عام بعد آخر تقطع السيارات الكهربائية مسافات أطول في طريقها لترسيخ وجودها في سوق السيارات العالمي. ارتفعت مبيعاتها العام الماضي، وتجاوز معدل نمو المبيعات معدل نمو سوق السيارات العالمية، الذي ارتفع 26 في المائة مقارنة بعام 2020 وذلك مع انتعاش نسبي في الطلب نتيجة تخفيف القيود المفروضة في عديد من الأسواق بسبب فيروس كورونا، على الرغم من أن إجمالي مبيعات السيارات لا يزال أقل من مستويات ما قبل الوباء. خلال النصف الأول من العام الماضي تم بيع 2.6 مليون سيارة كهربائية بزيادة 160 في المائة عن النصف الأول من عام 2020، وتشمل المركبات الكهربائية مركبات كهربائية بالكامل والمركبات الكهربائية الهجينة التي تعمل بالكهرباء والوقود في آن. وتشير التقديرات الراهنة إلى أن إجمالي المركبات الكهربائية والهجينة التي تسير على الطرقات في جميع أنحاء كوكبنا تتجاوز حاليا 16 مليون سيارة، ثلثاها مركبات كهربائية بالكامل. وحتى مع القيود الناجمة عن فيروس كورونا والنقص العالمي الحاد في الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، ستتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية العالمية 6.4 مليون وحدة مبيعة في جميع أنحاء العالم هذا العام. في هذه السوق المزدهرة تعد الصين قوة الدفع الرئيسة تليها الأسواق الأوروبية. إذ تحتل الصين المرتبة الأولى في قائمة المبيعات، والعام الماضي بيع في الأسواق الصينية 1.1 مليون مركبة كهربائية في النصف الأول من العام، وهو ما يمثل 12 في المائة من جميع سيارات الركاب المبيعة محليا، ونتيجة هذا الإقبال الجماهيري المتنامي زادت شركات صناعة السيارات الصينية من عروضها للسيارات الكهربائية. وأضحت شركات من قبيل Aion وBYD وLi Xiang وNIO وXpeng علامات رائدة في الأسواق الصينية وأسواق البلدان المجاورة. على المنوال ذاته تم بيع مليون سيارة كهربائية في أوروبا، وهو ما يمثل 15 في المائة من السيارات الجديدة المبيعة، بينما ظلت النرويج الدولة الرائدة عالميا في تبنى السيارات الكهربائية بأكثر من 80 في المائة من جميع مبيعات السيارات الجديدة، ومثل السوق الصينية والأوروبية 87 في المائة من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم العام الماضي في المقابل لا تزال سوق السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة متأخرة عن نظيراتها، فقد تم بيع 250 ألف سيارة كهربائية في الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2021 فقط أي ما يعادل 3 في المائة من السيارات الجديدة. ويقول لـ"الاقتصادية" المهندس التون دين رئيس قسم التطوير في شركة فوكسهول "جزء من الزيادة الهائلة لمبيعات السيارات الكهربائية في البر الرئيسي في الصين وفي البلدان الأوروبية يعود إلى انتعاش الشراء بعد الأوضاع الاستثنائية التي سادت الأسواق الدولية عام 2020. فقد تعافت أسواق السيارات الخفيفة العالمية جزئيا بعد تراجع 28 في المائة في أوائل عام 2020". ويضيف "وما بيع في الصين من سيارات كهربائية خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021 يعادل مبيعات عام 2020 بأكملها، وكان معدل مبيعات السيارات الكهربائية من إجمالي مبيعات السيارات في الصين عام 2020 نحو6 في المائة فقط، وقد تضاعف هذا الرقم ليبلغ 12 في المائة وربما أكثر في عام 2021، المشهد إيجابي أيضا في أوروبا فبعض البلدان الأوروبية تمثل المركبات الكهربائية أكثر من ربع السيارات الجديدة المبيعة، وشركات السيارات الأوروبية تعمل على توسيع خطوط إنتاجها الكهربائية، لتوفر للمستهلكين خيارات أكبر، والتحدي الذي يواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية هو مواكبة الطلب على المركبات الكهربائية أثناء أزمة نقص الرقائق الإلكترونية". مقابل الأوضاع الإيجابية لسوق السيارات الكهربائية في الصين وأوروبا تبدو الولايات المتحدة متخلفة عن الركب، وقد وضع البيت الأبيض هدفا للسيارات الكهربائية لتشكل 50 في المائة من جميع مبيعات السيارات الجديدة بحلول عام 2030، لكن تقارير حديثة كشفت ان السيارات الكهربائية ستشكل فقط 4 في المائة من المبيعات الأمريكية في عام 2021 مقابل 12 و14 في المائة من المبيعات الجديدة في الصين وأوروبا على التوالي. لكن فهم المشهد الراهن والمستقبلي لصناعة السيارات الكهربائية يتطلب رسم صورة دقيقة لأكبر الشركات العالمية المنتجة للسيارات الكهربائية وطبيعة المنافسة القائمة بينها وانعكاساتها على عملية الإنتاج والأسعار. وربما تتضح الطبيعة الشرسة للمنافسة الراهنة في سوق السيارات عامة والسيارات الكهربائية على وجه الخصوص من إعلان مجموعة سوني اليابانية انها تخطط لإطلاق شركة لاستكشاف دخول سوق السيارات الكهربائية، عبر الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وتعتقد لورين سميث نائبة رئيس اتحاد منتجي السيارات في المملكة المتحدة أن شركة سوني تسعى للاستفادة من خبراتها في مجال تقنيات التصوير والاستشعار والترفيه لتساعدها في امتلاك موطئ قدم جيد وراسخ في سوق السيارات الكهربائية، حيث ستلعب تلك التقنيات دورا مهما في عمليات المركبات ذاتية القيادة. وتشير إلى أن سوني بدأت اختبار الطريق لطراز فيجين – إس 1 في أوروبا في كانون الأول (ديسمبر) 2020، وأجرت اختبارات على أنظمة التصوير والاستشعار والسلامة وتمتلك الآن نفس الخطط لطراز فيجين – إس 2. وفي الواقع فإن دخول المجموعة اليابانية سوني على خط إنتاج السيارات الكهربائية عبر نموذج لسيارات الدفع الرباعي، ما هو إلا مظهر من مظاهر المنافسة الاستثمارية الشرسة في تلك الصناعة والتي يتوقع أن تسفر عن دخول مستثمرين غير تقليدين في هذا المجال من أبرزهم شركة أبل التي يتوقع أن تنتج سيارة كهربائية في غضون الأعوام القليلة المقبلة. لكن حتى ينجح المستثمرون الجدد في تثبيت أقدامهم في سوق السيارات الكهربائية فإن المنافسة ستكون عنيفة وقاتلة كما يصفها الدكتور ميتشال ويلتون أستاذ ميكانيكا السيارات في جامعة لندن بين المنتجين التقليديين بالأساس، إذ تمثل معركة حياة أو موت. ويقول لـ"الاقتصادية" إن "شركة بحجم فولكسفاجن اعتمدت بشكل حصري ولأكثر من 80 عاما على محرق الاحتراق الداخلي لتصل إلى ما وصلت إليه الآن في عالم صناعة السيارات، حاليا تعمل على التحول التدريج والسريع لإنتاج السيارات الكهربائية، والفشل يعني باختصار نهاية شركة تضم 665 ألف عامل وإيرادات سنوية قدرها 265 مليار دولار، أما النجاح فيعني أن تتفوق الشركة التي تمتلك بورش وبوجاتي وسكودا ولامبورجيني وسيات وأودي وبنتلي على أقرب منافسيها شركة تسلا الأمريكية وتصد منافسيها الجدد من الصين ووادي السليكون". ويضيف "فولكسفاجن باعت ما يقارب 300 ألف وحدة من المركبات الكهربائية العام الماضي، وهو يقل كثيرا عما باعته تسلا في جميع أنحاء العالم خلال نفس الفترة، ومع ذلك تمتلك المجموعة 10 في المائة من حصة السوق في مجال السيارات الكهربائية، وهي ليست وحدها إذ إن جميع الشركات الكبرى تسير في ذات المسار، حيث يجرى إصلاح المصانع وتطويرها لإنتاج سيارات كهربائية، وأحيانا تجبرهم التكلفة المرتفعة لعملية التطوير والأبحاث على إيجاد شركاء أو القيام بعمليات استحواذ". ويصبح التساؤل هل تستطيع تيسلا عملاق إنتاج السيارات الكهربائية الحفاظ على ريادتها في السباق العالمي للسيارات الكهربائية في ظل تلك المنافسة الشرسة؟ لا تزال الإجابة محل جدل بين الخبراء فالشركة باعت 637371 سيارة كهربائية في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي، وتملك حاليا حصة تزيد على 21 في المائة في قطاع السيارات الكهربائية بالكامل، ولا يزال طراز تيسلا 3 هو أكثر السيارات الكهربائية مبيعا على الإطلاق، حيث بيع منه 365240 وحدة العام الماضي يليه الموديل Y ثاني أكثر السيارات مبيعا في الولايات المتحدة. ويقول لـ"الاقتصادية" الخبير في مجال التسويق إل. دي دالمر، "علينا أن نتذكر أن فولكسفاجن وغيرها من العملاقة في مجال إنتاج السيارات، لم يكن لديهم أبدا سببا للاهتمام بإنتاج السيارات الكهربائية، بل إن فولكسفاجن تحديدا استثمرت مبالغ طائلة لجعل محركات الديزل أكثر كفاءة في استهلاك الوقود وأقل ثمنا، بينما تيسلا لم يكن لديها منافسة فعلية عندما اقتحمت الطريق وأنتجت السيارة الكهربائية، والوضع الآن مختلف تيسلا سبقت منافسيها ولكن علينا أن ندرك أن هؤلاء المنافسين لديهم خبرات وقدرات وأموال لن تمكنهم من اقتحام السباق وحسب بل لديهم إمكانية الفوز". ربما تبدو مصداقية هذا التحليل شديدة الوضوح في الأسواق الأمريكية، حيث شكلت تيسلا أغلبية المركبات الكهربائية المبيعة، وبلغت حصتها من المبيعات العام الماضي ما يقارب 80 في المائة. لكن هذا بدأ يتغير الان فصناع السيارات التقليديين والشركات الناشئة تقتحم الأسواق التقليدية لتيسلا وسط توقعات بتراجع حصتها من السوق في الأعوام المقبلة. وتشير بعض التقديرات إلى أن حصة تيسلا في أسواق السيارات الكهربائية الأمريكية انخفضت العام الماضي إلى 56 في المائة، وستصل إلى 20 في المائة عام 2025، بل وستتفوق عليها شركة جنرال موتورز كأكبر بائع للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. لكن المشهد لا يمكن أن يكتمل دون ادخال الشركات الصينية في الصراع. فالسيارات الكهربائية والنج هانجونج من أشهر السيارات الكهربائية في الصين، وتعد أكبر شركة لتصنيع السيارات في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، وكذلك BYD ثاني أكبر علامة تجارية صينية للسيارات الكهربائية، ورابع أكبر شركة لتصنيعها في العالم حيث باعت نحو 200 ألف سيارة العام الماضي بحصة سوقية تقارب 6.5 في المائة. يبدو أن صناعة السيارات الكهربائية تقطع عاما بعد آخر مسافة أطول للوصول إلى هدفها النهائي بالهيمنة على سوق السيارات، ومن المؤكد أن العالم سيشهد خلال هذا العقد تغيرات جذرية في سوق السيارات، وستهيمن السيارات الكهربائية على الأسواق في نهاية المطاف، لكن لمن سيكون قصب السبق ومن سيخرج مهزوما ومن سيكون الرابح الأكبر، فتلك قصة أخرى يصعب الجزم بشأنها الآن على الأقل.
مشاركة :