أقرّت المفوضية الأوروبية استمرارية اتفاقية العلاقات التجارية القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، في خطوة يرى مراقبون أنها تجدد التأكيد على التزامات أوروبا في إطار شراكتها الشاملة مع الرباط. وسلط تقرير للمفوضية الضوء على النمو السريع الذي تشهده الأقاليم الجنوبية والعمل الذي يؤديه المغرب من أجل التنمية في إطار “برنامج التنمية 2016 – 2021″، من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع الوازنة. ويرى مراقبون أنه يمكن اعتبار هذه الخطوة تنويها بالجهود الكبرى المبذولة من قبل المغرب في الأقاليم الجنوبية، مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب المتعلق بالاستعمال للموارد الطبيعية كمثال مشروع ميناء الداخلة ومشروع محطة لتحلية مياه البحر. يونس بلفلاح: تقرير المفوضية يمهد لعودة العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي وأكد الباحث والأكاديمي المغربي يونس بلفلاح أن التقرير انتصر لرؤية المغرب في ما يتعلق بالاتفاقية الزراعية والصيد البحري، ويعد تمهيدا لعودة العلاقات بشكل كامل وتام بين المغرب والاتحاد الأوروبي، على الرغم من التوتر الذي عرفته العلاقات الثنائية خلال الفترة السابقة خصوصا مع إسبانيا وألمانيا. ولفت إلى أنه من خلال الزيارة الميدانية التي أجراها بعض أعضاء المفوضية إلى الأقاليم الجنوبية المغربية أثبتت بأن هناك دورا مهما لهذه الاتفاقيات في خلق فرص شغل مهمة بالمنطقة والاستثمار وتطوير قطاعات الزراعة والصيد البحري. واعتمد تقرير المفوضية على معطيات مرقمة، تشدد على الوقع الإيجابي والملموس لاتفاقية الشراكة بين الطرفين، على التنمية السوسيو – اقتصادية للأقاليم الجنوبية وسكانها، من حيث النمو الاقتصادي، الإنتاج وتصدير منتجات الفلاحة والصيد البحري، وإحداث فرص الشغل والاستثمارات. ويأتي هذا التقرير السنوي في إطار تنفيذ الاتفاقية في شكل تبادل للرسائل، المعدلة للبروتوكولين 1 و4 من اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي دخلت حيز التنفيذ في التاسع عشر من يوليو 2019، والمعروفة باسم “الاتفاقية الزراعية”، بعد أن تم توقيعها في بروكسل مطلع ذلك العام. وأعد وفد من موظفي المفوضية الأوروبية وخدمة العمل الخارجي الأوروبي هذا التقرير بعد زيارة للأقاليم الجنوبية المغربية في الفترة ما بين العشرين والثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، حيث ركز التقرير على تحليل الصادرات الزراعية والسمكية، والتي بلغت قيمتها الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي في السنة الماضية (2020) 79.5 مليون يورو (110.47 مليون دولار). وأسهمت الاتفاقية المذكورة في خلق عدد مهم من فرص العمل في منطقة الداخلة وحدها، بحيث تشير التقديرات إلى وجود أربعة عشر ألف فرصة عمل مباشرة في القطاع الزراعي في عام 2020. وتدافع المفوضية الأوروبية عن الاتفاقية، التي طالبت محكمة الاتحاد الأوروبي بإلغائها، لما لها من فوائد كثيرة للصحراء وسكانها من حيث الصادرات والنشاط الاقتصادي والتوظيف، فضلا عن الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة المغربية في أقاليمها الجنوبية، مشيدة بـ”الخطط التنموية والاستثمارية للمغرب التي لعبت دورا مهمّا في تنمية الصحراء والمنطقة ككل”. ناصر بوريطة: أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية وقال بلفلاح لـ”العرب” إن “هذا التقرير يمكن اعتباره عنصرا إيجابيا بالنسبة إلى الرباط، حيث سيقوي العلاقات التجارية الموجودة بين المغرب والاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمغرب ما يجعل العلاقة مستمرة على الرغم من وجود بعض الخلافات السياسية”. ويرتبط محتوى التقرير بالتطور الأخير الذي عرفته العلاقات المغربية – الألمانية على المستوى السياسي والدبلوماسي، حيث أكّد الأكاديمي أن “عودة العلاقات المغربية – الألمانية لمسارها الطبيعي بعد تصريحات الجانب الألماني الإيجابية مؤشّر يزكي العلاقات المغربية – الأوروبية في شق الاتفاقية التجارية والصيد البحري رغم محاولة البعض تسييس الاتفاقية المبرمة بين الطرفين”. وتهم اتفاقية الصيد البحري نحو مئة وعشرين سفينة صيد (80 في المئة منها إسبانية)، تمثل إحدى عشرة دولة أوروبية، وهي: إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، ليتوانيا، لاتفيا، هولندا، أيرلندا، بولونيا وبريطانيا. ورفض المغرب “منطق المساومة” الذي يتعامل به الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الصيد البحري، إذ حكمت المحكمة الأوروبية ابتدائيا ببطلان تلك الاتفاقيات وفقا لطعون قدَّمتها جبهة البوليساريو الانفصالية بالأقاليم الجنوبية. وكانت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي أعلنت عن إلغاء اتفاقية الصيد البحري في سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى الاتفاقية التجارية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لتضمينها في تطبيقها منتجات من الصحراء المغربية، مع الحفاظ على آثار الاتفاقات المذكورة “لفترة زمنية معينة للحفاظ على عمل الاتحاد الخارجي واليقين القانوني لالتزاماته الدولية”. وأوضح بلفلاح أن “بعض القرارات التي تصدر من جهات معينة بشأن جوانب متعلقة بالصحراء تدخل في إطار حملة ممنهجة تستهدف سيادة المغرب على صحرائه”. ويتماشى رأي المفوضية الأوروبية مع ما أكده وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أثناء تقديمه مشروع ميزانية وزارته لسنة 2022، بأن “أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية كمنطلق لأي اتفاق كما أشار العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه الأخير”.
مشاركة :