يتجسّد الانقسام الذي تعيشه الولايات المتحدة، غداً، عندما يستغل الرئيس جو بايدن ذكرى هجوم السادس من يناير على مبنى الكابيتول للتحذير من التهديدات التي تواجهها الديموقراطية الأميركية، بينما يتحدث سلفه دونالد ترامب في بثّ حي عن نظريات المؤامرة الخاصة به. بعد مرور عام على محاولة مجموعة من أنصار ترامب اقتحام الكونغرس لمنع المشرعين من المصادقة على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، مازالت الانقسامات السياسية واضحة جداً. ومن المتوقع أن يتحدث بايدن ونائبته كامالا هاريس من داخل مبنى الكابيتول، الذي يعتبر رمزاً للديموقراطية، وشهد أعمال شغب دامية خلال محاولة مجموعة من أنصار ترامب اقتحامه تخللتها مواجهة مع الشرطة. وبصفته سياسياً مخضرماً عاد من تقاعده لمواجهة رئاسة ترامب التي يعتبرها استبدادية، حذر بايدن باستمرار خلال سنته الأولى في البيت الأبيض من تهديد «وجودي» للحريات السياسية التي كان معظم الأميركيين يعتبرونها حتى الآن من المسلمات. ويُعتقد أن خطابه، وهو جزء من سلسلة أحداث «يوم صعب»، بحسب قول نانسي بيلوسي الحليفة الأبرز لبايدن، سيأخذ هذا التحذير إلى مستوى جديد. لكن فيما يقف الكونغرس وقفة موحدة من أجل ما وصفه بايدن بـ»اللحظة المظلمة»، سيعقد ترامب مؤتمراً صحافياً من مقر إقامته الفاخر في منتجع مارالاغو في ولاية فلوريدا. وسيكون من السهل توقع محتوى رسالته أيضاً. ورغم خسارته بأكثر من سبعة ملايين صوت أمام بايدن والعديد من الطعون القضائية في أنحاء البلاد، يتمسك ترامب بإصراره على أن انتخابات 2020 سُرقت منه. وهذه الاتهامات ليست إلا العنصر الأكثر إثارة للاحتقان في هجوم أوسع ضد بايدن على كل الصعد، من قضية الهجرة إلى جائحة «كوفيد 19»، وكلها جزء مما يبدو إلى حد كبير محاولة غير معلنة رسمياً بعد لاستعادة السلطة في عام 2024. وهذه حملة يصفها كارل توبياس، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ريتشموند، بأنها «غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة». وأوضح توبياس «لم يحاول أي رئيس سابق فعل الكثير لتشويه سمعة خلفه وتشويه العملية الديموقراطية». مهما كانت نظرية المؤامرة الانتخابية سخيفة، إذ حكم قاض فدرالي في ولاية بنسلفانيا بأن قضية ترامب «مفككة تفتقر إلى حجة قانونية مقنعة أو دليل واقعي يدعمها»، يعتبرها ملايين الأميركيين حقيقة. وتظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن حوالى 70 في المئة من الجمهوريين يعتقدون أن بايدن انتخب بطريقة غير شرعية. وأظهر استطلاع جديد أجرته «واشنطن بوست» وجامعة ميريلاند، أن هذه النسبة تبلغ 58 في المئة. من ناحية أخرى، وجد الاستطلاع نفسه أن 40 في المئة من الجمهوريين، مقارنة بـ 23 في المئة من الديموقراطيين، يعتقدون بأن العنف ضد الحكومة مبرر في بعض الأحيان. أصبحت محاربة ما روجه ترامب على أنه «سرقة»، أيديولوجية سياسية في حد ذاتها، مع تجنب جميع النواب الجمهوريين تقريباً انتقاد ما حدث في 6 يناير، أو دفاعهم بنشاط عن الهجوم. وقالت لارا براون مديرة كلية الدراسات العليا للإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، إن مزيجاً من السياسيين الاستغلاليين يسعون إلى كسب ترامب والناخبين الذين يصدقون ما يقال لهم، وهو ما بات يشكل قوة معتبرة. وأضافت: «الأمر المخيف فيما نحن فيه الآن، ليس مجرد أن هذه هجمات نخبة، بل أن حركات شعبية تعززها». وتابعت «لم تكن الجماعات اليمينية المتطرفة هي وحدها التي نظمت» أحداث 6 يناير «كان مواطنون أميركيون عاديون مقتنعين بهذه الفكرة». من غير الواضح ما الذي يمكن أن يفعله بايدن لتغيير هذه الديناميكيات. من جانبها، حضّت العالمة السياسية والخبيرة الديموقراطية في استطلاعات الرأي رايتشل بيتكوفر بايدن على مواجهة ترامب بشكل أكثر عدوانية، بدلاً من التمسك بالتظاهر بأن ترامب لم تعد له أهمية. وقالت إن بايدن «لا يحيي ذكرى حدث انتهى. إنه يحيي ذكرى حدث جار وقد يزداد سوءاً. هناك إحجام فعلي عن الاعتراف بمدى شراسة هجوم اليمين على الديموقراطية». ومع ذلك، أشارت براون إلى أن بايدن ليست لديه مساحة كبيرة للمناورة لأن الهجوم المباشر على ترامب قد يبدو كأنه «مطاردة سياسية»، وهو بالضبط ما يتحدث عنه الرئيس السابق في نظريات المؤامرة الخاصة به.
مشاركة :