محمد كركوتي يكتب: قلق آتٍ من التضخم

  • 1/9/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

العالم منشغل حالياً بارتفاع التضخم ووصوله إلى مستويات تاريخية، وسط عدم وضوح الرؤية حيال ما ستؤول إليه تداعيات «أوميكرون» المتحور الأخير لـ«كورونا». والتضخم يظل آفة في كل الأزمنة، وتتعمق هذه الآفة عندما تكون هناك أزمة عالمية. ففي الولايات المتحدة بلغ أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، وكذلك الأمر في بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وهو يضرب في كل الاتجاهات، بينما تسعى الحكومات إلى السيطرة عليه على الأقل، قبل أن تزيد سرعاتها في التخلص منه أو خفضه إلى المستويات الصحية. وللتضخم (بالطبع) بعده السياسي والاقتصادي في آن معاً، إضافة إلى نطاقه الاجتماعي الأوسع. وهذا الأخير يشكل في النهاية رأياً عاماً تخشى منه الحكومات، خصوصاً تلك التي لا تتمتع بقوة انتخابية كافية. والمشكلة في التعاطي مع التضخم في الوقت الراهن، أن العالم يمر بفترة مضطربة اقتصادياً. فعندما قررت الحكومات إيقاف برامج التحفيز أو الإنقاذ، اضطرت بعض البلدان المتقدمة أن تعيد فرض قيود اتخذتها مع تفشي «كورونا» قبل عامين. إنها إجراءات وقائية، لكنها جاءت في وقت حرج للغاية. فالنمو الكبير الذي حققه الاقتصاد العالمي في السنة الماضية، على أمل أن يتواصل هذا العام صار مهدداً. والحكومات التي أقدمت على مزيد من الاستدانة لتنفق على برامج الإنقاذ يبدو أنها ستكون مضطرة لمواصلة الوتيرة في الأشهر الأولى من العام الجاري على الأقل، ما يجعل عزم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) على خفض شراء الأصول، ورفع الفائدة اعتباراً من مارس المقبل، غير ثابت. والمعضلة هنا تكمن في أن رفع الفائدة في هذا الوقت بالذات، سيضرب النمو المأمول عالمياً. وأي خطوة في هذا الاتجاه من الجانب الأميركي ستقابلها خطوة مماثلة على الساحة الأوروبية. ويبقى السؤال الكبير حاضراً. هل بإمكان الحكومات أن تتوقف عن سياسة التيسير التي تتبعها لتحفيز النمو بعد عام وأكثر من الانكماش؟ من الواضح أنها لن تتمكن من ذلك على الأقل في النصف الأول من العام الحالي، وهي في الوقت نفسه ترزح تحت ضغوط التضخم المرتفع جداً. فالساحة الاقتصادية العالمية باتت تعلم أنه لا يمكن اعتبار التضخم الراهن مؤقتاً، ما يعني أن فترته ربما تطول أكثر، الأمر الذي يرفع من حدة إرباك المشهد الاقتصادي بشكل عام. لا يزال التضخم تحت السيطرة، أو هكذا تقول وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، لكن آفاق المشهد العام تبقى مشوشة، مع ضرورة الإشارة إلى أن هناك انقساماً حاداً في دائرة واضعي السياسات الاقتصادية الأميركية، بين من يريدون التريث قليلاً في مسألة الخروج من السياسة النقدية التيسيرية، على اعتبار أن التضخم ما زال تحت السيطرة، وبين من يسعون إلى الخروج منها بصرف النظر عن أي تبعات. لكن يبدو واضحاً، أن الأمر لا يمكن أن يتم عبر مواقف متطرفة، بينما المتحور «أوميكرون» يقلب بعض الموازين، على الأقل في هذه الفترة.

مشاركة :