دخلت تركيا في مغامرة جديدة وهدفها ليس إقناع المصدرين هذه المرة بالانخراط في السياسة المالية الجديدة، بل بإلزامهم بالدفاع عن الليرة التي فقدت قرابة نصف قيمتها مقابل الدولار في عام واحد رغم أن الخطوة قد تنطوي على مخاطر. وفي أحدث الخطوات لتعزيز احتياطاتها النقدية ودعم العملة المحلية المستنزفة بسبب ضغوط التضخم المنجرة عن خفض أسعار الفائدة، ستطلب الحكومة من المُصدرين تحويل ربع إيراداتهم إلى الليرة. وذكرت وكالة بلومبرغ أن السلطات النقدية قالت في مرسوم نشرته الاثنين الماضي إن البنك المركزي سيشتري 25 في المئة من إجمالي الدخل من صادرات السلع، طالما أن المصدرين يتلقون المدفوعات بالدولار أو اليورو أو الجنيه الاسترليني. ويهدف الإجراء إلى تعزيز احتياطات تركيا من العملات الأجنبية عبر إجبار الشركات على الاحتفاظ ببعض إيراداتها من المبيعات في الخارج بالعملة المحلية. 101.3 ألف شركة تنشط في التصدير ستخضع للتدابير الجديدة رغم مخاطر الخطوة على أعمالها لكن الخبراء يرون أنها ستكون تجربة أخرى فاشلة وسط المساعي الشاقة التي تبذلها الحكومة بدافع من الرئيس رجب طيب أردوغان لاستخدام كافة الأدوات الممكنة ضمن خطة كان قد أعلن عنها أواخر 2021 من أجل إعادة التوازن إلى الاقتصاد. ففي ديسمبر 2016 حث أردوغان الأتراك على بيع دولاراتهم وشراء الليرة والذهب بينما كانت العملة حينها في منحنى نزولي باتجاه فقدان قيمتها بسبب السياسة الاقتصادية المتبعة. وقال في ذلك الوقت “هؤلاء الذين يحتفظون بالعملة يتعين أن يأتوا ويحولوا أموالهم إلى ذهب. يتعين أن يأتوا ويحولوا أموالهم إلى الليرة”. وأضاف “ما أهمية السماح بارتفاع قيمة العملة الأجنبية؟”، في إشارة إلى الدولار. ورغم قناعة البعض بتلك الفكرة حنيها إلا أن الكثيرين لم يتمكنوا من تحقيق طموحاتهم بعد خمس سنوات، حيث بدأت المشاكل تظهر بوضوح منذ العام 2018 لتستمر حتى تأتي الجائحة بعد ذلك وصولا إلى بلوغ التضخم مستويات هي الأكبر منذ عقدين من الزمن. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد الشركات التركية التي تقوم بتصدير المنتجات والسلع إلى الخارج بلغ بنهاية العام الماضي أكثر من 101.3 ألف شركة من نحو 33.5 ألف شركة قبل عقدين. ورغم الأزمات التي تعصف بالاقتصاد التركي والأزمة الصحية وتعطل سلاسل التوريد حول العالم رغم المؤشرات الإيجابية التي ترصدها وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية، إلا أنه في العام الماضي انضمت إلى قطاع التصدير أكثر من 32 ألف شركة. ويواصل أردوغان تطبيق سياساته نفسها رغم كل الصعاب، فقد أشاد الاثنين الماضي مجددا بالأداء الجيد للاقتصاد مع معدل نمو سنوي بنسبة 7.4 في المئة في الربع الثالث من عام 2021 خصوصا بفضل الصادرات التي زادت بسبب الأسعار المنخفضة. وقال “بفضل الإصلاحات التي حققناها، نجحنا في تحرير الاقتصاد التركي من قيوده والديمقراطية التركية من الوصاية”. ويبدو أن الرئيس التركي يراهن على النمو بأي ثمن ويتجاهل المخاوف من حدوث أزمة نقدية محتملة تتضح علاماتها يوما بعد يوم، ويعول على الاستثمار والإنتاج والصادرات. الخبراء يرون أنها ستكون تجربة أخرى فاشلة وسط المساعي الشاقة التي تبذلها الحكومة بدافع من الرئيس رجب طيب أردوغان لاستخدام كافة الأدوات الممكنة ويقول المحللون إن الفكرة بالنسبة إليه هي جعل تركيا قوة تصدير عظمى بفضل أسعارها المنخفضة على غرار الصين، ويبدو هذا أمرا صعبا في الوقت الراهن. وقد أشاد أردوغان أيضا بزيادة الصادرات بنسبة 32.9 في المئة خلال عام واحد في 2021 لتصل إلى نحو 225.4 مليار دولار. وتهدف أنقرة إلى زيادتها هذا العام مع توسيع التعامل بالعملة التركية في المدفوعات التجارية. لكن في الشهر الماضي وجهت إليه نقابة أصحاب العمل الرئيسية التي تمثل 85 في المئة من المصدرين، تحذيرا شديد اللهجة داعية إياه إلى تصحيح الأوضاع. واعتبرت أن “الخيارات السياسية التي تطبق لم تخلق صعوبات جديدة فحسب لعالم الأعمال ولكن أيضًا لمواطنينا”، داعية إياه إلى “العودة إلى المبادئ الاقتصادية المعمول بها في اقتصاد السوق”. وأمام الانهيار السريع للعملة، اتخذ أردوغان سلسلة من الإجراءات للجم هذا التوجه وتحسين شعبيته حيث حث الدولة على تعويض أي انخفاض في قيمة الودائع المصرفية بالعملة المحلية أمام الدولار، وبالتالي استخدام المال العام. وبحلول الثلاثين من ديسمبر الماضي انخفض صافي احتياطي الدولة من 12.2 مليار دولار إلى 8.6 مليارات في أسبوع واحد. ويؤكد المحللون والمعارضة التركية أن أموال البلاد ستنفد بسرعة. وفي هذه الأوضاع الاقتصادية رفعت الحكومة الحد الأدنى للرواتب بداية من هذا الشهر بنسبة 50 في المئة من 2825 ليرة إلى 4250 ليرة (نحو 310 دولارات)، وهو أمر يخشى اقتصاديون من أنه سيفاقم التضخم بشكل أكبر. وكتب جيزيم أوزتوك ألتينساك كبير الاقتصاديين في نقابة أرباب العمل التركية على تويتر تغريدة يقول فيها “أخشى من أن تتلاشى جميع الزيادات في الرواتب خلال شهرين”.
مشاركة :