اخترع شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضروس الثاني دينا وهميا، وأسهما في نحت مصطلح “الديانة الإبراهيمية” بتوجيه انتقادات له، بينما لم يظهر أيّ إعلان أو تصور أو موقف رسمي من أيّ جهة أو دولة بشأن هذه الديانة. وتثير تصريحات رجلي الدين استغراب المتابعين الذين يرى بعضهم أن انتقاداتهما تعود إلى استشفاف مبتور لتطورات سياسية في المنطقة وخاصة اتفاقات أبراهام في حين لا يستبعد آخرون أن يكون هذا الخلط متعمدا. وقال البابا تواضروس الجمعة إن “هناك أفكارا سبقت فكرة الدين الإبراهيمي التي هي فكرة سياسية، مثل أن الأديان كالألوان يمكن تغييرها كما نشاء، وهذا شيء لا يتناسب مع فكرة الدين وكلاهما مرفوض تماما وغير مقبول”. وجاء تصريح البابا ليعيد التذكير بتصريح مماثل عبّر عنه شيخ الأزهر في نوفمبر الماضي في إطار الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس بيت العائلة المصرية عندما رفض “دعوات مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالة واحدة أو دين واحد يسمّى بالإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي”. ولم يتوقف الكثيرون عند ملامح التداخل وانساقوا وراء عواطفهم التي أخرجت بعض الإشارات عن السياق الذي وردت فيه، وجرى إلباس الإبراهيمية تفسيرات مختلفة. هناك قناعة داخل الكنيسة بأن البحث عن أفق سياسي بين ثقافات ودول مختلفة يجب أن يكون بعيداً عن الثوابت الدينية ففي الوقت الذي اعتبرها الشيخ الطيب “دينا” عاد وشبهها بالعولمة والأخلاق العالمية وغيرها، حيث قال “إن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها تدعو للاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته.. إلا أنها، هي نفسها، دعوة إلى مصادرة حريات الاعتقاد والإيمان والاختيار”. وظهر التناقض والارتباك والبعد عن التسامح كفكرة مركزية في كلام البابا الذي قال “الشرق الأوسط مهد الأديان، وهذه الفكرة نتاج تفكير سياسي الهدف منه كسر ثوابت الدين أيّ دين، والثوابت هي ما يحفظ كيان الإنسان والهوية، وبالتالي ما ينادي به الغرب شيء مرفوض”. وقال هاني عزيز رئيس جمعية “محبي مصر السلام” إن الطابع الديني غلّف الدعوة السياسية التي انطلق منها الحديث عن “الديانة الإبراهيمية” ما جعل هناك ضرورة للإفصاح عن موقف قادة المؤسسات الدينية، فثمة قناعة داخل الكنيسة بأن البحث عن أفق سياسي بين ثقافات ودول مختلفة يجب أن يكون بعيداً عن الثوابت الدينية. وأضاف لـ”العرب” أن تطرق البابا تواضروس للديانة الإبراهيمية وإعلانه رفضها ينبع من التنسيق والتشاور المستمر بينه وبين شيخ الأزهر تجاه التعامل مع مثل هذه القضايا الشائكة ما يمنع حدوث فتنة طائفية. وبدأت الفكرة تلقى رواجا مع الدعوة إلى إقامة السلام بين الشعوب والدول بغض النظر عن الفروقات، وبدأ مصطلح الإبراهيمية كحمّال أوجه ينتشر مع اتجاه بعض الدول العربية لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ نحو عامين، وأطلق عليها اتفاقات أبراهام أو الاتفاقات الإبراهيمية، ورعاها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومستشاره السياسي غاريد كوشنير. وقال بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”. وتصاعد الأمر وخرج عن سياقاته مع الربط التعسفي بين الدعوة للإبراهيمية كعقيدة جديدة وبين “بيت العائلة الإبراهيمية” كعنوان للتسامح. وأمر وليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بتأسيس هذا البيت لتخليد ذكرى الزيارة التاريخية المشتركة للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وهي الدعوة التي تمّت قبل توقيع اتفاق سلام بين الإمارات وإسرائيل. ويضم “بيت العائلة الإبراهيمية” مسجدا وكنيسة مسيحية وكنيسا يهوديا كتعبير عن التعايش بين الأديان الثلاثة، ومن المنتظر أن يتم افتتاحه خلال العام الجاري. وخرج الكلام عن التعايش والتسامح ونشر ثقافة الحوار بين الأديان ليأخذ مناحي وإسقاطات أخرى، وحملت الإبراهيمية تفسيرات متباينة، جعلت أكبر رمزين دينيين في مصر يختاران الهجوم من دون الدخول في نقاشات جادة حول معناها الحقيقي. وركز شيخ الأزهر والبابا من بعده على البعد الديني في الدعوة إلى الإبراهيمية، لكن هناك من استغلوا حديثهما في الخلط بين الديني والسياسي للتعبير عن رفض خفي للتسامح. واللافت أن تطرقهما إلى الإبراهيمية جاء في الحالتين بصورة بعيدة تماما عن سياق التعايش والتسامح الذي يعمل عليه الشيخ والبابا، وهو أيضا الفحوى الرئيسية لما تنطوي عليه الإبراهيمية، بصرف النظر عن مواقف البعض منها.
مشاركة :