كيف يمكن ان يطلق بناء 'الكاتدرائية السوداء' أسوأ ما في البشر

  • 1/8/2022
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

يتجلى في رواية "الكاتدرائية السوداء" للروائي الكوبي مارسيال غالا بناءان يلقي كل منهما بظلاله على الآخر، بناء مادي يتمثل في كاتدرائية وبناء اجتماعي يحمل كل أبعاد وملامح الواقع الكارثي الذي تعيشه بعض مناطق كوبا، فنحن أمام جوقة من الرواة ننتقل معها من الحاضر إلى الماضي ثم من الماضي إلى الحاضر، تشكل حكاياتهم العالم الكلي للواقع وأحداثه، حيث تحمل آراء ووجهات النظر وتعليقات غير المباشرة، إنها سلسلة من المشاعر الإنسانية التي غالبًا ما تعمينا عن إخفاقات أي مجتمع: العاطفة، والحب، والكراهية، والإجرام، والخلل الأسري والمجتمعي. تنتقل عائلة ستيوارت إلى حي هامشي في ثيينفويجوس، وهي مدينة تقع على الساحل الجنوبي لكوبا، أرتورو ستيوارت مع زوجته كارمن وأطفالهما الثلاثة " ديفيد كينج وصموئيل برينس وماري يوهانيس"، يكتشف ستيوارت، الواعظ صاحب الشخصية الجذابة، بعد وصوله بفترة وجيزة أن الله قد كلفه بمهمة: بناء كاتدرائية تفوق أي كاتدرائية سبق رؤيتها في كوبا، وجعل ثيينفويجوس قدس جديدة. وفي حي مليء بالعواطف والصراعات، عند سفح كاتدرائية التي ترتفع يومًا بعد يوم، ينمو جيل يتميز بالعنف والقسوة والأنانية الشديدة. سيحمل هذا الجيل هذه السمات إلى ما وراء حدود الحي والمدينة والبلد، غير قادر على الهروب من ظل الكاتدرائية غير المكتملة. الرواة بينهم المهندس وزملاء الدراسة ومديرة المدرسة ورجل العصابات والرسام والشبح والقاتل والساحر والثرثار وجميعهم يغازلون ويكذبون ويتجادلون لا علاقة لأهدافهم بالله. ينقلب الأصدقاء منهم على بعضهم البعض، ويترتب على ذلك القتل والفوضى والخيانة والغدر، لينهوا قصص بعضهم البعض، حتى لنتساءل كيف يمكن أن يتسبب بناء مكان عبادة في إطلاق الأفكار السلبية أو السوداء في أوساط المجتمع؟.. إننا أمام بلدة يحركها الجشع والعنف، "لا أحد أقدس منك". هذه الحيوات والأحداث التي تدور في فلكها الرواية تشكل بالنهاية لائحة اتهام هزلية قاتمة لكوبا الحديثة، كتبها جالا بشجاعة وواقعية بل مزينة بالسحر. إنها صورة لما تبقى عندما تلاشت أحلام اليوتوبيا. تؤكد الرواية التي ترجمها محمد عبد العزيز وصدرت عن دار العربي على ما يحدث عندما يطغى الجشع والعنف على أجزاء مهمة من هويات الناس - ولا سيما النشاط الجنسي والدين، حيث يصبح من المستحيل فصل أحدهما عن الآخر، تمامًا كما يصبح من المستحيل فصل رواية إحدى العائلات عن روايات جيرانها. إن الدين هنا كما الجنس أداة للتلاعب بالآخرين والتغلب عليهم، لا يوجد شيء مقدس، حتى أن ستيوارت الذي يقوم على بناء الكنيسة بنفسه، ليس فوق اللوم "هكذا كان دائمًا مع الله على طرف لسانه، لكنه مقتنع بأن كل شيء يمكن حله من خلال المال والديماغوجية". في كثير من الأحيان، يسير التعبير عن الجنس جنبًا إلى جنب مع العنف.. في الصفحات الأولى من الرواية، يهاجم صبي آخر لأنه وصفه بـ "الشبح". وتلجأ الشخصيات الذكورية التي تخضع حياتها الجنسية للفحص باستمرار إلى العنف أو غيره من مظاهر القوة لإثبات نفسها. في هذه الأثناء، الجشع، بدلاً من العنف، يشوه علاقة الزوجين المثليين. أحدهم يخون صديقه طوال الوقت، ويعامل حبيبته كسلعة ويختار ألا تصبح أبدًا زوجة لرجل أخر. تحدث معظم المشاهد التصويرية للجنس الذي شوهه الجشع والعنف من خلال القاتل جرينجو. يلقي جرينجو اللوم في جرائم القتل التي ارتكبها على حبه لماري يوهانيس، وفي النهاية لا يستطيع إدراك الفرق بين الرغبة في جسد امرأة والرغبة في قتلها. أيضا تظهر الرواية الجانب العنصري في المجتمع الكوبي، فهذه المجموعة الواسعة من الشخصيات الأنانية، تلعب العنصرية دورًا واضحا بكشفها قيام الناس بتسليع الآخرين. فضلا عن أن العديد من الشخصيات الذكورية ينظرون إلى النساء اللواتي يرغبن في النوم معهن بناءً على لون بشرتهن فقط. عندما لا يبدو أن شخصية ذكورية تنام مع النساء، تفكر شخصية أخرى "هل يمكن أن يكون مثليًا أو لا يحب الأشخاص من عرقه؟". العنصرية هنا هي مجرد واحدة من عدة طرق تبرر بها الشخصيات إساءة معاملة الآخرين أو رفضهم لتحقيق أهدافهم الخاصة. يذكر أن مارسيال غالا روائي وشاعر ومهندس معماري وعضو في اتحاد الكتاب والفنانين في كوبا. وُلد في هافانا بكوبا عام 1965. حصل على جائزة "بينوس نويفوس" للقصص القصيرة عام 1999. نُشرت روايته هذه لأول مرة عام 2012، ونالت جائزة "أليغو كاربينتر" للأدب عام 2012، وجائزة النقاد لأفضل المنشورة في كوبا عام 2012. فاز جالا أيضًا بجائزة مجلة "إن" عام 2018 عن روايته "واجبات نحو لا شيء". يعيش حاليًا بين بوينس أيرس وثيينفويجوس. "جرينجو": سيقتلونني كما يبدو. عن طريق حقنة تحتوي على مزيج سام، لأنام للأبد فلا أستيقظ ثانية، وقد أجلسوا أمامي ـ خلف لوح من الزجاج المقوي ـ عائلات الأمريكيين الذين قتلتهم، وسيراقبونني مشاهدين كيف أموت رويدا رويدا. حان وقت العرض. سيقتلونني، على الأقل هذا ما يظنونه، لكن ربما أتحول لحشرة أو طائر صغير، سأتحول إلى نحلة، أو طائر طنان، وسأهرب من النافذة قبل أن يحقنوا السائل الأول المؤلم، الذي يأخذك للنوم. على الأقل هذا ما يقوله الحارس الأسود البدين، الذي أخبرني ذات مرة أنه لو كان وسيما مثلي لما فكر ولو للحظة في قتل امرأة واحدة. بدلا من هذا سيستمتع بحياته بسعادة، لكن لسوء الحظ ولد يوجه قبيح ككلب البحر، ولم يجد عملا إلا هذا؛ الاهتمام بالمساجين المحكوم عليهم بالإعدام، على الرغم من أنه اعتاد لعب كرة القدم قبل أن يصاب في ركبته. ـ ستبلي بلاء حسنا كسياسي أو كعمدة البلدة. لقد صار للبلاد رئيس زنجي فربما يلتفتون لك. هكذا أخبرته لكنه أجابني: ـ لا أظن، فالسياسيون لا يتفوهون إلا بالكذب ولا أظنني أصلح لهذا، ما أريده هو أن أتمكن من دفع ضرائبي وأن تحبني "تيريزا". "تيريزا" هي زوجته، امرأة بدينة سوداء، ذات وجه لطيف، تبعث لي أحيانا بقطع "البان كيك"، وقطع اللحم المشوي التي كالبلاستيك. ـ لو أنني قابلت من هي مثل "تيريزا" عندما كنت في كوبا، لسارت حياتي باتجاه مختلف تماما. هكذا اعتدت أن أقول لنفسي أحيانا لأخدعها، لكن الحقيقة هي أنني منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري لم أتعرف إلا إلى العاهرات والنصابات والنساء الحقيرات، مثل "يوهانيس" هذه التي لا تختلف عن الشيطان في شيء. "روجيليو": في تلك الأوقات التي تدهورت فيها حال كل شيء، تمكنت تلك الكنيسة من أن تقف شامخة بثقة، كأنما تقول: "أنا هنا بالرغم من كل شيء، انظروا لي". "جاتس": كنت أنتوي قتله بالبداية! عندما طلبت منه الخروج إليّ، كان هذا لكي أقتله، وأدع العار يلاحقني، فأغمس نفسي فيه، وأؤكد فكرة أنني ولدت فاشلا.. لكنه لم يخرج، لم يسحب سكينا ولا أي شيء من هذا القبيل؛ بل أكاد أظنه قد بال على نفسه. كل ما فعله هو أن نظر إليّ من وراء زوجته، فصرخت فيه: ـ جبان! مثلي! وكل إهانة أخرى أتت بعقلي وقتها!. "آراسيلي": لكن ما لن تعرفه "بيرتا" أبدا هو أنني كنت على علاقة مع "برينس" وأنني كنت عشيقته في الوقت نفسه الذي كنت عشيقتها فيه!. أحيانا كنت أقول إنني يجب أن أذهب لمكان ما، ولكنني في الحقيقة أذهب للقاء "برينس"، لنذهب معا لبعض الفنادق الرخيصة المتناثرة في "ثيينفويجوس". وأحيانا كنا نذهب للفنادق الغالية لأنني تبقى معي بعض المال. وأحيانا يقوم هو باختلاس بعض المال من أبيه، لم يخبرني بهذا، لكنني أعرف أنه سرق من والده، لن تعرف "بيرتا" بهذا أبدا، ما لم يقم الرجل الميت بإخبارها. مسكين "آراميس"، بعد وفاته لم يرغب في التحدث معي ولا مرة، كما لو كان يلومني على ما حدث، كما لو أنني أنا من قلت له أن يذهب "ثيينفويجوس" ويشتري دراجة نارية لنفسه، كما لو أنه نسي أن الشيء الوحيد الذي طلبته من صديقي الجواخيرو الصغير الذي مات منذ فترة طويلة؛ أن ينقذني من زوجي "فيريرو" لكن هذه هي حال الحياة، كثيرا ما تكون قاسية. لم أكتب أي شيء آخر، عندما رحلت عن "ثيينفويجوس" شعرت أنني احترقت، بالإضافة إلى أن الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لي في التليفزيون. يقولون أن لدي وجها جذابا، وقد سمعت تلك الملحوظة كثيرا حتى انتهى بي الأمر وأنا أصدقها، بدأت أصدقها بينما أنا أزداد عمرا، وسرعان ما ستأتي من هي أجمل شكلا وأصغر سنا. لم أولد سحاقية! لن أخوض علاقة أكون فيها مع امرأة ثانية؛ لقد ولدت لأكون مع الرجال، وليس أي الرجال، فلا أحب الأجانب، لا أنجذب إلا للرجال الكوبيين، ربما أنا ماسوشية وأستمتع بأن تتم إساءة معاملتي، لكن هذه هي حالي. عشيقي الحالي سائق شاحنة يأتي لرؤيتي في كل مرة يعود فيها من "سانتياجو" حيث يعمل، ويضربني ليس بشدة، ولا يفعلها على وجهي، لكنه يضربني. أحب فكرة أن يضربني، لكن ليس ضربا شديدا، أحب فكرة أنه لا يوجد من يطيقه في محطة التليفزيون التي أعمل بها. طيلة الوقت يسألونني: ـ كيف تتحملينه يا "آراسيلي" رجلا فظا مثله، وأنت بتلك الرقة؟ وعندما أشعر بالرغبة في هذا، أجيبهم بأن يذهبوا للجحيم بطريقة أهل "ثيينفويجوس"، فأقول: ـ ابحثوا عمن يغتصبكم! وهنا يغهمون أنني لست رقيقة كما يتصورون، وإنما مجرد امرأة عادية. أحب أن يعرفوا هذا ليكونوا مستعدين، لا أحب أن يضع أحدهم توقعات معينة بالنسبة لي. ـ لست شخصيا مميزا يا مغفلين! هكذا أجيبهم يخبروني أن آخر قصيدة كتبتها ظهرت في أي كتاب مختارات شعرية، فأهتف غاضبة: ـ لم أسمح بهذا! فلأسباب جنسية قمت بإعطاء كل قصائدي لـ "بيرتا" وهي من تقوم بنشرها باسمي. يا لها من مجنونة! هكذا أفكر، لأنني لم أقرأ أيا من رواياتها، ولا أنوى أن أفعل هذا في أي وقت قريب! كل ما يهمني بشأنها هو شخصيتها، كما كان الموضوع بالنسبة لـ "برينس". شخصية شرير على حساب ما عرفت، وربما "أسوأ من عضة خنزير" كما يقولون في بلدتي. تبول على وجهي مرة، ولم تكن أثناء ممارستنا للجنس، كنت وقتها نائمة، عندما شعرت بتيار ساخن على خدي، لأجده "برينس" وهو يتبول عليّ كأنني مرحاض لعين!.

مشاركة :