الذباب الإلكتروني أداة في حرب وقودها الخوارزميات

  • 1/7/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع ازدهار عصر الشبكات الاجتماعية، بدأت بعض الجهات تعمل على إنشاء عدد كبير من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة للتأثير أو لتغيير مفهوم المتصفحين حول قضية معينة. ويتمثل الهدف الأساسي لهذه الحسابات في نشر وإعادة نشر تغريدات في العالم الافتراضي لتصبح وكأنها رأي عام لمستخدمين يبدون وكأنهم مجمعون على رأي واحد، وبالتالي تدفع مغردين هم عادة على الحياد إلى التغريد والمشاركة في الجدل والحديث الدائر. وتُدار هذه الحسابات عادة بالاستعانة بروبوتات وبرامج خوارزمية تقوم بمهام متكررة وتلقائية عبر برمجة تنتهي بوضع علامات إعجاب، أو إعادة تغريد، أو تعليق على تغريدات في نمط من النشر الغزير يؤدي لنشر فيض من الوسوم أو الهاشتاغات تدخل حلبة المنافسة في قوائم الترند العالمية، أو تصدر الترند في الدول المستهدفة. تزوير متقن أحد أهداف تلك الأعمال الحربية القذرة تأسيس فريق دعم إلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي يطلق عليه مصطلح “الذباب الإلكتروني”، كناية عن كثافة الهجوم على موضوع معين يصل إلى مئات الآلاف من الحسابات الوهمية، للتشهير وتلطيخ سمعة الطرف الآخر. أو بث مواد تخريبية محددة لنشر الفوضى وتقليب الشعوب على بعضها. حيث تتم عمليات في غاية الإتقان لتصميم حملات “تلطيخ سمعة” مبنية على معلومات وصور مفبركة على درجة عالية من التزوير المتقن لإيهام المتلقي بمصداقيتها. استخدام الحسابات المزيفة للترويج وخلق وهم بشعبية واسعة لوجهة نظر معينة هو مجرد تكتيك دعائي وعادة ما يكون الهدفُ من هذه الحملات سياسيا بحتا. ويستخدم مُصطلح لجنة إلكترونية أو اللجان الإلكترونية لِذات المعنى، وهي اتحاد بين مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من المنظمات الإلكترونية تعمل على توجيه أو تغيير اتجاه الرأي العام إلى فكر معين سواء كان فكرا أو معتقدا منافيا للحقيقي أو معها. وفي الثاني من ديسمبر الماضي أعلن تويتر عن إزالة حملتين دعائيتين مرتبطتين بالحكومة الصينية؛ بالتحديد 2048 حسابا تهدف لدعم أطروحات الحزب الشيوعي الصيني حول منطقة شينجيانغ وسكانها الإيغور، و112 حسابا منسوبا إلى شانغيو كولتور، وهي شركة خاصة تعمل لصالح حكومة منطقة شينجيانغ. وحلل فريق في مرصد ستانفورد للإنترنت هاتين الشبكتين. ووجد الفريق أن الشبكتين ردّدتا الطروحات المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني حول معاملة الإيغور في شينجيانغ، بنشر محتوى من وسائل الإعلام الحكومية الصينية أو مشاركة مقاطع فيديو لشهادة الإيغور حول مدى سعادتهم في الحياة في شينجيانغ. وكما هو الحال مع عمليات الإزالة السابقة على تويتر للشبكات المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني، كانت الحسابات في الشبكة الأولى محجوبة نوعا ما، فبدلا من تقديم أصحاب الحسابات كأشخاص حقيقيين محتملين، غالبا ما كانوا يعرضون صورا افتراضية أو صورا شائعة، وأحيانا سيرة ذاتية مقتضبة، دون نشاط سابق لنشر المحتوى الذي يشمل موضوع العملية. وأبرز ما يميز هذه الشبكات هو مدى تكرارها من الناحية التكتيكية واستمرارها. حتى في الأسابيع القليلة التي تلت إزالة تويتر للحسابات المحددة التي تم فحصها، لوحظ المئات من الحسابات ذات الملفات الشخصية وأنماط النشر المتشابهة. كما لاحظ باحثون آخرون أنماطا مماثلة مع الآلاف من الحسابات الأخرى، لكنها تختلف عن الشبكات التي حللناها. لماذا تتكرر نفس الاستراتيجيات عاما بعد عام عندما لا يبدو أنها تحقق أي فاعلية حقيقية؟ حملات دعائية فيسبوك وتويتر في مواجهة المعلومات المضللة فيسبوك وتويتر في مواجهة المعلومات المضللة في كل مرة تُمحى فيها العملية، يجب على المشغلين البدء من جديد وإنشاء متابعين جدد. وإذا كانوا يتوقعون إزالة حساباتهم بسرعة، فقد يرون أن تطوير الشخصية لا يستحق الوقت الذي يُضيعونه وأن إغراق الحساب (أو هاشتاغ معين) بكمية كبيرة من المساهمات، في محاولة لإلهاء بسيط، هو استراتيجية أكثر مثالية. ومع ذلك، يمكن اعتماد قراءة أكثر تشاؤما؛ أحد مبررات المنطق المفترض للإعلان عن إزالة الحملات الدعائية من المنصات هو أن هذا الإعلان له تأثير رادع. فعلى سبيل المثال، كتب أعضاء فريق الأمان في فيسبوك أن “هناك تأثيرا على السمعة عند تصنيفها علنا وإزالتها من أجل (الحملات الدعائية) الأجنبية أو المحلية”. وكما هو الحال، لا توجد الكثير من الأبحاث لإظهار أن الفاعلين السياسيين يواجهون في الواقع ضررا بسمعتهم بما يكفي لتغيير سلوكهم. حقيقة أن نفس المشغلين يواصلون شن حملات على الرغم من محاولات حذفهم المتكررة، وقد يشير هذا إلى أن التأثير الرادع لا يعمل، أو أن الجاني يعتقد أن الفائدة تستحق الكلفة. وعلى سبيل المثال، أظهرت الأبحاث حول الدعاية المحلية لوسائل التواصل الاجتماعي في الصين أن الحكومة تستخدم ما يسمى بـ”حزب 50 سي” (يُدفع المعلقون عبر الإنترنت للنشر بتوجيه من الحكومة بينما يتظاهرون بأنهم مستخدمون عاديون لوسائل التواصل الاجتماعي) لاختلاق مئات الملايين من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ليس للتجادل مع منتقدي الحزب بل “لإلهاء الجمهور وتغيير الموضوع السائد”. ويختلف هذا بالتأكيد عن ملاحظات الباحثين التي تفيد بأن الحسابات، التي تديرها وكالة أبحاث الإنترنت الروسية مثلا، غيرت أسماءها وتركيزها خلال فترة عملها، لاستكشاف الموضوعات والشخصيات في محاولة للعثور على تلك التي كانت مثالية للجمهور عالي التفاعل، وبدأ حسابها “جيش يسوع” الذي أصبح أحد أكثر الحسابات متابعة للإطار الزمني التشغيلي للوكالة حياته على وسائل التواصل الاجتماعي كصفحة مكرسة أولا للضفدع كيرميت، ثم إلى عائلة سيمبسون. وإذا لم تكن المشاركة هي مقياس التركيز، فإننا نتوقع أن يستثمر القائمون على الدعاية الكمية على الجودة، مع التركيز على الحسابات والتغريدات ذات الإنتاج الضخم مع الرسالة المقصودة، بدلا من تكوين المتابعين أو حتى الترويج الفعال للحسابات داخل الشبكة. وقد تقوم الحملات الدعائية بنشر الكثير من الحسابات وإعادة الظهور بعد إزالة تلك الحسابات لأن مشغلي الحملات يُدفع لهم بناء على المنشورات، وليس التفاعل. انطباعات مزيفة لماذا تتكرر نفس الاستراتيجيات عاما بعد عام عندما لا يبدو أنها تحقق أي فاعلية حقيقية؟ قد تكون هذه الإسهامات الأخيرة لمنظمات استعانت بمصادر خارجية قطرة من محيط، فليست هذه المرة الأولى التي تمت الاستعانة فيها بمصادر خارجية، بل هي الأولى التي اكتشفها فيسبوك وتويتر وأعلنا عنها. ووجد الباحثون في مجال المعلومات المضللة ارتفاعا في تعهيد الجهات الحكومية لحملات التضليل إلى العلاقات العامة أو شركات التسويق. وأظهرت العديد من عمليات الاستعانة بمصادر خارجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتباطات عالية من المتابعين. استخدام الحسابات المزيفة للترويج وخلق وهم بشعبية واسعة النطاق لوجهة نظر معينة هو مجرد تكتيك دعائي واحد. ويتمتع الحزب الشيوعي الصيني، مثلا، بمدى واسع من قدرات الدعاية الدولية – الخارجية التي تغطي مجالات البث والمطبوعات والمنصات الرقمية، والتي تطورت على مدى عقود. وقد يعتقد الحزب أن الاستثمار في حسابات الدبلوماسيين على تويتر قد يكون أكثر فعالية من الحملات السرية المقنّعة، أو قد يخلط التكتيكات العلنية والسرية باستخدام حسابات مزيفة لإعطاء انطباع بوجود دعم شعبي ضخم. وأظهر بحث من وكالة أسوشيتد برس ومعهد أكسفورد للإنترنت أن الحسابات التي تضخم الدبلوماسيين الصينيين بهدف التلاعب بالمنصة (علامة على عدم المصداقية) غالبا ما يعلّقها تويتر لاحقا. ويمكن أن يساعد اختيار الحزب منح الأولوية للقنوات الأخرى مثل الاستفادة من المؤثرين على يوتيوب في تفسير الوصول المتواضع نسبيا لشخصيات تويتر. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون مقلقا. وتعني مجموعة موارد الحزب الواسعة والقوى العاملة الرخيصة نسبيا أن التغييرات الإضافية في الاستراتيجية يمكن أن تؤدي إلى تحولات كبيرة في مشهد المعلومات المضللة.

مشاركة :