدى إلى قتل واختناق جميع أفراد العائلة. وما زال الحادث المروع يثير المزيد من النقاشات والجدل بشأن عمليات الاعتقال التعسفية التي تتهم بها القوات الأمنية، وكذلك يثير المزيد من مشاعر القلق حول وجود أعداد غير قليلة من العناصر غير المنضبطة داخل الأجهزة الأمنية التي تستثمر رتبها ومناصبها لتحقيق أهدافها الخاصة. بدورها، رأت مفوضية حقوق الإنسان، أمس، أن «كل عملية اعتقال بالإمكان أن تكون جبلة أخرى». وشدد عضو المفوضية علي البياتي على ضرورة أن «تقلل مؤسسات الدولة إصدار مذكرات إلقاء القبض، وتكون حذرة في تنفيذها باستخدام القوة، وأن تكون هنالك بدائل أخرى أكثر مراعاة لحقوق الإنسان والضمانات القانونية، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته». وأعلنت نقابة المحاميين في العراق، أمس (الأحد)، أنها بصدد تشكيل لجنة لغرض الوقوف إلى جانب ضحايا «مجزرة جبلة». وقالت النقابة في بيان إن «خطورة هذه الجرائم البشعة قد ارتكبت من قبل قوة تابعة للأجهزة الأمنية في بغداد والحلة، باستخدام عدد هائل من الأسلحة الفتاكة، والأكثر خطورة في هذه الجرائم هو استخدام اتهامات باطلة، وعلى خلفية صراعات شخصية وعائلية». وأضافت أن «هذا السلوك الانحرافي واستغلال القوى الأمنية في ارتكاب الجرائم للانتقام الشخصي لا بد من مواجهته بقوة القانون ويقتضي من جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة التصدي لهذه السلوكية المنحرفة».
مشاركة :