آدم دين لـ «الشرق الأوسط»: سأواجه أسلوب {داعش} بدعاية أكثر جاذبية منها

  • 11/16/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت مؤسسة «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف أن آدم دين، العضو البارز السابق في جماعة «المهاجرين» المتشددة، التي أسسها القيادي المتطرّف (السوري الأصل) عمر بكري فستق، وترأسها في ما بعد أنجم تشودري، قد التحق بفريق العمل لديها الأسبوع الماضي كرئيس التوعية. ومنذ مغادرته لجماعة «المهاجرين» قبل عشر سنوات، واصل آدم رحلته التدريجية بعيدا عن التطرّف، ومن ثم أسّس في وقت لاحق مؤسسة «دين» في عام 2011. وقد أعلن تخليه التام عن آيديولوجية التطرف. ويروي دين لـ«الشرق الأوسط» مسيرته من قلب التطرف إلى مكافحته، ويقف عند المراحل التدريجية التي شملت عرضا مغريا من بكري لرئاسة الجماعة، ومرضا جعله طريح الفراش مما أجبره على التفكير والتمعن، وتهديدات صريحة بالقتل بعدما ترك التطرف وراءه بل وأصبح من أشد محاربيه. ويدرك دين الآن، من خلال تجربته الخاصة، أسرار الجماعات الإرهابية في استقطاب «جنودها» ويهدف لمحاربة «بروباغاندا» التطرف بدعاية أكثر جاذبية منها عن طريق عمله مع «كويليام». جلس آدم دين، الذين نشأ في عائلة مسلمة من أصول تركية، وراء مكتب في مقر «الشرق الأوسط» بالعاصمة البريطانية لندن، ليروي لنا قصته التي بدأت في قلب جماعة «المهاجرين» الأصولية لتنتهي بعد عقد من الزمان بصحوة ووظيفة مسؤول التوعية لدى مؤسسة «كويليام» لمكافحة التطرّف في بريطانيا. ومما قاله دين لـ«الشرق الأوسط» خلال حديثه: «بدأ اهتمامي بالإسلام في سن التاسعة عشرة، وأردت أن أعرف المزيد عن ديني. وعندما قصدت جامعة ويستمنستر - الجامعة نفسها التي درس فيها الداعشي جون - بدأت نشاطي بالانخراط بحزب التحرير، لتصبح علاقتي بقياديي الحزب وطيدة». وتابع: «ومن ثم تعرفت على جماعة (المهاجرين) وكان عمر بكري فستق هو زعيمها في ذلك الحين. وانتقلت لأنتمي لتلك الجماعة بعد إعجابي بـ(كاريزما) بكري ورسالة الجماعة.. وفي وقت وجيز استطعت اكتساب احترام أقراني في الجماعة. ثم في عام 2000 فكّر عمر بكري وأنجم تشودري في مغادرة بريطانيا والهجرة إلى باكستان خوفا من الاعتقال، وعندها طلب مني عمر بكري أن أتسلم قيادة الجماعة من بعده. وفكرت في العرض جديا، إلا أنهما عدلا عن فكرة السفر في نهاية المطاف». وحول دوره في الجماعة على مدى عشر سنوات أمضاها كأحد أهم عناصرها، قال دين إنه كان عضوا نشطا في مجال الدعوة واستقطاب الناس إلى «المهاجرين» من خلال ندوات كان يديرها في لندن، ومن خلال مشاركاته الفاعلة في احتجاجات ومظاهرات دعوية. وأردف: «جوهريا، جماعة المهاجرين في حينها لم تكن متطرفة، لكنها كانت متعاطفة مع المتطرفين». وعندها، خيّم صمت قصير على المكتب انتهى عندما ارتشف دين قليلا من الماء ليسكن روعه. ثم استكمل حديثه متذكرا: «..عندما كنت عضوا في الجماعة، شاركت في نقاشات واجتماعات كان من شأنها تنفيذ هجمات إرهابية في لندن». وهنا أوضح أن مجرد مشاركته في تلك الاجتماعات جعله يخشى من نفسه، ومن الاتجاه الذي كان ينحدر إليه. إلا أن تلك لم تكن هي اللحظة التي استيقظ فيها آدم دين من كابوس التطرف. إذ يقول إنه بعد مرور سنتين على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة مرض مرضا شديدا، وأصبح طريح الفراش لمدة طويلة. واستطرد شارحا: «في حينه استغرقت بالتفكير، وأعدت حساباتي، ولم أعد مقتنعا بالآيديولوجية المتطرفة منذ ذلك الوقت. إن ما حركني تجاه التفكير والتعمق هو كيفية احتفال جماعتي بهجمات سبتمبر في ذكرى مرور سنتين عليها. كانت هناك امرأة من الحضور تجهش بالبكاء لفقدان شقيقها بتفجيرات نيويورك، ولكن لم يتعاطف معها أحد من عناصر الجماعة.. عندها شعرت بأنهم لا يتبعون التعاليم الإسلامية الحقيقية». وهنا أقر دين بأنه كان قد احتفل بتفجيرات سبتمبر في حينه، إلا أن أفكاره تغيرت بعدها ولذا ترك الجماعة. وخلال رحلة إعادة تأهيله من الفكر المتطرف، عمل دين على دراسة الفلسفة والعلوم الاجتماعية التي ساعدته على التفكير بمنهجية نقدية. وعن هذا الجانب قال: «عندما يلتحق المرء بجماعة متطرفة فإنه يهب عقله للأمير أو الشيخ ويتمنع عن التفكير عن نفسه بل يصبح متلقيا فقط». إلى ذلك، فإنه قرر إنشاء «مؤسسة دين» التي تساعد بدورها المسلمين الشباب على تطوير قدراتهم على التفكير النقدي لتغدو لديهم مناعة من التطرف وغسل الأدمغة، كما يشرح. لم تكن تلك العملية سهلة أو مباشرة لدى آدم. إذ عانى من صراعات داخلية فكرية وسجالات ذهنية بين ما كان يتلقاه من خطب في «المهاجرين» وما بات يتعلمه كلما قرأ أكثر، وعند هذه المحطة قال: «عند ترك جماعة متطرفة، ما لا يلاحظه المرء هو أن ذهنه يظل مع الجماعة لوقت طويل.. وما فعلت في العقد الماضي هو أنني عملت مع المجتمع الإسلامي في بريطانيا لأتخطى ذلك، لكن المشكلة كانت أن تفكيري ظل إلى حد ما على حاله، واستغرق التحول وقتا طويلا». وبالنسبة لآرائه عن زعيم «المهاجرين» السابق الشيخ عمر بكري فستق (المعتقل حاليا في سجن رومية في لبنان) قال دين إنه مع شعوره ببعض من الحزن جراء تعذيب بكري في السجن، فإنه بات ضد تعاليم الشيخ، مؤكدا أنه إذا التقى به يوما سيفصح له عن مكنونات صدره ويعاتبه على عقد من عمره أمضاه في الجماعة مقيدا بتعاليم متطرفة منافية للإسلام الحقيقي. وتابع: «لو لم يكن الشيخ بكري في السجن حاليا، لما كان دعا أبناءه للانضمام لتنظيم داعش. هذا هو اعتقادي». وعن زعيم «المهاجرين» الحالي القيادي الأصولي أنجم تشودري، قال دين: «تشودري رجل لطيف، لكنه تعرض لغسل دماغ، وبرأيي فإن معلوماته وثقافته الإسلامية شحيحة ومحدودة». وأردف: «عندما كنت عضوا في (المهاجرين) طرحت على أنجم فكرة إدخال تدريس العلوم للعناصر، لكنه رفض بحدة مدعيا أن العلم يأتي من الكفار». وهنا ضحك آدم وعلّق قائلا إن «الحضارة والعلوم نشأت في كنف الدول الإسلامية»، مشيرا إلى أن بعض عناصر الجماعة حاليا يديرون محل حلويات في شرق لندن، وقال آدم إنه يخاف حتى الاقتراب من المحل. بعد تمعّن وتفكير مطوّل، قرر آدم دين أخيرا الالتحاق بمؤسسة «كويليام» لمكافحة التطرف. وأوضح أن اختياره تلك المؤسسة كان بسبب تركيزها على التحدّي الأكبر الذي يواجه المسلمين حاليا وهو التطرّف. ثم أضاف: «لدى (كويليام) طاقم متكامل ومثقف، وسأشغل معهم منصب رئيس التوعية في المؤسسة». ثم ذكر أنه من خلال منصبه الجديد سيشرك الجالية المسلمة والمؤسسات الإسلامية في لندن بالحوار ضد التطرّف «لأنها لطالما كانت مهمشة من النقاش نوعا ما». وقال إنه عند إعلانه عن الالتحاق بـ«كويليام» حاربه كثير من المتطرفين واتهموه بالنفاق، غير أن دين أكد أن ردود الفعل الإيجابية من عائلته وأفراد من المجتمع الإسلامي والبريطاني هي التي محت كل ردود الفعل العدوانية، التي بلغت حد تعرضه لتهديدات بالقتل منذ الإعلان، مما أرعب عائلته. اليوم يسير دين على خطى مؤسس «كويليام» ماجد نواز، القيادي السابق في حزب التحرير الإسلامي، الذي انتقل إلى مكافحة التشدد والتطرف في بريطانيا بعد عدة سنوات أمضاها في أحد سجون مصر. نواز أمضى في حزب التحرير 13 سنة قبل أن يدرك في النهاية - حسب قوله - أن «الأحزاب الإسلاموية» تستغل الدين الإسلامي لأغراضها وأهدافها السياسية. وبعد عودته إلى بريطانيا أسس هو وآخرون منظمة «كويليام» التي تعنى بمكافحة التطرف في بريطانيا. وحول ذلك قال آدم إن «رسالة ماجد نواز سامية ويجب أن يستمع إليها قدر أكبر من الناس، إذ تميز بين الإسلام الحقيقي و(ظاهرة الإسلاموية) التي تستغل الدين لأجندات مسيسة وقد تؤول للتطرف». وفي مقال سابق عن الانتقال من التطرف إلى مكافحة التطرف، قال دين: «إن إدانة (داعش) فحسب ليست كافية. بل علينا الضرب في صميم الآيديولوجية السامة التي مهدت السبيل لصعود مثل تلك الكيانات في المقام الأول»، وعقّب: «في يومي كان التطرف مهمشا.. لكننا اليوم نرى التطرف وهو يشق طريقه في المجتمع الإسلامي». وأردف: «هناك مشكلة في رجال الدين والناشطين في البلاد، إذ يعمل بعضهم لتشويه صورة الإسلام ويشرحونه بطريقة ليست متوازية مع جوهره، مستغلين باقي المجتمع الإسلامي الذي يقدر عدده بثلاثة ملايين نسمة في بريطانيا، ويختبئون وراءه. وبالتأكيد أن هؤلاء المتطرفين لا يمثلوننا». واستطرد دين أن ما قد يدفع بعض الناس للسفر للالتحاق بتنظيمات متطرفة هو «شعورهم بعدم الانتماء.. وهذا كان شعوري في السابق»، لكنه بعد رحلته الطويلة، انتقل ليعرّف عن نفسه كمسلم بريطاني عوضا عن تسميته نفسه بالمسلم الذي يعيش في بريطانيا. دين حرص على لفت الانتباه لمدى خطورة «بروباغاندا» التنظيمات المتطرفة، مشيرا إلى أنه التحق بحزب التحرير مبدئيا بعدما وزّع عليه أحد عناصره منشورة حول «دولة الخلافة» عندما كان يغادر مسجدا في لندن بعد أداء الصلاة. وعن تلك التجربة قال: «نشهد اليوم دعاية إلكترونية متطورة للتنظيمات المتطرفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتناقل المقاطع المصوّرة، إذ تتعدى إصدارات (داعش) 1200 مادة شهريا.. فلكسب الحرب الإعلامية علينا تقديم دعاية معاكسة لها بنفس الجاذبية ووتيرة النشر بل حتى أكثر جاذبية. وضمن عملي مع (كويليام) سيكون هدفي تقديم نهج دعائي معاكس لبروباغاندا (داعش) المتطرفة يكون أكثر جاذبية لدحض البيئة الحاضنة التي تغذيها تلك الدعاية». وحول التعامل مع المقاتلين البريطانيين العائدين من سوريا، شدد دين على أهمية تقييم كل حالة منفصلة عن سواها، مؤكدا على ضرورة محاسبة المقاتلين ومن ثم إعادة تأهيلهم. وحذر من أن آخر الإحصائيات أثبتت أن أقصر مدة زمنية سجلت لتحول شخص متعاطف مع المتطرفين إلى متطرّف يفكر في تنفيذ هجمات إرهابية كانت أسبوعين فقط! واختتم حديثه بقوله: «عندما أسمع أن الناس يودون الالتحاق بـ(داعش) لأنه يطبق (دولة خلافة إسلامية) تمثل لي هذه العبارة دي جافو - Deja vu - أي شيئا مألوفا لي بعد ما رأيته من قبل.. وذلك لأنني عندما كنت في (المهاجرين) وشنت الولايات المتحدة الهجوم على أفغانستان كان الملا عمر في حينها (أمير المؤمنين) وجرى تلقيننا أننا في أمسّ الحاجة للسفر إلى هناك للدفاع عن خلافته الإسلامية»، مستطردا أن أعز أصدقائه السابقين سافروا إلى هناك ونشروا تسجيلات فيديو تبايع الملا والطالبان وتدعو المسلمين للذهاب.. «لكن علينا تعليم أولادنا التعاليم الإسلامية الحقيقة والمعتدلة وليس التفاسير المتطرفة التي تؤول إلى العنف والإرهاب».

مشاركة :