أشرف السعيد: أكد مشاركون في اليوم الاول لمؤتمر تاريخ التسامح الديني والمذهبي في البحرين والذي انطلقت أعماله صباح أمس أن البحرين أنموذج مثالي وقدوة لكل بلاد العالم في التسامح والتعايش والقبول للآخر بين كافة الاديان والطوائف والمذاهب، مشددين على ضرورة تجديد الخطاب الديني المعتدل في المساجد والمآتم والكنائس والمعابد خاصة بين اوساط الشباب. كما دعا المشاركون الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها الى تحمل مسؤولياتها في الحرص على ان تظل البحرين أنموذجًا للتعايش والتسامح بين كافة الاديان والطوائف والمذاهب، معتبرين أن انعقاد هذا المؤتمر هو دليل على القواسم المشتركة التي تجمع بين كافة الاديان والطوائف والمذاهب ممن يعيشون على ارض البحرين، مشددين على ضرورة عقد مؤتمرات وفعاليات دورية لتتلاقى الافكار، مطالبين بغرس ثقافة الحوار مع الآخر ونبذ العنف والتطرف بكافة أشكاله، كما ابتهلوا جميعًا الى الله أن تدوم نعمة الامن والامان على البحرين وقيادتها وشعبها وكل من يقيم على ارضها الطيبة. وكان المؤتمرالذي يعقد على مدى يومين قد انطلقت أعماله في يومه الاول صباح امس الاثنين متزامنًا مع اليوم العالمي للتسامح الذي يوافق 16 نوفمبر سنويًا، وبمشاركة رسمية ودبلوماسية وشعبية وفعاليات دينية وممثلي كافة الطوائف والمذاهب بالبحرين. أكد نائب رئيس مجلس الأمناء بمركز عيسى الثقافي د. الشيخ خالد بن خليفة خلال كلمته بالمؤتمر أن قصة تاريخ البحرين كانت مفخرة لنا عبر الزمن، إنها قصة التسامح التي خطها أهل هذا البلد معًا في أجواء اتسمت بالألفة والتآزر، والتي دعمها ورسّخها صاحب الجلالة الملك المفدى سيرًا على نهج وخطى آبائه وأجداده ورغمًا عن الفوارق والاختلافات. وتابع: كانت البحرين منذ فجر نهضتها رمزًا للتعايش السلمي بين جميع أطياف المجتمع المتنوع فكريًا وعقائديًا والتي ظهرت ملامحه أكثر إبان القرن الـ19 الميلادي، حيث سادت خلاله مظاهر التنوع الديني والمذهبي الواضح، عبر بناء وتشييد دور العبادة بمختلف فئاتها، لتكون هذه الحقبة هي التي وثّقت رسميًا وفعليًا لمبدأ سلمية التعايش المجتمعي في البحرين. وزاد: إن مركز الوثائق التاريخية بمركز عيسى الثقافي يسعى من خلال هذا المؤتمر نحو توثيق تلك الحقبة، لنؤكد بذلك أصالة مجتمعنا ورقي شعبنا، ولتدرك أجيالنا القادمة ضرورة بناء الواقع والمستقبل بالاعتبار بماضينا المتسامح، دون أن يترك للمتزمتين والمشككين سبيلاً لتأليب القلوب والعقول، وإثارة التفرقة وبث الكراهية بين الناس. وشدد خليفة على أن التسامح الديني والمذهبي في البحرين هو واقع قائم منذ القدم، لم يكن أبدًا سمة دخيلة مستحدثة، ولم يكن أمرًا فرضته الظروف. وهذا ما ستثبته أطروحات هذا المؤتمر الذي يقدمه نخبة ممن لمسو وساهموا في بناء هذا الواقع الجميل. ومن جانبه قال يوسف عبدالرحمن رئيس تحرير أخبار الخليج نلتقي اليوم في هذا المكان الذي يضمنا بمختلف مشاربنا الفكرية وتنوع معتقداتنا، فإننا ندرك أن ما يربط بيننا جميعًا هو انتماؤنا إلى الإنسانية، ذلك القاسم المشترك والخيط الرفيع الذي يشد بعضنا إلى بعض. ولعل ما يزيد من أهمية لقائنا في هذا المكان الصغير في عالمنا الرحب أن هذا المجتمع المتحضر والمستنير يتيح لنا اليوم الفرصة -بما عرف عنه من تسامح وتقبل للآخر وتعايش وإرث حضاري راسخ- كي نلتقي جميعًا لنتبادل الرأي ويتعلم بعضنا من قيم وتجارب بعضنا الآخر. ومن ناحيتها ثمّنت عضو مجلس الشورى هالة رمزي فايز دور القائمين على مركز عيسى الثقافي لما يقومون به وعلى جهودهم الحثيثة بتنظيم الفعاليات الثقافية والعلمية المعنية بالتراث الحضاري العربي عامة ومملكة البحرين خاصة، وبتنمية الحوار بين الثقافات والحضارات، والتي من احداها هذا المؤتمر، والذي يأتي متزامنا مع اليوم العالمي للتسامح. وأكدت فخرها واعتزازها بالقيم الأصيلة التي يحملها شعب البحرين عبر التاريخ من تآلف وتسامح فيما بين أصحاب الديانات المختلفة على هذه الأرض الطيبة التي تحترم كافة الأديان والمذاهب.. وبيّنت أن البحرين بحكم كونها ملتقى لحضارات متنوعة قديمًا وحديثًا، كانت سبّاقة في رفع أي شائبة قد تنم عن أي تمييز بين مواطنيها بسبب الجنس أو اللون أو الديانة أو المذهب أو العرق، بل وبين مواطنيها ومواطني الدول الأخرى ذوي الديانات والأثينيات الأخرى، حتى باتت وطنا للجميع ومن جهته أشار د. عبدالله المقابي إلى أن البحرين حضارة جمعت عدة حضارات، فكانت من الممالك القديمة التي لها شهرتها الواسعة في التاريخ البشري وبها آثار كثيرة تحكي تاريخ الحضارات التي نشأت فيها، فكانت موقعًا ولا زالت، وبقيت الدولة الوحيدة التي تمثل نمط التعايش السلمي بين المذاهب والملل والأديان. وتابع: فمملكة البحرين لا نشيد ولا نعتز فقط بتاريخ التعايش فيها، بل لاعتبارها أنموذجًا يحتذى به، خصوصًا فيما يمتاز به شعبها من عفوية وطيبة وصدق في التعامل والتعايش والمعاشرة بدءًا من الحياة الاعتيادية وليس انتهاءً بقضايا الأمة المصيرية، لذلك ظلت البحرين بمنأى عن الفتن والاضطرابات الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية التي نسمع عنها في بعض دول العالم الإسلامي، حيث اجتاحتها وتجتاحها الكثير في ماضيها وحاضرها بفعل عوامل التعصب الطائفي الأعمى. وقد شهد اليوم الاول من المؤتمر جلستين الاولى بعنوان قيمة التسامح عند المجتمع البحريني وأداره، د. منصور سرحان عضو مجلس الشورى ومدير مكتبة مركزعيسى الثقافي، وتحدث فيها د. ناجي العربي وجعفر بن رجب رئيس مأتم بن رجب، ود. علي بوشهري رئيس مأتم العجم. وقد استعرض د. ناجي العربي قيمة التسامح من القرآن والسنة ثم تناولها في واقع المجتمع البحريني، كما استعرض جعفر بن رجب رئيس مأتم بن رجب تاريخ أقدم مأتم في البحرين وما شهده من مناسبات تاريخية ودينية وجيرانه من السنة واليهود والمسيحيين والهندوس والبهائيين والصابئة والبهرة في المنطقة التي يوجد بها المآتم، كما تناول د. علي بوشهري مأتم العجم وتاريخه والتناوب على رئاسته وعلاقاته وجيرانه. أما الجلسة الثانية والتي أدارها عبدالله الدرازي نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان فتحدث فيها القس هاني عزيز راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية بالبحرين عن تاريخ التسامح والمجتمع المسيحي في البحرين، كما تحدثت عضو مجلس الشورى نانسي خضوري عن تاريخ التسامح والمجتمع اليهودي في البحرين. الأمن والأمان أهم من الحرية ومن جهته شدد القس هاني عزيز راعي الكنيسة الإنجبلية الوطنية بالبحرين على أن الأمن والأمان نعمة كبرى في البحرين وهي أهم من الحرية التي يتشدّق بها البعض، وأن البحرين هي الحاضر والمستقبل للأجيال القادمة. كما وجه شكره إلى جلالة الملك؛ لأنه رجل سلام وتسامح، وفي كل خطاب يتناول التسامح والتعايش، ودائمًا بقول إن أرض البحرين لجميع البحرينيين وغيرهم، فهو لا يفرق بين بحريني وأجنبي، فالكل سواسية تمامًا، وهذا الاتجاه يركز على التسامح والتعايش وكأن الناس تستمد هاتين الفكرتين من تعاملات جلالة الملك. وتابع: وفي البحرين يوجد نحو 18 كنيسة مسجلة تحت مظلة وزارة التنمية، وهذا يجسّد للبحرين قيم التسامح، فهي على الرغم من انها بلد صغير تضم هذا العدد من الكنائس، وكل كنيسة تقيم شعائرها الدينية بكل حرية، ولا توجد أي ضغوط من جانب الحكومة عليها. وزاد، شعب البحرين من أعظم الشعوب التي تعيش التسامح والتعايش مع الآخرين مقارنة بغيرهم من الشعوب، ولا يصنّف شعب البحرين الآخرين حسب الدين ولا العرق ولا الجنس ولا اللون؛ لأن البحريني بلد منفتح على الحضارات الاخرى، فالشعب البحريني متمسّك بدينه وتقاليده لكن في نفس الوقت منفتح على الحضارات الاخرى، ولأنه منذ القدم كانت البحرين ميناء مهم كملتقى للتجارة بين الشرق والغرب، وهذا أتاح للبحرين وشعبها أن يلتقوا مع حضارات كثيرة ويتسامحوا مع الآخرين؛ لأن الموقع منحهم هذه الصفة. وعن التنوع الديني في البحرين وحرية ممارسة شعائرهم قال عزيز هناك 3 طوائف اساسية، وهي الإنجيلية والأرثوذكسية والكاثوليكية وينبثق عنها نحو 18 كنيسة، ومن خلال الديانات السماوية الثلاثة في البحرين هناك أديان وضعية مثل السيخ والبوذيين فهي تتعامل بكل احترام، ويتسامحون مع الآخرين ويوجد في المنامة منطقة واحدة معبد يهودي وآخر للسيخ ومسجد للسنة ومأتم شيعي والكنيسة، والميزة في البحرين انه توجد حرية للاديان والتلاحم والتلاقي والتواصل في الفعاليات التي تجمع كل الاطياف ولا يوجد ذلك في بلد آخر. وبيّن عزيز أن البحرين شهدت عام 2014 مؤتمر حوار الحضارات تحت رعاية جلالة الملك وهي أول بلد خليجي ينبنى مؤتمر الحضارات، كما شهدت أول مؤتمر للحضارات عام 2002 وشارك فيه كل الاطياف من كل انحاء العالم، ومشيرًا الى ان عمر الكنيسة الانجيلية عمرها نحو 110 أعوام؛ لأنها تاسست في البحرين عام 1906فهي أقدم كنيسة في البحرين ودول الخليج قاطبة وستكمل الكنيسة الانجيلية عامها المائة وعشر عام في فبراير 2016، وعندما اكملت قرن من الزمن عام 2006 أقيم احتفال تحت رعاية جلالة الملك. أما عضو مجلس الشورى نانسي خضوري -وتمثل الطائفة اليهودية- فقالت: لقد أصدرت كتابًا بعنوان تاريخ الجالية اليهودية في البحرين، وكان من اوائل العوائل اليهود الذي جاءوا من العراق الى البحرين عائلة يايكارد عام 1880 وعائلة خضوري عام 1900، ثم عوائل كوهين، روبين، إسويري، وكان مائير داوود وعائلتي روبين وإبراهيم نونو كانتا من اوائل العوائل التي جاءت من العراق، أما عائلة يهقوب كوهين فجاءوا من الهند. وزادت: وبالنسبة لعدد اليهود فمن الصعب حصر عددهم؛ لأنه في السنوات الاخيرة كان عددهم بضع آلاف وبعض العوائل تقريبًا 36 فردًا بحرينيًا مقيماً بالبحرين، ولا يوجد عدد معلوم؛ لأن كثيرًا منهم يعيش خارج البحرين ومنهم من يتنقل بين لندن والبحرين وعواصم أوربية اخرى، ونمارس طقوسنا من خلال معبد يهودي أسس في عام 1930 اسسه رجل فرنسي كان يعمل بتجارة اللؤلؤ وكان يحمل لقب بك، وقام بتأسيس هذا المعبد وجعل وثائق هذا المعبد باسم خضوري الصائغ - وكان يعمل بأحد البنوك آنذاك - ليكون وصيًا على المعبد للجالية اليهودية. وحول طبيعة العلاقة بين أبناء الجالية اليهودية وبقية الاديان والطوائف الاخرى في البحرين وصفت خضوري العلاقة بأنها حميمية وتوجد صداقة مع مسلمين ومسيحيين وهندوس، كما يوجد تلاحم جميل ولا توجد تفرقة بيننا لقاءات في الفعاليات ونقف بجانب بعضنا البعض معا في كل المناسبات، ونافية إنعزال أبناء الطائفة اليهودية بل أنهم يقيمون ليلة كل جمعة مجلسًا.
مشاركة :