قال عبدالناصر فروانة، المختص في شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، اليوم الجمعة، إن قرابة 17 ألف فلسطينية تعرض للاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967. وأوضح فروانة لموقع الغد “تضم قائمة الفلسطينيات اللاتي اعتقلن أمهات ونساء طاعنات في السن، وزوجات وحوامل ومريضات، ومن ذوي الحاجات الخاصة، وفتيات قاصرات، وطالبات في مراحل تعليمية متعددة، وكفاءات أكاديمية، وقيادات مجتمعية، ونواب منتخَبات في المجلس التشريعي”. وقال إن التاريخ يحفظ أن الأسيرة الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة هي فاطمة برناوي، ابنة مدينة القدس، والتي اعتُقلت بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 1967، وأمضت عشرة أعوام قبل أن تتحرر في سنة 1977. وأشار إلى أن الأشكال والأساليب التي يتبعها الاحتلال عند اعتقال المرأة الفلسطينية لا تختلف عنها عند اعتقال الرجال، وكذلك ظروف الاحتجاز الصعبة. وتفيد الشهادات بأنهن تعرّضن لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والمعاملة المهينة، من دون مراعاة لحقوقهن، في محاولة لملاحقة المرأة وردعها وتحجيم دورها وتهميش فعلها، أو بهدف انتزاع معلومات تتعلق بها أو بالآخرين، وأحياناً، يتم اعتقالها للضغط على أفراد أسرتها، لدفعهم إلى الاعتراف، أو لإجبار المطلوبين منهم على تسليم أنفسهم. ولفت إلى أنه على مدار العام المنصرم 2021، تم رصد اعتقال نحو 184 فلسطينية، الأغلبية العظمى منهن من القدس، وهذا العدد يُشكل زيادة قدرها 44% عمّا سُجّل في العام الذي سبقه. بينما بلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات اللواتي ما زلن في سجون الاحتلال مع نهاية العام المنصرم 34 أسيرة، يقبعن في سجن الدامون، الذي يعود إنشاؤه إلى عهد الانتداب البريطاني ويقع على الطريق الساحلي القريب من مدينة حيفا شمال فلسطين، بينهن قاصر تدعى نفوذ حماد تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، و11 أماً يعشن أحوالاً نفسية صعبة نتيجة القلق والتفكير المستمر في أحوال أبنائهن وكيفية سير حياتهم من دون أمهاتهم، والأكثر قسوة حال الأسيرة التي يكون زوجها أسيراً في سجن آخر، ويعيش أطفالهما من دون رعاية الأبوين. وقال فروانة إن 19 أسيرة من مجموع الأسيرات الفلسطينيات هن من الضفة الغربية، و11 أسيرة من القدس، و4 أسيرات من المناطق المحتلة سنة 1948، أقدمهن الأسيرة ميسون الجبالي المعتقلة منذ 29 حزيران/ يونيو 2015. بينما تُشير المعطيات إلى أن 18 أسيرة منهن صدرت بحقهن أحكاماً بالسجن لفترات متفاوتة، وأعلاهن حُكماً الأسيرتان شروق صلاح دويات من القدس، وشاتيلا سليمان أبو عيّاد من كفر قاسم، المحكومتان بالسجن 16عاماً، والأسيرتان عائشة يوسف الأفغاني من القدس، وميسون موسى الجبالي من بيت لحم، المحكومتان بالسجن 15عاماً، والأسيرة نورهان إبراهيم عواد من القدس، وهي محكومة بالسجن 13عاماً، والأسيرة الجريحة إسراء رياض الجعابيص من القدس، المحكومة بالسجن مدة 11عاماً، والأسيرات فدوى نزيه حمادة وأماني خالد الحشيم وملك يوسف سليمان، المحكومات بالسجن 10 أعوام، وثلاثتهن من القدس. بحسب فروانة. بينما لا تزال 15 أسيرة موقوفات. هذا بالإضافة إلى الأسيرة الأم شروق البدن من بيت لحم، والمعتقلة منذ 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي لمدة 4 أشهر رهن الاعتقال الإداري. ويعاني عدد من الأسيرات جرّاء أوضاع صحية صعبة، أبرزهن: الأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص التي تبلغ من العمر 36عاماً، والمعتقلة بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والتي حُكم عليها بالسجن الفعلي مدة 11 عاماً بتهمة أُلصقت بها، وذلك حين انفجرت أسطوانة غاز كانت تنقلها في سيارتها بالقرب من حاجز عسكري نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار على سيارتها بذريعة اقترابها من الحاجز واتهامها بمحاولة تنفيذ عملية دهس. فتسبب الانفجار باشتعال النيران في سيارتها، وفي إثر ذلك، أصيبت بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، أتت على أكثر من 60% من جسدها ووجهها، وهو ما أفقدها عدداً من أصابع يديها وأصابها بتشوهات كبيرة في جسدها، وأضرار تسببت بتغيير ملامحها كلياً، وهي بحاجة إلى رعاية صحية ومزيد من العمليات الجراحية، ومعاناتها تتفاقم في ظل استمرار سياسة الإهمال الطبي المتعمد. وأكد المختص في شؤون الاسرى أن سلطات الاحتلال صعّدت من استهدافها للإناث على مدار الفترة الماضية، ووسعت دائرة الاعتقال وارتفع عدد المعتقلات، وأصدرت بحق بعضهن أحكاماً قاسية، وفرضت على أغلبيتهن غرامات مالية باهظة، وأخضعت عدداً من الفتيات والأمهات للاعتقال الإداري والحبس المنزلي. وأضاف ” حدث كل هذا مترافقاً مع تصعيد إدارة السجون قمعها للأسيرات في سجونها والاعتداء عليهن، وعدم مراعاة خصوصيتهن، عبر تركيب كاميرات مراقبة وغيرها من الإجراءات، ومصادرة حقوقهن، بما في ذلك الحق في تلقّي الرعاية الطبية اللازمة والعلاج المناسب، والحق في التجمع لغرض الدراسة والتعلُّم، أو لأداء فرائض الصلاة جماعةً، والحق في ممارسة الأنشطة الذهنية والترفيهية، والحق في استقبال الأهل وأفراد الأسرة بصورة منتظمة، إذ تعاني الأسيرات جرّاء عدم انتظام برنامج الزيارات، وفرض قيود ووضع عراقيل عديدة أمام استقبال الزوار، بذريعة “المنع الأمني” تارة، وتارة أُخرى بحجة “كورونا”. وتابع “كثيراً ما اشتكت الأسيرات من تفاقم معاناتهن جرّاء سوء المعاملة في أثناء النقل بين السجون، أو إلى المحاكم والمستشفيات، بواسطة ما يُعرف بسيارة “البوسطة”، حيث يتكبدن العناء والتعب، ويتعرضن لكثير من المضايقات والاستفزازات والاعتداءات الجسدية أو اللفظية، أو الاثنين معاً، لتشكل عملية النقل رحلة عذاب. هذا بالإضافة إلى معاناتهن داخل غرفة “المعبار” السيئة في سجن “هشارون”، والتي لا تصلح للحياة الآدمية، حيث تضطر الأسيرات إلى الانتظار فيها ساعات طويلة، أو المكوث فيها أياماً عديدة كمحطة انتظار، قبل استكمال نقلهن إلى الجهة المحددة”. ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول من العام المنصرم اشتدت حملات القمع والتنكيل بحق الأسرى والأسيرات عموماً، انتقاماً منهم وعقاباً جماعياً لهم، وبغية استعادة سلطات السجون هيبتها وترميم صورتها المهزومة عقب عملية نجاح ستة أسرى فلسطينيين في انتزاع الحرية عبر نفق سجن جلبوع الإسرائيلي، الذي يُعتبر السجن الأكثر تحصيناً والأشد حراسةً، وما شكّلته هذه العملية من ضربة قوية وموجعة لدولة الاحتلال، وفشل ذريع لأسطورة المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. وأكد فروانة أن تلك الهجمة المسعورة ما زالت مستمرة تحت ذرائع وحجج متعددة، لكنها اتخذت في الأسابيع الأخيرة منحى خطِراً في استهدافها الأسيرات والاعتداء عليهن، ورشّ غرفهن بالغاز، وفرضت إدارة السجون جملة من العقوبات، كالحرمان من الزيارة والكانتينا، وسحب أدوات كهربائية، بالإضافة إلى عزل ممثلة الأسيرات وأسيرتين، وهو ما شكّل تعدياً صارخاً وتجاوُزاً لكل الخطوط الحمراء، الأمر الذي دفع بالأسرى في السجون الأُخرى إلى الاستنفار واتخاذ موقف موحد بدعم وإسناد الأسيرات والوقوف إلى جانبهن، والمطالبة بوقف الإجراءات القمعية، وتلبية مطالبهن.وبعثوا برسائل شديدة اللهجة إلى إدارة السجون، واتخذوا العديد من الخطوات النضالية، تخللتها عملية الطعن الفردية التي قام بتنفيذها أحد الأسرى في سجن نفحة ضد ضابط يعمل في إدارة السجون، وهو ما أشعل الأوضاع داخل السجون وخارجها وشكّل حالة ضغط على إدارة السجون التي اضطرت إلى الاستجابة لتهدئة الأوضاع. واستطرد “وعلى الرغم من إنهاء عزل ثلاث أسيرات كنّ في العزل الانفرادي، وعودة الهدوء النسبي إلى أقسام الأسيرات في سجن “الدامون”، إلّا إن الوضع غير مطمئن، وخصوصاً بعد مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر على قانون ينص على إرسال وحدات من الجيش إلى السجون بذريعة ضبط الأمن، وهو ما يؤشر إلى احتمالية أن تكون المرحلة المقبلة أكثر قمعاً واستخداماً للقوة المفرطة بحق الأسرى والأسيرات عموماً. كما أكد فروانة أنه بالرغم من قسوة الأوضاع وظروف الاحتجاز وسوء المعاملة، فإن المرأة الفلسطينية، وعلى مدار سني الكفاح الطويلة، لم تنكسر أمام سجّانيها، ولم تتراجع عن أداء واجبها، بل بقيت متماسكة في مواجهة الاحتلال وسجّانيه، وخاضت مع إخوانها الرجال الكثير من الخطوات النضالية، بما فيها الإضرابات عن الطعام، ذوداً عن كرامتها ودفاعاً عن حقوقها وحقوق شعبها، فحافظت على وجودها وبنَت داخل السجن مؤسسة تنظيمية وثقافية وفكرية، وسطّرت صوراً رائعة من البطولة يفتخر بها وتحفظ في الذاكرة الجمعية لنضالات المرأة في العالم.
مشاركة :