في كتاب جديد بعنوان “سيرة الأجواق المسرحية العربية في القرن التاسع عشر - مذكرات الممثلين عمر وصفي ومريم سماط” يعد الروائي والباحث تيسير خلف مادة هامة تتطرق إلى ظاهرة مسرحية هامة هي الأجواق، مزودا بحثه بملحق من الصور النادرة تغطي تلك الفترة من تاريخ المسرح العربي. والأجواق هي جمع كلمة جوْق والجوق المسرحي وهو المصطلح الذي كان يستخدم في القرن التاسع عشر لما نسميه اليوم الفرقة المسرحية. أما الممثل عمر وصفي، واسمه الحقيقي عمر محمد ميقاتي، فقد ولد في العام 1874، كما نستشف من هذه المذكرات، لأسرة قاهرية محافظة، حيث كان والده يتولى الميقات والأذان والقرآن، في جامع الحسين. في حين ولدت مريم سماط في بيروت في العام 1870 لأسرة ميسورة من طائفة الروم الأرثوذكس، وتعود أصول عائلتها إلى قرية محردة قرب حماة. كان والدها تاجر مجوهرات اضطرتْه الظروف للهجرة إلى مصر حوالي العام 1888. الكتاب يمنح الباحث في تاريخ المسرح العربي فرصة نادرة للمقارنة بين الروايات المختلفة لنشأة الأجواق المسرحية العربية يضم هذا الكتاب، الصادر حديثا عن منشورات المتوسط - إيطاليا، المذكرات الفنية للممثليْن المسرحييْن وصفي وسماط اللذيْن عاصرا بدايات ظهور الأجواق المسرحية المحترفة في مصر، خلال عقْدي الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى مقدمتيْن إضافيتيْن، توضحان أهمية هذيْن الممثليْن الرائديْن في تاريخ المسرح العربي. وإن كانت مذكرات سماط مختزلة إلى حد كبير، فإن مذكرات وصفي أكثر تفصيلا وإحاطة بتفاصيل تلك المرحلة التأسيسية للنهضة الفنية التي ترفل فيها مصر منذ قرن ونصف القرن، بمساهمة حاسمة من فنانين ومبدعين سورييْن، فروا من الجوْر الحميْدي؛ ووجدوا في أرض الكنانة جنة الحرية التي كانوا يحلمون بها. وقد جمعت الأقدار بين صاحبي هذه المذكرات، وتقاطعت سيرتاهما في الكثير من المحطات والوقائع المشهورة، خصوصا في أثناء عملهما معا في جوْق أبي خليل القباني السوري - المصري (من العام 1894 إلى العام 1901)، وهو ما يمنح الباحث في تاريخ المسرح العربي؛ فرصة نادرة للمقارنة بين الروايات المختلفة لنشأة الأجواق المسرحية العربية في مصر، وظروف حلها، أو اندماجها في أجواق وأسماء جديدة. وحين يوصف تيسير خلف تلك الأجواق العربية، فهذا لا يحمل أي رسالة أيديولوجية، كما يقول، ذلك لأن الفرق نفسها كانت تسمي ما تقدمه مسرحا عربيا. وثانيا لأن فرسانها كانوا من سوريا العثمانية ومصر، فلم تكن دمشق أو القاهرة أو الإسكندرية أو بيروت أو يافا في نظرهم سوى مدن في بلاد واحدة، تجمعها الروح العربية تحت ظلها الظليل. هذه السيرة للأجواق المسرحية العربية إذن؛ خطتها أنامل اثنيْن من العاملين فيها، ومن هنا فرادتها، إذ أن الكثيرين ممن كتبوا عن تاريخ المسرح العربي في القرن التاسع عشر انشغلوا بالمادة التاريخية والمحتوى الفكري والجمالي، ولم يولوا الجوانب الإنسانية والشخصية التي رافقت تلك النشأة أدنى اهتمام. ويذكر أن تيسير خلف روائي وباحث فلسطيني سوري، مواليد 1967، صدرت له العديد من الأعمال الأدبية والبحثية. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “قطط أخرى” عام 1993، ليتبعها برواية “دفاتر الكتف المائلة 1996″، لتتوالى كتاباته التي تجاوزت الخمسين كتابا بين الأدب والدراسات التاريخية والرحلة والتحقيق. أهمها “موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين”، الذي صدر في ثمانية مجلدات عام 2009. من رواياته الأخيرة: “موفيولا 2013″، و”مذبحة الفلاسفة 2016 (وصلت القائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية - بوكر)، و”عصافير داروين” 2018.
مشاركة :