كان لجائحة كورونا أثرها الكبير على مختلف القطاعات العالمية، ومنها قطاع التعدين، الذي واجه كبقية القطاعات تحديات جمّة؛ نتيجة الإجراءات الوقائية والاحترازية التي اتخذتها الدول والحكومات للحد من انتشار الجائحة؛ وهو ما أدى إلى تعطُّل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار المعادن والسلع؛ خاصة النادرة منها، ما نتج عنه، بطبيعة الحال، ارتفاع في التكاليف وانخفاض في الأرباح. ومن المؤكد أن "مؤتمر التعدين الدولي" الذي تنظمه وزارة الصناعة والثروة المعدنية، في الرياض، خلال الفترة من 11 إلى 13 من شهر يناير الجاري، سوف يمثل فرصة ممتازة للحكومات والشركات والمستثمرين المعنيين بالقطاع، لبحث مختلف القضايا والتحديات التي واجهت القطاع خلال العامين الماضيين، واستشراف آفاقه ورسم ملامح جديدة له من خلال الجلسات وورش العمل التي سوف يشهدها هذا المؤتمر. تحديات القطاع وفي هذا الشأن أشار تقرير استبيان مخاطر التعدين العالمي لعام 2021 الصادر عن شبكة "كيه بي إم جي" (KPMG) أن تعطُّل سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، يشكل تحديًا مستقبليًا للقطاع، كما أن التقلبات الدورية في أسواق الموارد العالمية شكلت بعض الصعوبات لقطاع التعدين. وفي حين حققت مجموعة مختارة من الشركات الفوائد السعرية لمعدن معين؛ واجهت شركات أخرى مشكلات مع انخفاض سعر السلع الأساس . وتوقع التقرير، أن تشكِّل أسعار السلع الأساس المتقلبة الخطرَ الأكبر الذي يواجه شركات التعدين والمعادن. فضلًا عن ذلك، وفي ظل عدم استقرار السوق بشكل متكرر، أشار التقرير إلى أن على شركات التعدين أيضًا التخطيط للمستقبل في الوقت الذي تُعزّز استخدامها للموارد الطبيعية النادرة، وتضغط لإيجاد حلول للتكاليف. ومن الضروري، أيضاً، أن تزيد من تركيزها على برامج المسؤولية الاجتماعية. علاوةً على ذلك فإن شركات التعدين تحتاج إلى تطوير رؤية أكثر دقة للأسواق التي تعمل فيها، كون ذلك يساعدها ، من جانب، في رسم الاتجاه الذي من المرجّح أن تتجه إليه أسعار السلع الأساس واتخاذ القرارات الاستراتيجية الصحيحة من جانب آخر. وعلى شركات التعدين، بحسب التقرير، أن تسعى، أثناء ارتفاع أسعار السلع الأساس وحدوث التدفقات النقدية المتزايدة، إلى العمل على وضع استراتيجيات لتخصيص رأس المال لضمان تحقيق عوائد رأسمالية أعلى في المستقبل، كما يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة اتباع نهج متوازن ، الأمر الذي يُعد أساسياً في هذا المجال. وإلى جانب الاستثمار في مناجم جديدة، تحتاج الشركات أيضًا إلى النظر في مقدار رأس المال الذي ينبغي أن تستثمره في الابتكار والتقنيات التحويلية. استجابة القطاع ووفق تقرير استبيان مخاطر التعدين العالمي لعام 2021فإنه، بالرغم من أن جائحة كورونا تسببّت في حدوث ركود اقتصادي في معظم دول العالم؛ إلا أنها أدت أيضًا إلى زيادة الإنفاق التحفيزي في معظم المجالات الرئيسية، مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع الأساس، مما دفع قطاع التعدين إلى المسارعة في الاستجابة للتحديات غير المسبوقة التي فرضتها الجائحة، مع ضمان سلامة الموظفين والمجتمعات التي يعملون فيها والمحافظة على أمن سلاسل التوريد. وأشار التقرير إلى أن تقلبات أسعار السلع الأساسية ستجبر شركات التعدين على تعديل خطط عمليات المناجم باستمرار؛ من أجل الوصول إلى تحقيق جاذبية القيمة التي تشتد الحاجة إليها على خلفية ظروف السوق المتغيرة باستمرار. وفي هذا السياق، كان هناك ارتفاع في أسعار خام الحديد. وعلى نطاق أوسع، أدّت عمليات التحفيز الحكومية، وانقطاع الإمداد الناجم عن الجائحة، إلى ارتفاع أسعار السلع الأساس الأخرى. كما أدى التقلب في الأسواق العالمية إلى تدفق المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المعادن الثمينة القوية، مثل الذهب. ومع ذلك، تواجه السلع الأساس المختلفة ضغوطًا مختلفة في السوق، حيث انخفضت أسعار سلع معينة، مثل الزنك والنحاس، بفعل التعطل الناجم عن جائحة كورونا. ومن المتوقع، أيضًا، أن تنخفض أسعار المعادن بشكل عام على المدى القصير. وقد شهدت معظم العملات، خاصة في دول الأسواق الناشئة، انخفاضًا كبيرًا في قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، في حين انخفضت على العموم أسعار النفط والطاقة بشكل حاد في الأسابيع والأشهر التالية لإعلان منظمة الصحة العالمية عن الجائحة العالمية. وتتطلب معالجة مثل هذه القضايا بفعالية قدرة كبيرة وتركيزًا على التكاليف والإنتاجية عبر سلسلة قيمة صناعة التعدين من البداية إلى النهاية. ومع استمرار تأثير الجائحة إلا أن صناعة التعدين، بحسب ما أشار إليه التقرير، تُعيد ضبط نفسها بسرعة، حيث تُشير الدراسات البحثية إلى أن شركات التعدين في وضع قوي للاستفادة من مجموعة جديدة من الفرص التي أتاحها سيناريو جائحة كورونا. سلاسل الإمداد وتتواصل مشكلة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية في الإضرار بصناعات مختلفة ومن بينها التعدين، مما يعني ارتفاع أسعار المعادن في الأشهر القليلة المقبلة، وبالتبعية، سوف تتأثر أسواق التجزئة وصناعة السيارات. ويرى محللون أن مشكلة تعطل سلاسل الإمداد والتوريد حدثت نتيجة ارتفاع الطلب بقوة في الوقت الذي نقص فيه المعروض، أي بسبب خلل في التوازن بين العرض والطلب على إثر إعادة فتح اقتصادات عالمية لحدودها واندفاع المستهلكين نحو الشراء والطلب على السلع والمنتجات؛ في الوقت الذي ضعف فيه الإنتاج بسبب فترات الإغلاق السابقة. وفيما يتعلق بحل مشكلة تعطل سلاسل الإمداد فإنه سوف يعتمد، نوعاً ما، على مدى إحراز تقدم في جهود مكافحة انتشار فيروس كورونا خاصة مع ظهور المتحور "أوميكرون"، وحال العودة إلى الإغلاق مرة أخرى، سوف تتضرر الخدمات وسلاسل إمداد السلع، وكذلك الصناعات. ورغم ذلك هناك إشارات تبعث على التفاؤل حيث هدأت أسعار الشحن إلى حد ملحوظ في آسيا وفي مسارات الشحن بين الساحل الغربي الأمريكي وآسيا وأوروبا. كما أن هناك محاولات لحل مشكلة اكتظاظ الشاحنات والسفن في الموانئ على مدار الساعة لتوصيل السلع والمنتجات وحل مشكلة تعطل وتأخر سلاسل التوريد. أسعار متناقضة وفقًا لتحليل وكالة بلومبيرغ في شهر أغسطس من عام 2021، فإن الصورة لم تكن سوداوية طوال الوقت بالنسبة لقطاع التعدين، فخام الحديد كان محركًا كبيرًا لأرباح أكبر المنتجين، وسجلت هذه السلعة مستوى قياسيا في النصف الأول، بسعر 200 دولار للطن، وهو مستوى لم تبلغه منذ عقد، إلا أن سعر الحديد انهار سريعًا إلى أقل من 100 دولار للطن، في سبتمبر 2021 بسبب تحرك الصين لتنظيف قطاعها الصناعي الملوث بشدة. ويتسبب الركود الحالي بجعل خام الحديد إحدى السلع الأساس الأسوأ أداء، والمغايرة للطفرة الأوسع نطاقًا التي شهدت، مثلاً، ارتفاع سعر الألمنيوم إلى أعلى مستوى في 13 عامًا، كما قفزت أسعار الغاز، وارتفعت العقود الآجلة للفحم إلى مستويات غير مسبوقة. وعلى الرغم من تراجع أسعار بعض السلع مؤخرًا وسط المخاوف من تصاعد حالات الإصابة بوباء كوفيد 19، ومع تحرك الصين للحد من ارتفاع التكاليف، إلا أن أسعار السلع الأساس لكافة الفئات مازالت مرتفعة عند مستويات تاريخية في الوقت الحالي. وبطبيعة الحال لا تعد شركات التعدين محصنة ضد التضخم، حيث تواجه عمليات خام الحديد في أستراليا ارتفاعًا حادًا في تكاليف العمالة بسبب نقص العمال، وتنظر الحكومات في البلدان الغنية بالموارد، وخاصة في أمريكا اللاتينية، أيضًا إلى الصناعة كمصدر لإيرادات إضافية بعد ارتفاع أسعار السلع. مؤتمر التعدين الدولي ومن المنتظر أن يلعب مؤتمر التعدين الدولي دوراً مهماً في مناقشة كل هذه المشكلات والتحدياتباعتباره منصة دولية لمناقشة كل ما له علاقة بقطاع التعدين إقليميًا وعالميًا وتنميته ومستقبله اعتمادًا على ثلاثة محاور رئيسة هي: رسم ملامح جديدةللقطاع، وتقديم مناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا باعتبارها أراضيَ للفرص التعدينية، ومساهمة قطاع التعدين في التنمية المجتمعية. وسيحفل المؤتمر بحضور أكثر من 2000 شخص من أكثر من 100 دولة، ويشارك فيه أكثر من 100 متحدث بارز من جميع أنحاء العالم، ما يجعل منه حدثًا مهمًا للمستكشفين وشركات التعدين والمستثمرين في التعدين لبحث إمكانية تطوير مناطق جديدة للتعدين والتعرف على فرص الاستكشاف والإنتاج والتصنيع في المناطق الواعدة. وتتمثل مهمة المؤتمر في جذب الاستثمار الأجنبي إلى مركز تعدين جديد وناشئ يتطلب رؤى وقدرات وبنية تحتية لتحقيق الاستغلال الأمثل لمساحات شاسعة من الثروات المعدنية غير المستَغلة.
مشاركة :