الخرطوم - دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة السياسية في السودان وانتقلت من دعوات ضبط النفس والتهدئة ومن التحذيرات وبيانات القلق والشجب إلى لعب دور الوسيط بين العسكر والقوى المدنية على أمل وضع حدّ لحالة الشدّ والجذب والتأسيس لمرحلة جديدة تعيد طرفي النزاع إلى طريق التسوية السلمية والمشاركة السياسية في قيادة المرحلة الانتقالية. وكان لافتا منذ أعلن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك استقالته من منصبه بعد أن تراجعت أسهم شعبيته على خلفية عودته للمنصب بموجب اتفاق مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، اعتبرته القوى المدنية "شرعنة للانقلاب" و"خيانة"، أن السودان سلك طريق الفوضى وهو أمر يهدد مسار الانتقال الديمقراطي وينذر بموجة عنف دامية. وتعتزم الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها الخاص إلى السودان فولكر بيرثس، إطلاق محادثات بين العسكر الذين يحكمون قبضتهم على السلطة والقوى لمدنية التي تقود الاحتجاجات رفضا للانقلاب العسكري وللمطالبة بحكومة مدنية. وأوقف انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول مسار المرحلة الانتقالية التي اتفق عليها بين العسكريين والقوى المدنية في أغسطس/اب 2019 بعد بضعة أشهر من إسقاط عمر البشير في ابريل/نيسان من العام نفسه بعد احتجاجات شعبية استمرت أربعة أشهر. وخرج السودانيون بعشرات الآلاف أحيانا، إلى الشوارع بشكل متكرر منذ الانقلاب مطالبين بإبعاد العسكريين عن السلطة وبحكم مدني خالص. وأسفر قمع قوات الأمن للتظاهرات الاحتجاجية عن مقتل 63 شخصا، معظمهم بالرصاص الحي، وإصابة المئات، وفق حصيلة جديدة أعلنتها لجنة الأطباء المركزية (نقابة مستقلة) التي أكدت وفاة متظاهر الاثنين متأثرا بجروح أصيب بها الأحد. والسبت، أعلنت الأمم المتحدة أنها ستطلق "مشاورات أولية" بين المدنيين والعسكريين في السودان بهدف حل الأزمة التي تشهدها البلاد منذ الانقلاب العسكري. وقالت في بيان إن ممثلها في السودان فولكر بيرثس "سيطلق رسميا المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية تتولى الأمم المتحدة تيسيرها بهدف التوصل لاتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية". ولكن ردود فعل القوى المدنية الرئيسية في السودان على مبادرة الأمم المتحدة بدت حتى الآن فاترة. وقال جعفر حسن المتحدث باسم الفصيل الرئيسي في قوى الحرية والتغيبر، التي لعبت دورا محوريا في التظاهرات ضد البشير "لم نتلق بعد أي تفاصيل حول المبادرة"، مضيفا "نحن على استعداد للمشاركة في المحادثات بشرط أن يكون الهدف منها استئناف التحول الديمقراطي وتنحية نظام الانقلاب ولكننا ضد هذه المبادرة إذا كانت تستهدف إضفاء الشرعية على نظام الانقلاب". وأعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب كذلك دورا محوريا في الاحتجاجات التي أدت إلى إسقاط البشير الأحد رفضه للمبادرة و"تمسكه الصميم باللاءات المعلنة من قبل قوى الثورة الحية وهي لا تفاوض لا شراكة لا شرعية"، معتبرا أن "الحل هو إسقاط سلطة المجلس العسكري وانتزاع السلطة الشعبية المدنية الكاملة". وأكدت الأمم المتحدة أنه "ستتم دعوة كافة أصحاب المصلحة من المدنيين والعسكريين بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة". وفي بيان السبت، أوضح بيرثيس أن "العنف المتكرر ضد المتظاهرين السلميين عقب الانقلاب لم يسهم سوى في تعميق انعدام الثقة بين كافة الأحزاب السياسية في السودان"، مشيرا إلى أنه حتى الآن "لم تنجح كل التدابير التي تم اتخاذها في استعادة مسار التحول الديمقراطي". وعطّل البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي استكمال انتقال السلطة إلى المدنيين عبر اعتقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وغالبية القادة المدنيين وتعليق عمل مجلس السيادة. ورغم تعهد البرهان إجراء انتخابات عامة في منتصف 2023 استمرت الاحتجاجات على الانقلاب وعلى التسوية التي وافق بموجبها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني وهو ما اعتبره المتظاهرون "خيانة". والأسبوع الماضي، أعلن حمدوك استقالته مؤكدا أنه حاول إيجاد توافقات لكنه فشل وحذر من أن البلاد تواجه "منعطفا خطيرا قد يهدد بقاءها" وأنه كان يسعى إلى تجنب "انزلاق السودان نحو الهاوية". ويعقد مجلس الأمن الدولي الأربعاء اجتماعا مغلقا غير رسمي للبحث في آخر التطورات في السودان، وفق ما أعلنت مصادر دبلوماسية الجمعة.
مشاركة :