أثار إطلاق المنصة الإلكترونية لاستشارة المواطنين، التي دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيّد في ديسمبر الماضي، حول جملة من الإصلاحات جدلا واسعا في الأوساط الشعبية في البلاد، وسط تساؤلات بشأن الهدف المنتظر من المبادرة، فضلا عن تباين وجهات النظر بين الداعم لها والمطالب بمقاطعتها. وأعلنت وزارة تكنولوجيات الاتصال في تونس أن منصة الاستشارة الشعبية ستقتصر في البداية على عملية بيضاء كمرحلة أولى لتقييم المنظومة التي سيتم تعديلها في ما بعد بناء على جملة النقائص والملاحظات، لتفتح أبواب المشاركة الفعلية للعموم بداية من الخامس عشر من يناير الجاري. وتهدف الاستشارة الإلكترونية التي انطلقت في نشاطها التجريبي إلى رصد مقترحات التونسيين في محاور تتعلق أساسا بالشأن السياسي والانتخابي والشأن الاقتصادي والمالي والتنموي، فضلا عن التحول الرقمي والتعليم والثقافة والوضع الاجتماعي والصحة وجودة الحياة، كما يتضمن كل محور أسئلة مع مساحة للتعبير. وسيحصل المشارك في الاستشارة على رقم سري للدخول إلى المنظومة الإلكترونية للمشاركة مع حفظ هويته وحرية إجابته عن الأسئلة بشكل اختياري. مراد علالة: التونسيون عرفوا صعوبات كثيرة في استخراج جواز التلقيح وبالتزامن مع انطلاق الفترة التجريبية للاستشارة تباينت ردود الأفعال حولها، وفي الوقت الذي ساند فيه أنصار الرئيس سعيّد المبادرة في إطار استكمال مسار القرارات الاستثنائية التي كان قد اتخّذها في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، دعا معارضوه بقيادة ما يسمى بـ”حراك مواطنون ضد الانقلاب” إلى مقاطعتها. ويتساءل مراقبون عن مدى جاهزية الشعب التونسي للاستشارة الإلكترونية في الوقت الذي تؤكد فيه شريحة مهمة من التونسيين عدم قدرتها على التعامل مع المنصات الرقمية. وأكد المحلل السياسي مراد علالة أن “التونسيين عرفوا منذ أسابيع صعوبات كثيرة لاستخراج جواز التلقيح من المنصة الرقمية لوزارة الصحة”. وتساءل، في تصريح لـ”العرب”، “عن مدى نجاح عملية بهذا الحجم في ظل الصعوبات الموجودة”، معلّقا على دفاع الرئيس التونسي عن الاستشارة بإشارته إلى “عدم الحاجة إلى المحاكاة التنافسية التي توقع تونس في الخطأ التاريخي والجغرافي والمعرفي”. وأضاف علالة “ثمّة اختلاف كبير بين الاستشارة الافتراضية التونسية التي تتجاوز كونها استطلاع رأي، وبين الاستفتاء والانتخاب الإلكتروني الموجود في الديمقراطيات العريقة مثل بلجيكا وبعض الدول في أقصى شمال أوروبا”. وكان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي أكبر الرافضين للاستشارة الإلكترونية، حيث اتهم قيس سعيد باستخدام بيانات التونسيين المشاركين فيها لإعادة اختياره في الانتخابات الرئاسية القادمة. وفي وقت سابق ردّ الرئيس سعيّد على منتقدي الاستشارة الإلكترونية قائلا إنه “سيمكن الشعب التونسي من التعبير عن رأيه بكل حرية”، مضيفا أن الاقتراع الآلي “موجود في كل دول العالم وبعض الدول على غرار بلجيكا والدول الإسكندنافية (الدنمارك والسويد والنرويج وفلندا)”. ويتهم معارضو قيس سعيد الرئيس التونسي بإقصاء الكثير من التونسيين من استشارته الشعبية بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع التكنولوجيا في ظل عدم قدرة 45 في المئة من الأسر التونسية على استعمال الإنترنت. وفي منتصف ديسمبر الماضي أعلن الرئيس سعيد عن جملة من القرارات لإخراج البلاد من وضعها الاستثنائي، عبر تنظيم استفتاء إلكتروني وانتخابات تشريعية في ديسمبر القادم. وأكّد قيس سعيّد الإبقاء على المجلس النيابي معلقا أو مجمدا إلى تاريخ السابع عشر من ديسمبر 2022 وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة وفقا لقانون الانتخابات الذي سيتم تنقيحه. كما ينطلق مطلع يناير تنظيم استشارة وطنية إلكترونية على أن تنتهي في العشرين من مارس القادم. وستتولى لجنة تتكون من خبراء صياغة مختلف المقترحات التي سيعبر عنها التونسيون حتى نهاية يونيو، على أن يُدخل على أساسها تعديل في الدستور يخضع للاستفتاء في الخامس والعشرين من يوليو 2022، وهو يوم عيد الجمهورية.
مشاركة :