شكل المسرح التفاعلي رغم سنوات انتشاره القليلة في سوريا نافذة مميزة لعرض قضايا الناس من خلال إدخال المتفرج في اللعبة المسرحية وتكريس الارتجال في أداء الممثلين بطريقة تشاركية تنتج عنها حلول للمواضيع المطروحة. وبشكل عام فإن المسرح التفاعلي يعتبر من الفنون الحديثة نسبياً، حيث نشأ في ستينات القرن الماضي واعتمد في فكرته على الخروج من القالب التقليدي والعرض في أماكن مختلفة. ويخلط بعض المسرحيين والكتّاب العرب بين فرضيتين جرى تداولهما في الثقافة المسرحية خلال السنوات الأخيرة، هما فرضيتا “المسرح التفاعلي” و”المسرح الرقمي”، على الرغم من ندرة تحقّقهما في الممارسة المسرحية العربية مقارنة مع الأنماط الشائعة التي عرفتها. ويعود هذا الخلط إلى شيوع مصطلح “الأدب التفاعلي” مرادفا لمصطلح “الأدب الرقمي” في كتابات بعض الكتّاب العرب عن الأدب الذي يُنشر إلكترونيا، ويقوم على دمج الوسائط الإلكترونية المتعددة: النصية والصوتية والصورية والحركية في الكتابة على فضاء ويسمح للقارئ بالتحكم فيه. أما “المسرح التفاعلي” (سُمّي بالمسرح التحفيزي أيضا) فيختلف عن “المسرح الرقمي”، فهو يشير إلى العرض المسرحي الذي يُقدّم في فضاءات مختلفة ويتفاعل فيه المتلقي والممثل على أساس ما يُعرف بـ”التغذية الراجعة” (Feed BacK)، أي أن العرض يُشرك المتلقي في الفعل المسرحي ويستجيب لردود أفعاله. المسرح التفاعلي يطرح قضية مجتمعية يؤديها شخص لا يسعى لإيجاد حلول لها يطلق عليه اسم "المؤدي" وفي هذا الصدد يحدّد المنظّر السيميائي الإيطالي أمبرتو إيكو سمتين مميزتين للعرض المسرحي تؤثران على طبيعة التلقي المسرحي الجماهيري، الأولى عملية تكوين العلامة المسرحية على الخشبة، تلك العلامة التي لا تمثلها اللغة، كما هي الحال في النص المكتوب، بل شيء، أو شخص حقيقي. ويرتبط بهذه العملية وعي المتلقي بالممثل بوصفه ممثلا، الأمر الذي يعمل طوال الوقت على إبراز حقيقة أن عالم خشبة المسرح هو عالم مخلوق ومتخَيّل. أما السمة الثانية فتتمثل في أن المتلقي حينما ينظر إلى الشخصية في العرض المسرحي قد يضحك عليها، أو يشتمها، فهي عملية تغذية راجعة، أو قد تبدر منه ردود أفعال إزاء ردود أفعال المتلقين المحيطين به، ومن ثم فإن الرسائل المسرحية تتشكل أيضا بواسطة عملية التغذية الراجعة التي ينتجها الطرف الآخر من عملية الاتصال. وفي سوريا ظهر المسرح التفاعلي على شكل عروض منفصلة وبرامج رعتها مؤسسات أهلية حتى أصبح له مهرجان سنوي مخصص لعروضه وتشارك فيه فرق مسرحية وشباب هواة يعملون على تطويره. وعن بداية فكرة المهرجان في سوريا قال أنس الكاتب المنسق العام للمهرجان في دورته الرابعة التي اختتمت مؤخراً في تصريح له “فكرة تخصيص مهرجان للمسرح التفاعلي انطلقت بمبادرة من شبكة الأقران الشباب في سوريا بالتعاون مع مجلس الشباب السوري وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان بهدف تقديم عروض تتناول قضايا مجتمعية تعني الشباب كالعنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز والهجرة والتعليم وفرص العمل والتوظيف”. وانطلاقاً من أن المسرح أساس التغيير المجتمعي ووسيلة فعالة لإحداث التأثير بين الناس جاء تبني فكرة مهرجان المسرح التفاعلي بهدف التثقيف وفقاً للكاتب. بدورها لفتت مريم العكل من منظمي المهرجان إلى مشاركة 11 فريقاً من محافظة دمشق وريفها وحمص وحلب وحماة ودير الزور والسويداء وطرطوس في عروض تمس قضايا اجتماعية متنوعة. واعتبرت العكل أن المهرجان أكسب الفرق تشجيعا كبيرا وأتاح لبعضها فرصة المشاركة للمرة الأولى وولد الحماس والتفاعل الإيجابي لدى جميع المشاركين. ويتميز المسرح التفاعلي عن غيره وفقا للعكل بأنه يطرح قضية مجتمعية يؤديها شخص يطلق عليه اسم “المؤدي” والذي يؤمن بفكرة ويؤديها لكن دون إيجاد حلول للقضية المطروحة ليصبح الجمهور شريكاً في المسرح ويستنبط لها الحلول. ومن المشاركين في المهرجان أوضح الشاب عبدالعزيز النجم الذي حاز فريقه المسرحي “ستار” من دير الزور الجائزة الأولى في المهرجان أن عرضهم تناول جريمة الاغتصاب والنظرة الاجتماعية السلبية للمرأة التي تتعرض لها، مشيراً إلى صعوبات واجهتهم خلال التحضير ولاسيما قصر فترة التدريبات ومع ذلك استطاع الفريق إيصال الفكرة المطروحة إلى الجمهور بطريقة صحيحة وبسيطة. وأشارت الشابة يارا مريم التي تمنت أن تتكرر هذه التجربة إلى أنها شاركت مع فريق ثلاثة بواحد من محافظة حماة باسكتش يتحدث عن الوصمة والتمييز من خلال وصم شخص بأنه مصاب بفايروس كورونا. وكان موضوع الهجرة محور عرض “تجاوزات” الذي قدمه فريق محافظة حمص حيث بين فارس الدروبي أحد المشاركين في الاسكتش أنه يتمحور حول هجرة الشباب خارج الوطن وعودة المسنين إليه لتلمس الآثار السلبية للهجرة وخطورة هجرة العقول إلى الخارج مؤكداً أهمية أن يطرح الشباب قضاياهم من خلال المسرح التفاعلي ويعبروا عن أفكارهم وهمومهم.
مشاركة :