منذ أن تزوجت آية محمد وهي تعاني من تدخلات والدة زوجها في حياتهما، تارة بتحديد المصروفات المنزلية وتارة أخرى بالإصرار على إبداء رأيها في كل ما يرتبط بحياتها مع شريكها وتحديد طريقة إنهاء الخلافات، ووصلت علاقتها بزوجها إلى طريق مسدود واضطرت إلى مغادرة منزلها لتقيم في بيت أهلها. حاولت إقناع زوجها بوجوب عدم التحدث إلى والدته عن حياتهما، لكنه كان دائم الشكوى إلى الأم على سبيل الفضفضة، وأصبح يتحدث معها في أدق تفاصيل الحياة الزوجية، وكلما وقع خلاف مع شريكته يطلب تدخل أفراد من عائلته ليكونوا حكما، ما اضطر الزوجة إلى استدعاء أسرتها أيضا، الأمر الذي جعل حل الأزمات يزداد صعوبة. قالت الزوجة المصرية لـ”العرب” إن “تدخل الأهل في حياة الأزواج كارثة، لأن كل أسرة تُملي شروطها بطريقة لا تناسب أحد الشريكين، وكثيرا ما تصل المشكلات إلى التعقيد، وتكون الأزمة الكبرى عندما تحمل كل عائلة الضغينة والكراهية تجاه العائلة الأخرى، باعتبار أن كل واحدة منهما تسعى لإنصاف ابنها أو ابنتها”. وتتمسك آية بالانفصال عن زوجها أو تتعهد الأم وشقيقات زوجها بعدم التدخل في حياتهما مرة ثانية، وبالمثل يتمسك الزوج بأن تكف أسرتها عن إقحام نفسها في حياته الزوجية، ولا يزال الشريكان يعيشان بعيدا عن بعضهما البعض، كل واحد منهما يحاول تبرير تدخلات عائلته. الكثير من الأزواج يعاب عليهم السماح لأفراد من العائلة بالتدخل في حياتهما بدعوى أن ذلك يسهل حل المشكلة حذّرت دار الإفتاء المصرية قبل أيام من خطورة تدخلات الأهل في حياة الزوجين بذريعة حل الخلافات بينهما، وقالت إنه وفق المشكلات التي ترد إليها النسبة الأكبر من مسببات الطلاق تعود إلى تدخل العائلات بين الأزواج، الأمر الذي أكدته محاكم الأسرة في مصر، وشددت على ضرورة أن يحقق الزوجان الاستقلالية الكاملة عن الأهل. يتسلل الأهل إلى حياة الزوجين من خلال محاولة التدخل لتقريب وجهات النظر ومساعدتهما على حل مشكلة ما، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، ثم تصبح حياتهما وخلافاتهما على مرأى ومسمع من كل أفراد العائلة، ويستبيح الجميع التدخل ما يتسبب في تفاقم المشكلات ووصولها إلى طريق مسدود. ويعاب على الكثير من الأزواج السماح لأفراد من العائلة بالتدخل في حيواتهم بشتى السبل، بدعوى أن وجود طرف ثالث يسهل على الشريكين مهمة حل المشكلة، دون أن يعوا بأهمية وصول الزوجين إلى الاستقلالية الكاملة بحياتهما عن أي مؤثرات خارجية، من أقارب أو غرباء، إذا أرادا للعلاقة أن تستمر دون تهديد أو شرخ. وكثيرا ما يكون الزوجان في حالة انسجام عاطفي، ومع أول تدخل من الأهل تتعقد العلاقة وتصبح على شفا الانهيار، فمن الطبيعي عندما تتدخل أسرة الشاب في أيّ مشكلة أن تساند الابن دون اكتراث بانعكاسات ذلك على الزوجة، وقد تشعر بالتآمر ضدها أو إجبارها على نمط حياة لا تقبله، وتضطر إلى التمرد. والعكس صحيح بالنسبة إلى أسرة الفتاة. وتكمن المعضلة في أن الأهل مهما كانت تدخلاتهم مبررة تظل نظرتهم إلى المشكلة أو طريقة حلها سطحية وتقليدية، وتتعقد الأزمة عندما تُملي العائلة رأيها على الزوجين ولا تسمح لهما بالرفض أو الوصول إلى حل وسط بعيد عن الذي طرحه كبار العائلة، أو حتى العائلتان. ويرى متخصصون في العلاقة الأسرية أن الزوجين هما الأكثر تحملا لمسؤولية تدهور علاقتهما بسبب تدخلات الأهل، لأنهما سمحا بأن يكون بينهما طرف ثالث يرسم لهما مسار حياتهما ويُحدد لهما المباح والممنوع، بغض النظر عن ظروفهما الشخصية وطبيعة العلاقة بينهما التي يفترض أن تكون شديدة الخصوصية. Thumbnail وقال شريف العماري، وهو مأذون شرعي، إن الاستقلالية الزوجية والدستور الذي يضعه الشريكان لحياتهما منذ البداية حائط الصد الأول لمنع أي تدخلات عائلية بين الشريكين إلا إذا وصلت العلاقة إلى طريق مسدود، أما الخلافات الجوهرية -مثل التي تتعلق بالسلوكيات والماديات وغير ذلك- فلا يجب أن تكون مدعاة لتدخلات عائلية من أي نوع. وأضاف لـ”العرب” أن “اقتناع الأسر بأن التدخل في حياة الزوجين يمنع المشكلات هو قمة الخطأ، لأن ذلك يقود الشريكين أو أحدهما إلى الاستقواء بعائلته، وتصبح العلاقة أقرب إلى ساحة حرب يسعى كلاهما لكسبها، كما أن إملاء الشروط على الزوجين يغذي الكراهية ويشعر كلاهما بأنه يعيش في سجن ويرى الطلاق وسيلة للتحرر”. وقد تقحم العائلات نفسها في حياة الزوجين خلال السنوات الأولى من العلاقة بدعوى أن الشريكين لا يملكان خبرة سابقة في إدارة العلاقة الزوجية وحل الخلافات، وبالتالي هما في حاجة دائمة إلى الوصاية، رغم أن التربية القائمة على الاستقلالية هي الأنجح، وكف الأسر عن التحكم في قرارات الأبناء هو السبيل الأمثل لإدارة حياتهما بما يناسبهما. وتكمن مشكلة الكثير من الآباء في أن تدخلاتهم تكون وفق قناعاتهم الشخصية، وقراراتهم نابعة من الحقبة الزمنية التي عاصروها والظروف الاجتماعية التي تكون أسيرة للعادات والتقاليد والأعراف دون إدراك لتغير الزمن والأجواء والسمات الذاتية للأبناء، فيصدرون أحكامهم بطريقة تعجيزية وبشكل قد يهدد العلاقة، وعلى رأسها أن تكون الزوجة مجرد خادمة، لا شريكة. ورأت هالة حماد، استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة، أن جفاء العلاقة بين الشريكين كثيرا ما يبدأ بتدخل الأهل في حياتهما الشخصية، والمعضلة أن الظروف المعيشية الصعبة التي يكابدها الزوجان في بداية حياتهما تدفع بعض الأسر إلى التدخل الفج من خلال فرض الرأي والتحكم في شكل الحياة الزوجية برمتها عندما يكون الشريكان أسيريْن للمساعدة المالية من قبل العائلة. وأكدت لـ”العرب” أن “تدخل الأهل يكرس الضغينة بين كل الأطراف، الزوجيْن وعائلتيهما، والحل أن يكون هناك اتفاق بين الشريكين منذ اليوم الأول على حل مشكلاتهما بطريقتهما الخاصة، مع إحاطة علاقتهما بسرية تامة وعدم السماح لأي طرف بالتدخل سلبا أو إيجابا، لأن تقديس الزوجين للخصوصية هو الأساس الذي تُبنى عليه العلاقة الصلبة، وهذه لا تنهار بسهولة”. ومهما كانت نوايا الأهل طيبة في التدخل فإن كشف عيوب كل طرف أمام الأسرة من جانب أحد الشريكين يكون الشرخ الذي يهدد العلاقة مستقبلا، لذلك يتوجب على العائلة الكف من تلقاء نفسها عن التدخل، كم ينبغي لها أن تقوم بتوعية الزوجين بأن الخلافات أمر طبيعي ليتعرف كلاهما على الآخر، مع وجوب تدريبهما على كيفية إدارة هذه الخلافات بطريقة راقية واستثمارها لمد جسور التواصل بين الطرفين.
مشاركة :